عبير شمص
في 4 أيار/مايو 2025 صاروخ يمني يستهدف مطار بن غوريون معلناً عن ولادة زمن جديد زمن المقاومة العابرة للحدود، والقادرة على كسر هيبة الردع الأميركي-الإسرائيلي في عقر دارها. لم تكن الضربة عسكرية بالمعنى التقليدي، إذ لم تُحدث دماراً شاملاً في المطار، لكن رمزيتها الأمنية والسياسية كانت أكبر من أن يتم تجاهلها، وأعادت طرح أسئلة جدية بشأن حدود الردع الإسرائيلي، والتبدل المستمر في موازين الصراع الإقليمي، وجدوى العملية العسكرية المستمرة ضد اليمن، حول هذا الموضوع حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ محمد الزعبي، وفيما يلي نص الحوار:
يرى الشيخ الزعبي أن جبهات الإسناد والدعم للمقاومة في فلسطين ولبنان تؤكد أن الأمة رغم كل ما جرى عليها من تضليل وعمليات غسيل أدمغة وبرامج تثقيف تهدف إلى تحويلها إلى أمة ضعيفة تمزقها العصبيات العرقية والمذهبية، لتصبح أمة لا تملك أية رسالة سامية، تحرص على أدنى حياة، فاقدة لكل الدوافع المعنوية والإيمانية، أقول هكذا أرادوا للأمة أن تكون ليسلبوها كل طاقاتها الإيمانية والمادية، ولم يكن بإمكانهم تحقيق هذه الأهداف ما دامت قضية فلسطين قضية جامعة تدفع الشعوب نحو الجهاد وتحرك فيهم معاني الإيمان العزة والكرامة. وكان الاستكبار الأمريكي وأداته “إسرائيل” قد توهم أن روح المقاومة والجهاد بدأت تخبو في الأمة، فجاءت عملية “طوفان الأقصى” لتكشف أن إضعاف المقاومة لم يكن إلا وهماً. ولذلك توجهت الإدارة الأمريكية عبر أداتها “إسرائيل” إلى استخدام أقصى ما تستطيع من تكنولوجيا عسكرية وأمنية لتقضي نهائياً على المقاومة مستخدمة في ذلك مختلف أنواع الطائرات والصواريخ والقنابل، غير مبالية بحرمات المدنيين في فلسطين ولبنان ولا بأية قوانين دولية أو أخلاقية أو إنسانية. فكان أن تحركت جبهات الإسناد في لبنان واليمن وإيران والعراق، لتثبت أنه لا يمكن استفراد بلد من بلاد المسلمين، ولا يمكن للعدو أن يفك الربط بين قوى محور المقاومة، هذا المحور الذي أصبح شريان الحياة الوحيد الذي أنقذ الأمة من موت سريري، وأبقى فيها روح الوحدة والعزة وأمل النهوض.
هذه المكتسبات العظيمة لجبهة الإسناد اليمنية وسائر جبهات محور المقاومة لا تعني أنه ليس هناك مكتسبات عسكرية ميدانية، بل إن حصار اليمن البحري للعدو الصهيوني، وشبه الحصار الجوي الذي يكاد يصبح حصاراً كاملاً، أدى إلى خسائر فادحة لاقتصاد العدو، ولولا الدعم الأمريكي والغربي لانهارت قوة هذا العدو، ولكانت هزيمته ماحقة”.
أمريكا عاجزة أمام مقاومة اليمن
يشير الشيخ الزعبي أن العدوان الأمريكي ورط نفسه بالقتال مباشرةً بعد أن كان يقاتل بواسطة أداته “إسرائيل”. هذا القتال أحرجه جداً، فالعالم كان ينظر إلى الاستكبار الأمريكي أنه قوة عظمى تحقق ما تريد، وتطال يدها الكرة الأرضية كلها، ولا يمكن لأية قوة أن تقف في وجه أهدافها وأطماعها. لكن العالم فوجئ أن أمريكا وحاملات طائراتها العملاقة بدت عاجزة عن إضعاف قوة المقاومة اليمنية أو كسر إرادتها أو حتى ضرب أهداف عسكرية مهمة في اليمن. وبقيت الهجمات اليمنية تستهدف حاملة الطائرات الأمريكية وتجبرها على الفرار، وبقي العدو الصهيوني محاصراً بحرياً، بل بدل فك الحصار البحري ها هو يدخل في حصار جوي جراء الصواريخ اليمنية الفرط صوتية على مطار بن غوريون، وبدت الدفاعات الأمريكية والصهيونية عاجزة عن حماية الكيان الصهيوني، وبعد عزوف شركات التجارة البحرية عن التوجه إلى الكيان الصهيوني بدأت شركات الطيران تلغي رحلاتها إليه. وأمريكا المحرجة والتي اهتزت صورتها الردعية عالمياً تحاول عبر استهداف البنى التحتية والمواقع المدنية وقصف البيوت والتجمعات السكنية استعادة هيبتها وتشكيل ضغط على القيادة والشعب اليمني لكسر إرادته. ولا بد أن أمريكا تعرف طبيعة الشعب اليمني، وأن التضحيات لا تزيده إلا عزيمة وصلابة وإيماناً، ولكن ما بيدها حيلة، ولا تملك أهدافاً غير الأهداف المدنية، وهي بذلك تؤجل إعلان فشلها عسى أن تطرأ مستجدات تُجنبها تجرع كأس الفشل”.
فشل أمريكي في حماية “إسرائيل”
يؤكد الشيخ الزعبي أن الوقائع تؤكد أن الهجمات اليمنية على خطوط الملاحة تجاه كيان العدو لم تتوقف. بل صرنا في حالة شبه حصار جوي على كيان العدو يضاف إلى الحصار البحري، ومواقع العدو العسكرية ما زالت عرضة لهجمات الصواريخ اليمنية، هذا كله يؤكد فشل الأمريكي في حماية ذراعه الصهيوني.
هذا من حيث الوقائع، وأمّا من حيث القيادة اليمنية والشعب اليمني، فاليمن يتمتع بقيادة مؤمنة ثابتة واعية، تعرف تماماً قدراتها وإمكاناتها، وتطورها بشكلٍ دائم، وتعرف جيداً نقاط ضعف عدوها، وتضربها بقوة ودقة، وتعرف جيداً مرحلتها التاريخية، وتكليفها الإلهي، كما تعرف جيداً جداً إيمان شعبها وصلابة عزيمته واستعداده اللامتناهي للتضحيات والعطاء والصبر طلباً لمرضاة الله (سبحانه وتعالى) ولذلك فكلما اشتدت الهجمات الأمريكية زادت الشعب اليمني إصراراً على الجهاد والتمسك بخيار المقاومة. وهذا ليس تنظيراً أو خطاباً حماسياً يهدف إلى رفع المعنويات، بل هو توصيف موضوعي لواقع الشعب اليمني، أكدته تصريحات الجرحى المدنيين جراء القصف الأمريكي، إذ أكد الجرحى من شباب وشيوخ وأطفال ونساء اليمن، وأهالي الشهداء، أن جراحاتهم لا تزيدهم إلا صبراً وثباتاً وتمسكاً بخيار قيادتهم في مواجهة الاستكبار، ورفض الخنوع والمذلة حتى الرمق الأخير، وتاريخ اليمن يشهد بإبائه وصبره ودحره للغزاة”.
العصر الأمريكي الصهيوني وهم
يشير الشيخ الزعبي أنه حاولت أمريكا و”إسرائيل” زرع وهم في وعي الأمة أن المنطقة دخلت العصر الأمريكي الصهيوني عبر نجاحها بعمليات اغتيال لقادة عظماء، لكن هذه الاغتيالات لم تؤثر ميدانياً على قدرة المقاومة في لبنان وغزة واليمن، فالمقاومة في لبنان أوقفت تقدم العدو في البر، رغم الغطاء الجوي العنيف، وبقيت صواريخها تضرب مواقع العدو داخل كيانه بالوتيرة نفسها التي كانت قبل اغتيال القادة، وأجبرت العدو على الرضوخ لما طرحته المقاومة من بداية الحرب، وهو الدخول في اتفاق لوقف إطلاق النار، وكذلك في غزة، رضخ العدو لإرادة المقاومة ودخل في التفاوض. صحيح أنه نكث في غزة، وعاد إلى الحرب، وأنه في لبنان دائم الانتهاك للإتفاق، ولكن ذلك لن يحقق له شيئاً، فالحرب على مدى أكثر من سنة أثبتت عجز الأمريكي والصهيوني عن القضاء على المقاومة. وها هي الجبهة اليمنية تبين زيف الوهم الأمريكي الإسرائيلي، وأصبحت سمعة الطيران الأمريكي مهددة بعد سقوط أقوى المقاتلات الأمريكية (F18) وبعد إجبار حاملة الطائرات على الفرار عدة مرات، وقبل ذلك وبعده استمرار الصواريخ اليمنية في ضرب مطار بن غوريون ومواقع العدو داخل كيانه، ومحاصرته بحرياً وجوياً. كل هذا يؤكد أن الدعاية الإعلامية بالترويج لقدرة أمريكا وسيطرتها ليست إلا حرباً نفسية فاشلة تكذبها الوقائع.
ويضيف بأنه ليس أمام أمريكا غير هذا الخيار الذي يؤجل الفشل بانتظار مستجدات يأمل الأمريكي أن تؤثر في الإرادة اليمنية. والمليارا دولار ليست شيئاً أمام خسارة سمعة السلاح الأمريكي الذي هو من أهم أعمدة الاقتصاد الأمريكي، سواء في فشل منظومات الدفاع الأمريكية في التصدي للصواريخ اليمنية، أو في سقوط طائرة الF18 فخر الصناعة الأمريكية، أو في سقوط الطائرات الأمريكية المسيرة والحديثة.
ويختم الشيخ الزعبي بالقول أن مشاركة العدو الصهيوني في العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن لن يشكل قوة عسكرية إضافية، فلو كان يملك أهدافاً عسكرية هامة لأعطاها لسيده الأمريكي. قد يضرب أهدافاً مدنية لا يريد الأمريكي أن يضربها بنفسه كالمستشفيات والأسواق والأماكن الدينية وغيرها. وهذه لا تؤثر ميدانياً ولا تضعف إرادة القيادة اليمنية، بل على العكس تزيدها ثباتاً وإصراراً وعزيمة، لأن عداوة الشعب اليمني للعدو الصهيوني عداوة متأصلة داخلة في صلب عقيدته الإيمانية التي تفرض عليه رفض الاحتلال ووجوب تحرير المقدسات في فلسطين.