شعراء عرب في مهرجان فجر الدولي للشعر يتحدثون للوفاق:

الشعر العربي والفارسي غصنان من شجرة واحدة

أقيم قبل فترة مهرجان فجر الدولي للشعر واجتمع شعراء إيرانيون وأجانب في محافظة هرمزغان الإيرانية.

2023-02-15

موناسادات خواسته

يعتبر الشعر من الفنون الجميلة التي يسميها العرب الآداب الرفيعة، وهي تأتي مع النحت والرسم والموسيقى، وغايتها تصوير جمالية الطبيعة، فالشعر هو كلامٌ يعتمدُ على استخدام موسيقى خاصّة به يطلق عليها مسمّى الموسيقى الشعريّة.

سمعنا أن السعودية تحتفل بالشعر العربي وتُسمي عام 2023 عاماً له، وتقصد من ذلك إقامة فعاليات ونشاطات في مجال الشعر، ولكن السؤال الذي يخطر على البال، هو كيف أن السعودية تتولى هذه المهمة؟!! هل الشعر يكون أداة في يد الوهابيين لمقاصدهم التي يعرفها الجميع؟! ولكن في المقابل نرى أن الشعراء الأحرار والملتزمين يجتمعون بين فترة وأخرى ويلقون قصائدهم التي تحرك النفوس ولديها مضامين عالية، ومنها ما أقيم أخيراً في مهرجان فجر الدولي للشعر، ففي إطار إقامة إحتفالات ومهرجانات فجر الثقافية، أقيم قبل فترة مهرجان فجر الدولي للشعر واجتمع شعراء إيرانيون وأجانب في محافظة هرمزغان الإيرانية، حيث شارك فيه أيضاً شعراء من البلدان العربية من سوريا ولبنان، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع الشاعر السوري “حسن البعيتي” والشاعر اللبناني “محمد باقر جابر”، اللذين شاركا في عدة مهرجانات وحصلا على عدة جوائز في الشعر، وفيما يلي نص الحوار:

البعيتي: حب الإمام الرضا (ع) اجتذبني إلى إيران

بداية يتحدث لنا “حسن البعيتي” عن سيرته الذاتية ويقول: أنا من مواليد حمص 1974، وحائز على إجازة في علوم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب بحمص/ 2003، عضو اتحاد الكتاب العرب، وفائز بعدة جوائز على مستوى الوطن العربي، أهمها: لقب “أمير الشعراء” في الموسم الثالث من المسابقة في “أبو ظبي” 2009، وجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها العاشرة في مجال الشعر 2007، ومؤخراً جائزة كتارا للرواية العربية فئة الروايات غير المنشورة عن رواية “وجوه مؤقتة”، ولديّ إصدارات عديدة أيضاً منها في الشعر: “قطرات” عام 2007،  ” كلما كذب السراب” عام 2010، “صدِّق خيالك” عام 2014، “ما يجرحُ الماء” عام 2018، ” لا أدّعي عِطراً ” عام 2021، و رواية “وجوه مؤقتة” عام 2019.

وعن سبب وجوده في إيران يقول: إجتذبني حب الإمام الرضا (ع) إلى إيران، وأطلب من جميع الشعراء العرب المشاركة في مهرجان فجر الدولي للشعر في إيران.

وأعرب عن سعادته بتواجده في إيران لأول مرة بمناسبة مهرجان فجر الدولي للشعر وقال: أنا سعيد لأنني قابلت أصدقائي الشعراء من مختلف اللغات وسأكون معهم، وفي القصيدة التي قرأتها في حفلة “الخليج الفارسي”، ذكرت أن صداقة وحب الإمام الرضا (ع) إجتذبني إلى إيران وأن لدينا “مشهد” في “الشام” وفي قلب ضريح السيدة زينب (س).

وأضاف: “قبل مجيئي إلى إيران، لم أكن أعرف الكثير عن مهرجان فجر الدولي للشعر، وسمعت فقط أن مهرجاناً بهذا الاسم قد أقيم ولم أكن أعلم عنه شيئا”. أعتقد أن المزيد من الشعراء العرب يجب أن يأتوا إلى هذا البلد ويشاركوا في مثل هذا المهرجان.

وحول مشاركته في المهرجان قال “البعيتي”: أخبرني بالمهرجان أخي وصديقي  الرائع الشاعر مرتضى الحيدري الذي ترجم قصائدي إلى الفارسيّة ورافقني طوال الوقت . وكان قد أرسل لي دعوة موقعة من مدير المهرجان السيد “علي رمضاني” الذي أتوجه إليه بالتحية.

تأثير مهرجان فجر على ثراء الشعر

وهكذا أبدى عن رأيه حول المهرجان: تشرفت بالمشاركة في هذا المهرجان الرائع بحضور نخبة من شعراء جاؤوا من بلدان ما كان ليجمعها شيء إلا الشعر رغم اللغات المختلفة. لقد استمعنا إلى شعراء من الهند وباكستان وطاجيكستان وجمهورية أذربيجان وأفغانستان ولبنان وكنت أنا أمثل بلدي الحبيب سورية بالإضافة إلى الشعراء الإيرانيين، كانت تجربة إنسانية غنية وفريدة.

وتحدث حسن البعيتي عن تأثير مهرجان فجر الدولي للشعر على ثراء الشعر وتدريب الشعراء وقال: “من المؤكد أن إقامة مثل هذه الفعاليات لها أثر إيجابي؛ خاصة عندما يجتمع شعراء من بلدان ولغات مختلفة في مهرجان مثل مهرجان فجر السابع عشر للشعر، فإن آفاقهم تتسع؛ لأنك تسمع شعر الثقافات الأخرى ويعتبر بمثابة احتياطي معرفي لك، وفي الحقيقة إلى جانب الإثراء الأدبي الذي يحدث من خلال إقامة المهرجانات، هناك أيضاً مثل هذه الفوائد.

الشعر لحظة استثنائية

وعندما سألناه حول الشعر ومدى تأثيره في المجتمع، أشار إلى أن الشعر لحظة استثنائية يمكن للإنسان أن يعكس فيها جوهره الإنساني، وقال: لا يمكن أن تكون هذه اللحظة مثالية إلا أن الشاعر لديه ثقافة غنية وأصيلة.

في هذا الوقت الذي نشهد فيه انفجار التكنولوجيا والحرب والانقسام وتعدد الاستقطاب بين الناس، فإن أفضل نافذة يدخل من خلالها الضوء إلى القلوب هو الشعر. يمكن أن يكون الشعر ملجأ للإنسان المعاصر الذي يواجه مظاهر حديثة ويريد فصل الإنسان عن الحياة.

وقال “البعيتي”: الشعر هو المكان الأعلى الذي تتجلى فيه إنسانية الإنسان، ولا يقترب الإنسان من جوهره العميق إلا من خلال الفكر والخيال المبدع الخلاق ولهذا أرى أن الشعر والفنون بشكل عام هو حاجة عليا يتحقق من خلالها التعبير عن فرادة الإنسان وخصائصه الروحية التي تتجاوز حدود الجسد وحاجاته، وأرى أن المجتمع الذي يهتم بالشعر والفن هو الأقرب إلى الارتقاء الحضاري المتواصل على صعيد الحاجات الروحية والمادية في نفس الوقت.

وأضاف “البعيتي”: لقد قرأت عددا من القصائد الوجدانية والدينية بالإضافة إلى قصيدة كتبتها خصيصا للمهرجان.

وكنت أجد متعة كبيرة وأنا أستمع لقصائدي مترجمة إلى اللغة الفارسية بصوت صديقي “مرتضى حيدري آل كثير” وأسلوبه الشعري الحساس والأنيق.

المهرجانات المشتركة تشبه اللقاء بين الشقيقين

وعندما سألناه حول رأيه بالنسبة لإقامة مهرجانات إيرانية عربية، قال “البعيتي”: إن المهرجانات الشعرية التي تجمع بين شعراء الفارسية وشعراء العربية هي أشبه باللقاء بين الشقيق وشقيقه التوأم لأن اللغتين غصنان يتفرعان من شجرة واحدة وقد تربينا جميعا في كل أنحاء العالم العربي على قصائد عظيمة اشتهرت باللغة الفارسية وتم نقلها بالترجمة إلى العربية. رباعيات الخيام مثلاً يكاد يعرفها جميع الناس حتى الذين لا يقرأون الشعر.

وكلمتي الأخيرة هي باقة شكر لأصحاب الدعوة على كرمهم وأتمنى من الله أن يكتب لنا في قابل الأيام لقاءات تتجدد مع الشعر والحب والصداقة.

محمد باقر جابر: يمتلك الشعر القدرة على إثارة المشاعر

من جهته قال الشاعر اللبناني “محمدباقر جابر” حول الشعر: الشعر هو شكل مهم من أشكال التعبير كان موجوداً منذ قرون.  إنها طريقة للتعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة إبداعية وذات مغزى.  يمكن استخدام الشعر لرواية القصص والتعبير عن المشاعر واستكشاف تعقيدات الحياة.  يمكن استخدامه أيضاً للفت الانتباه إلى القضايا الاجتماعية وإلهام التغيير.  يمتلك الشعر القدرة على إثارة المشاعر ، وإنشاء روابط بين الناس ، وتوفير الراحة في الأوقات الصعبة.  باختصار، يلعب الشعر دوراً مهماً في المجتمع من خلال توفير منصة للتعبير عن الذات وربط الناس من خلال التجارب المشتركة.

مهرجان الفجر يكتسب أهمية إسلامية

أما فيما يتعلق بمهرجان فجر الدولي وتأثيره على المجتمع يقول “جابر”: مهرجان الفجر يكتسب أهمية قومية وإسلامية لأنه يعبر عن هموم المستضعفين، ويطلق صرخة في وجه الطغاة. إجتماع عدة شعراء من عدة دول كان فرصة حقيقية للتلاقي والتعارف والتغني بالهموم المشتركة. وهو يفتح لنا فرصة أكبر للتعمق في التجربة الإبداعية الإيرانية في مختلف ميادينها.

ولقد شاركت بدعوة كريمة من الشاعر مرتضى حيدري آل كثير، وبعد ذلك وصلتني دعوة رسمية موقعة من إدارة مهرجان فجر في طهران عبر مديرها الاستاذ علي رمضاني.

يا أرضُ لا تسترسلي في الحُزنِ

ويزوّدنا “جابر” بأبيات من قصيدته التي أنشدها في المهرجان ويقول: أنشدت عن الحرية والوطن والانتصار الحتمي للحق على قوى الظلام، وأقدّم لكم بضعة أبيات من القصيدة التي ألقيتها:

الميِّتونَ تَكدَّسوا في موطني

ضاقَ المَدَى مِنْ ميِّتينَ صِغارِ

صاروا متاريساً تُغَطِّي ظَهرَ مَنْ

سَلَبُوا التُّرابَ عقيدةَ الإصرارِ

يا أرضُ لا تسترسلي في الحُزنِ

لا تبكي على بُنيانِكِ المُنهارِ

يا أرضُ إنَّ الميِّتينَ قَدِ استَحَقُّوا المَوتَ

حِينَ اسْتَسْلَمُوا للعَارِ

 

أَزكَى لَهُمْ – أمَّاهُ – أنْ يتقهقروا

كي تستريحَ الدَّارُ مِنْ دَيَّارِ

إذْ لمْ يُغيثوا بُحَّةَ الوَرْدِ الشَّهيدِ

وكانَ أقسى الطَّعنِ طعنُ الجارِ

ولكِ القرابينُ الرِّجالُ.. مِدادُهُمْ

فُقْهُ العبيرِ وحِرفَةُ الإمطارِ

حملوا معاولَ فِكْرِهِمْ ليُعَبِّدوا

ما اعْوَجَّ حينَ تَصادُمِ الأفكارِ

للآنَ ضائعةٌ خُطى كلماتِنا

لا دربَ يوصلُها إلى الأسرارِ

مَنْ ذا يَحُلُّ اللُّغْزَ: كيفَ لِأُمَّةٍ

مَلَكَتْ حُروفَ الجَرِّ وهْيَ جواري؟

هِيَ هِجْرَةُ الوجدانِ عَنْ وِجداننا

هي غُربَةُ المعنى عنِ الأوتارِ

فالمطفئون الشَّمسَ ما قرأوا انبعاثَ

الشَّمسِ بعدَ تَهافُتِ الأسوارِ

والمضرمونَ النَّارَ مُنطَفِئونَ ذلكَ

أنَّهمْ شَذُّوا عَنِ الأنوارِ

فلدى التُّرابيينَ ما يكفي لِكَي

يَتَألَّقُوا فِي مهرجانِ النَّارِ

لغة الشعر مثيرة للذكريات

وفيما يتعلق بلغة الشعر هكذا يبدي “جابر” عن رأيه: غالباً ما تكون لغة الشعر مجازية ومثيرة للذكريات، وذلك باستخدام الصور والمجاز وغيرها من الأدوات الأدبية لخلق تجربة حية وعاطفية للمستمع. يقدم الشعر مجموعة من المشاعر للمستمعين، من الفرح والإلهام إلى الحزن والتأمل. يمكن استخدامه للتعبير عن المشاعر المعقدة بطريقة قوية ويمكن الوصول إليها. لغة الشعر صدى لما يجيش في القلوب الناس، هي لغة عالية جداً تحتاج من يتقنها ويستطيع بثها في القلوب الوالهة.

تعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة

وفيما يتعلق بإقامة مهرجانات مشتركة بين ايران والدول العربية قال “جابر”: أولاً، يوفر فرصة للشعراء العرب لعرض أعمالهم على جمهور أوسع، مما يسمح لهم بالوصول إلى عدد أكبر من القراء واكتساب المزيد من التقدير لعملهم. ثانياً، يسمح للجمهور الإيراني باكتساب فهم أفضل لثقافة وأدب العالم العربي، فضلاً عن توفير فرصة للتبادل الثقافي بين الدول المختلفة، ويمكن أن يساعد هذا في تعزيز التفاهم والتقدير بين الثقافات المختلفة ، مما قد يؤدي في النهاية إلى قدر أكبر من السلام والوئام في العالم.

شكّل الشعر قوة كبيرة في ربط الناس عبر الثقافات لعدة قرون. بين إيران والعالم العربي الكثير من القواسم المشتركة ثقافياً، لذلك من الضروري توسعة رقعة التلاقح الثقافي كإستخدام الشعر بقوة لأنه يمثل جسراً للحوار في اللقاءات الثقافية المشتركة، كما يخلق التفاهم ويُعزّز الاحترام المتبادل.

الفن بشكل عام أداة قوية للتعبير عن القيم المشتركة وتطلعات الحرية والتقدم. من خلاله يمكننا إيجاد أرضية مشتركة بين ثقافتينا وبناء جسور التفاهم.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص