الدکتور محمد مهدي إیماني بور
وهکذا فقد تم منع عدد من الطلاب من مواصلة تحصیلهم العلمي في الجامعة ولا زال عدداً منهم یقبع داخل السجون الفیدرالیة الأمريكية التابعة للشرطة والأمن الوطني الأمريكي في ظل صمت خبري غربي ممیت، في وقت زعم ترامب مؤخراً أن فصلاً جدیداً في التاریخ الأمريكي سیكتب دون أي ذکر لجامعة هارفارد!!.
أولاً: الكراهیة الدائمة للكیان الصهیوني
یظن ترامب ومساعدوه في البیت الأبیض( کما کان علیه الدیمقراطیون) أن الإنزعاج والكراهية المتزایدة في الرأي العام والمحیط الجامعي الأمريكي ضد الكیان الصهیوني أمر مؤقت وسیزول مع مرور الأیام على اعتبار أنها ظاهرة متغیرة وحاصلة بسبب الحرب في غزة واستمرار الإبادة الجماعیة ضد الفلسطينیین؛ بینما الحقیقة هي أن هذا الإنزعاج وهذه الكراهیة في الواقع متجذرة وأصیلة وتستهدف ماهیة الكیان الصهیوني المحتل للقدس، مع الإشارة إلی أن التحولات التي وقعت في العامین الأخیرین في فلسطین لعبت دوراً کبیراً في تبلور هذه الحالة الدائمیة التي لن تتأثر بمدی استمرار حرب غزة أو توقفها.
ثانیاً: تغییر الجیل في أمريكا
إن الجیل الجدید في أمريكا لا یُمثل نتاج السیاسات العامة والرسمیة للحزبین التقلیدیین اللذین یستحوذان علی الساحة السیاسیة الأمريكية منذ عقود ولا اللوبي السري والعلني للسلطة الحاکمة ولا یتبعانها.
إن أهم عامل أدی إلی حصول غضب مشترك من قبل واشنطن و تل أبیب ضد جامعة هارفارد یتمثل بنتائج عملیة استطلاع للرأي أُجریت في ذروة حرب غزة في کانون الأول/ ديسمبر ۲۰۲۳ والتي أشارت إلی أن51% من الشباب الأمريكي من الفئة العمریة ۱۸- ٢٤ سنة یرون أن السبیل الأمثل لحل القضیة الفلسطینیة یتمثل بإعادة کل الأرض الفلسطینیة المحتلة لأصحابها الأصلیین؛ کما منعوا بعدها جامعة هارفارد أو أي مرکز بحثي وعلمي أمريكي من إجراء مثل هذا الاستطلاع في السنة والنصف الأخیرة .
وهکذا فإن هذا التعامل السلبي والمغرض للبیت الأبیض الأمريكي مع المراکز التعلیمیة والأکادیمیة الأمريكية دفع جیل الشباب الأمريكي لأن یقوم برصد ومتابعة التحولات التي تجري فی فلسطین المحتلة بشکلٍ مستقل مما جعله یمیل إلی ضرورة تجاوز مرحلة الكیان الصهیوني ورفضها.
ثالثاً: إبطال الروایة الأمريكية – الصهیونیة المزورة عن القضية الفلسطینیة
لو افترضنا أن ترامب نجح في محو جامعة هارفارد من التاریخ الأمريكي وفرض ضغوطه الصارمة علی جمیع الطلبة المدافعین عن القضیة الفلسطینیة وسلبهم تابعیتهم الأصلیة أو أخرجوا من أمريكا فلن یتمکن من إعادة إنتاج الرواية الصهیونیة المزورة عن حادثة احتلال الصهاینة لفلسطین.
ولا بد للبیت الأبیض أن یقر بهذه الحقیقة وهي أن ترکیز الرأي العام الأمريكي لاسیّما جیل الشباب والجامعیین علی جذور وخلفیات حرب غزة جعلهم یکتشفون الروایة الحقیقیة لاحتلال فلسطین وبالتالي أبطال الروایة الغربیة الصهیونیة عن هذه الحادثة التاریخیة المرة ( التي کانت لصالح أعداء الإنسانیة) وحذفها من أذهانهم.
رابعاً: مرحلة ما بعد الصهیونیة والدخول في نظام عالمي جدید
یتمثل المؤشر الآخر الذي یشیر إلی مدی فداحة الخطأ المعرفي العمیق الذي وقع فیه ترامب وباقي المسؤولین الأمريكان في الحقائق التي تدور حول النظام العالمي الموجود حالیاً والذي سیتشكل فی المستقبل.
فبینما کان البیت الأبیض یظن أنه نجح في إحیاء النظام العالمي الآحادي القطب کان النظام العالمي الجدید یتشکل بسرعة فائقة مفعماً بنظرة انتقادیة لكل شيء.
وهکذا فإن العبور من النظام الغربي ترك أثره العملي علی الروایات التاریخیة الموجودة وما بعدها بشكلٍ مباشر، إذ أن الهروب من القبول بهذه الحقائق لن یؤدي للحؤول دون تحققها المؤکد وهي قاعدة إنسانیة تاریخیة لم ولن یتمکن حماة الكیان الصهیوني من الأمريكان من هضمها أبداً.
* رئیس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامیة