ان المتواضع لا يتحرج او يمتنع من الاستفادة من تجارب وخبرات الاقران لكونه يتصف بالسلام الداخلي الذي يجعله منفتحاً على الآخرين، فما يهمه ان يكون ناجحاً وليس أفضل من الجميع لان هذه النظرة هي من تجعله لاهثاً خلف السراب…
للإنسان عدة صفات يتصف بها منها ما يقبحه اعاذكم الله منها، ومنها ما يجمله ويجعله منه محبذا ومقرباً من أبناء مجتمعه او مقبولاً على اقل تقدير، فالإنسان يستطيع ان ينمي في نفسه الصفات الطيبة ويجعلها أسس وقواعد للتعامل مع الاخرين، ومن الصفات الطيبة هي صفة التواضع الإنساني.
يعرف التواضع على انه خلق إنساني محمود، ويعني ترك الكبر، والرضا بما يملكه الإنسان، وعدم النظر للآخرين بنظرة استعلاء مهما امتلك الشخص من مال أو جاه أو علم، وهذه الصفة تقرب الإنسان إلى نفوس الآخرين وتقربه الله الله ايضاً.
نحن المختصين في علم النفس والتربية نرى ان الانسان يولد مزود بنزعتي الخير والشر معاً والبيئة هي من تجعله ينحى هذا المنحى او ذاك، فلو وجد الانسان في بيئة داعمة للتواضع والبساطة سيكون كذلك، بينما لو وجد في بيئة تدعم التعالي والتعقيد والتكبر فأنه سيكون حاملاً لهذه الصفة ذات الأوجه الثلاث، ومن هذه النقطة تحديداً على الانسان ان يختار البيئة التي تناسبه وان اجبر على بيئة يراها غير مناسبة فعليه البحث عما يناسب توجهه وميوله النفسية ولا يستسلم لأمر البيئة وفروضها لكونها بيئة غير صحية للعيش الانساني.
ما هي سلوكيات الانسان المتواضع؟
عدة سلوكيات يسلكها الانسان المتواضع وهي باختصار:
المتواضع من يحترم الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية ومنازلهم الاجتماعية ومناصبهم ومكاسبهم الأخرى، ومعياره للاحترام اقترابهم من الإنسانية او ابتعادهم عنها، فهو يقدر الناس ويشاركهم أفكارهم ومناسباتهم بدون منية ولا تعالي كما يفعل الكثير من الناس في الوقت الحالي.
والمتواضع من يقبل الحق ممن جاء به، وإن كان دونه في المكانة، فلايغيضه قول الحق ولا يزعجه بل يحترمه ويعمل به من باب الانصاف، ومن يصل هذه المرحلة في التعامل مع الناس فقد وصل الى مرحلة عالية من الصحة النفسية.
كما ان المتواضع واثق من نفسه وما يدفعه الى التواضع هو كونه ممتلئ، على عكس الفارغين عديمي الثقة بأنفسهم الذين يتعالون على الناس بسلوكيات يتعقدون انها تزيد من مكانتهم وتزيد من احترام وتقدير الناس لهم وهم بذلك مخطئين جداً، فالتعالي لا يجلب لصاحبه غير الاحتقار والاستخفاف.
والمتواضع لا يجد لنفسه فضلاً على أحد حين يقدم له خدمة معينة، بل ينسب الفضل كله لله، اذ ان الكثير من الناس يتبعون أعمالهم المقدمة للناس بالمن والاذى فلا يكادون يفوتون فرصة الا وذكروهم بما قدموه اليه مما يجعل الناس محرجين فيودون لو انهم لم يقبلوا منهم أية مساعدة.
المتواضع لا يطلب العلو من المناصب والرتب ولا يسعى اليها وحين يصل اليها لا يستغلها لأجل مصالحه الخاصة، كما يفعل الكثير من الذي لم يصدقوا يوماً انهم يتسنمون منصباً او إدارة في مكان ما، فالمتواضع من يخدم الناس ويسهل عليهم امورهم ويعد ذلك واجباً عليه لا فضل ولا منة.
ويتمتع الإنسان المتواضع بالصبر والتحمل والقدرة على تجاوز العراقيل التي يتعرض لها في طريقه، فلا يُحبط عند أول ما يقف في طريقه من مصاعب، علاوة على ذلك هو يتمنى النجاح للجميع ويحفزهم عليه، ويشعرهم بتميزهم عندما يقدمون أداء مميز لكونه ليس اناني ولا نرجسي.
ثم ان المتواضع لا يتحرج او يمتنع من الاستفادة من تجارب وخبرات الاقران لكونه يتصف بالسلام الداخلي الذي يجعله منفتحاً على الآخرين، فما يهمه ان يكون ناجحاً وليس أفضل من الجميع لان هذه النظرة هي من تجعله لاهثاً خلف السراب.
في الختام سيدي القارئ الكريم اليك نقول: لأننا في زمن شح فيه التواضع رغم جماليته وانعكاسه الإيجابي على حياة الفرد والمجتمع، فأن وضع معايير الحكم على من يتصف بالتواضع ولكل من يقرأ الحق بان يخضع نفسها لها ويحكم على نفسه بنفسه هل هو متواضع ام لا؟، ثم يحاول ان يعدل من سلوكياته التي تبعده عن جادة التواضع والبساطة.