شهدت العلاقات الهندية-الباكستانية تصعيداً خطيراً غير مسبوق منذ عام 2019، حيث أعلنت الهند رسمياً تنفيذ ضربات جوية استهدفت ما وصفتها بـ”البنية التحتية الإرهابية” في باكستان وكشمير، مستهدفة تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية. وفي المقابل، ردت باكستان بضربات انتقامية أدت – حسب مصادرها – إلى إسقاط مقاتلات هندية وتدمير مواقع عسكرية.
يأتي هذا التصعيد الدراماتيكي في أعقاب هجوم دموي في منطقة باهالاجام السياحية في كشمير الهندية الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن مقتل 27 شخصاً على الأقل، واتهمت الهند جارتها باكستان بالوقوف خلفه. وقد أعلنت إسلام آباد حالة الطوارئ في عموم البلاد وأغلقت مجالها الجوي، فيما تتصاعد المخاوف من انزلاق القوتين النوويتين إلى مواجهة عسكرية شاملة في ظل تاريخ طويل من النزاعات حول إقليم كشمير المتنازع عليه.
الضربات الهندية
أعلنت الحكومة الهندية في بيان رسمي أنها نفذت عملية عسكرية استهدفت البنية التحتية “الإرهابية” في باكستان ومنطقة كشمير، حيث قصفت تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية. وأكدت الهند أن العملية كانت “مركزة ومحسوبة ولم تكن تهدف إلى تصعيد التوتر”، وأن القوات المسلحة الهندية نفذت العملية ضد البنية التحتية “للإرهاب” في كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية.
وأشار البيان الهندي إلى أن “الهند أظهرت ضبطاً للنفس ملحوظاً في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ”. فيما أعلن الجيش الهندي: “لقد وجهنا ضربة دقيقة لقواعد الإرهابيين. تم تنفيذ العدالة”.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز بسماع انفجارات في عدة مناطق من كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان. كما أفاد سكان مظفر آباد، عاصمة كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، بسماعهم لصوت تحليق الطائرات المقاتلة، وأشاروا إلى أن منطقة ريفية قرب مظفر آباد، كانت تستخدمها سابقاً جماعة “لشكر طيبة” المسلحة، قد تعرضت للقصف.
خلفية التصعيد العسكري
جاءت هذه الهجمات بعد هجوم إرهابي وقع مؤخراً في منطقة باهالاجام الواقعة في كشمير التي تسيطر عليها الهند. فقد فتح مسلحون النار مساء الثلاثاء الماضي على مجموعة من السياح في المنطقة السياحية الواقعة على بعد نحو 90 كيلومتراً من سرينجار، العاصمة الصيفية لكشمير الهندية، مما أسفر عن مقتل 27 شخصاً على الأقل. ووصفت السلطات الهندية الحادث بأنه هجوم إرهابي.
وقد اتهمت الهند باكستان بالتورط في هذا الهجوم، مما أدخل التوتر بين الجارتين النوويتين في شبه القارة الهندية مرحلة جديدة. وفي ردها الأولي، علقت الحكومة الهندية “معاهدة نهر السند” المشتركة للمياه، وأمرت بطرد المواطنين الباكستانيين، خاصة الملحقين الدفاعيين والعسكريين في السفارة الباكستانية، كما أغلقت معبر “أتاري” الحدودي الرسمي مع باكستان.
التحرك الباكستاني
تحركت الدفاعات الجوية والطائرات المقاتلة للقوات الجوية الباكستانية بعد ساعات من الهجوم الصاروخي الهندي، وذُكر أن جميع المقاتلات الباكستانية سليمة بعد المواجهة مع المقاتلات الهندية.
وأعلنت مصادر أمنية أن القوات الجوية الباكستانية أسقطت عدة طائرات هندية،حيث أكد وزير الدفاع الباكستاني إسقاط خمسة مقاتلات هندية و أسر جنود هنود، وكشف المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال أحمد شريف، عن هجوم صاروخي هندي استهدف ثلاث نقاط في منطقة كشمير الخاضعة لسيطرة إسلام أباد.
وقال شريف إن القوات الجوية الباكستانية تصدت للمقاتلات الهندية ومنعتها من دخول المجال الجوي الباكستاني. وأضاف أن الهند استهدفت ثلاث نقاط في كشمير الباكستانية بصواريخ. وأفادت القنوات الباكستانية أن عدة مراكز دينية استُهدفت في هذا الهجوم.
أشارت التقارير إلى إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء باكستان وإلغاء الرحلات الجوية. تم إغلاق مطار لاهور والمجال الجوي الباكستاني أمام جميع الرحلات. وكانت الحكومة والجيش الباكستاني قد أعلنا سابقاً أنهما سيردان بسرعة على أي عدوان هندي.
وذكرت قناة “جيو نيوز” الباكستانية أن الهجوم الصاروخي الهندي استهدف بهاولبور وكوتلي ومدينة مظفر آباد، وأن معظم هذه المناطق مدنية و بحسب المصادر الباكستانية أسفر الهجوم عن مقتل ٢٦ باكستانياً.
الرد الإنتقامي
بدأ الجيش الباكستاني بعدها مباشرة رداً انتقامياً على الهجوم الصاروخي الهندي، والقوات الجوية الباكستانية ردت بسرعة على هجوم الجارة الشرقية.
وحسب مصادر أمنية، دمر الجيش الباكستاني في هجمات انتقامية مقر لواء هندي. وأضافت هذه المصادر أن الهجوم الصاروخي للقوات الباكستانية دمر أيضاً موقعاً معادياً في قطاع دودنيال على طول خط المراقبة (LoC)، وهو خط حدودي يفصل بين كشمير الخاضعة لسيطرة الهند وباكستان ويعتبر منطقة شديدة الحساسية والتوتر.
وتذكّر التوترات العسكرية الحالية بين باكستان والهند بالمعركة الجوية بين البلدين في مارس 2019، التي قادتهما إلى شفا حرب شاملة. حدث ذلك بعد هجوم انتحاري دامٍ على القوات الهندية في منطقة “بولواما”. بعد ذلك، هاجمت المقاتلات الهندية الأراضي الباكستانية، وفي اليوم التالي أسقط الجيش الباكستاني طائرتين هنديتين واعتقل طياراً.
ساعات حاسمة
يضع هذا التصعيد العسكري المتسارع المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير لاحتواء الأزمة بين الدولتين النوويتين، خاصة في ظل التاريخ المضطرب للعلاقات بينهما والنزاع المستمر حول إقليم كشمير منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947.
وتشير التقديرات إلى أن الساعات القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأزمة، حيث تتواصل الدعوات الدولية لضبط النفس من الجانبين وتفادي التصعيد نحو حرب شاملة قد تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة والعالم. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الهند عملياتها العسكرية “مشروعة” للرد على ما تصفه بـ”الإرهاب المدعوم من باكستان”، تصر إسلام آباد على حقها في الدفاع عن سيادتها وأمنها القومي.
وتبقى القضية الأساسية المتمثلة في الوضع السياسي لكشمير عالقة دون حل، مع استمرار المعاناة الإنسانية لملايين السكان في المنطقة المتنازع عليها، والتي تحولت مجدداً إلى ساحة صراع بين القوتين الإقليميتين.