إلى جانب محافظة عكار، مع ترقّب لنسب المشاركين في العملية الانتخابية، التي ستكون فيها المعارك متفاوتة.
أفادت وكالة مهر للأنباء بدأت صباح اليوم الأحد الجولة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان في شمال لبنان بمحافظتيه الشمال وعكار، في ظلّ خروج كامل لتيار المستقبل برئاسة سعد الحريري عن المشهد، وحصول تحالفات هجينة ومتبدّلة بين القوى السياسية، جمعت في كثير من اللوائح الأضداد، وذلك في وقتٍ تتخذ فيه الأحزاب التقليدية من هذا الاستحقاق “بروفا” لتحديد مساراتها وتوجّهاتها وخرائطها قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة في مايو/ أيار 2026. وقد خيضت الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان الأحد الماضي، وسجلت نسبة اقتراع بنحو 45%، لتتبعها اليوم محافظتا الشمال وعكار، ومن ثم محافظتا بيروت وبعلبك – الهرمل في 18 مايو، على أن تُختتم في الجنوب بمحافظتيه الجنوب والنبطية في 24 مايو.
وافتتحت صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية عند الساعة السابعة صباحاً وتُقفل عند السابعة مساءً بالتوقيت المحلي، وذلك على مستوى أقضية طرابلس، وزغرتا، وبشري، والبترون، والكورة، والمنية الضنية، إلى جانب محافظة عكار، مع ترقّب لنسب المشاركين في العملية الانتخابية، التي ستكون فيها المعارك متفاوتة، وهي في أغلبها ذات طابع عائلي. مع العلم أن القوى السياسية تشارك في الانتخابات البلدية وسط بروز توافق الأضداد، خصوصاً في طرابلس والبترون والكورة والقبيات (في عكار)، وغيرها من اللوائح.
وبمناسبة إجراء المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية ضمن نطاق محافظتي الشمال وعكار، باشرت الوحدات العسكرية المنتشرة منذ الجمعة الماضي اتخاذ تدابير أمنية استثنائية، تشمل إقامة حواجز ظرفية وتسيير دوريات، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، بهدف ضمان حسن سير العملية الانتخابية. ودعت قيادة الجيش اللبناني المواطنين إلى التجاوب مع هذه التدابير للحفاظ على أمنهم وسلامتهم، ولتمكينهم من التعبير عن آرائهم في صناديق الاقتراع، ضمن أجواء من الحرية والديمقراطية. كذلك دعتهم إلى إبلاغ أقرب مركز عسكري عن أي محاولة للإخلال بالأمن، أو الاتصال بغرفة عمليات القيادة.
في قراءة للمشهدية الانتخابية، يقول الكاتب السياسي عبد الله بارودي لـ”العربي الجديد”، إن “الصورة الأبرز في طرابلس، عاصمة الشمال، حيث تمثيل الأقليات سيكون مهدّداً، أي العلويين والمسيحيين، علماً أنها لم تتضح إلا قبل أيام قليلة من موعد الاستحقاق، خصوصاً على الصعيد السياسي، بعدما حسم النواب أشرف ريفي، وفيصل كرامي، وكريم كبارة، وطه ناجي أمرهم بدعم لائحة رؤية طرابلس، برئاسة عبد الحميد كريمة وعضوية 23 شخصية، والتي تلقى كذلك دعم نواب الأقليات، وذلك بهدف الحفاظ على التوازن الطائفي”.
ويلفت بارودي إلى أن “هناك ست لوائح انتخابية شُكلت في طرابلس، غالبيتها غير مكتملة لتدني عدد المرشحين، سواء من العلويين أو المسيحيين، مقابل كثرة مرشحين من الطائفة السُنية، فإلى جانب رؤية طرابلس، هناك نسيج طرابلس، وتحظى بدعم النائب إيهاب مطر، وحراس المدينة مدعومة من الجماعة الإسلامية، للفيحاء مدعومة من المجتمع المدني، سوا لإنقاذ طرابلس، مدعومة من ناشطين، وطرابلس العاصمة وهي عائلية”.
ويرى أ القوى السياسية لا تتدخل كثيراً في الانتخابات البلدية، لأسباب عدة، منها أنها تحضّر نفسها للانتخابات النيابية، ولا تريد أن تصرف أموالاً كبيرة مع اقتراب الاستحقاق الأبرز، ولا أن تخلق مشاكل مع العائلات أو العشائر التي ستعتمد عليها نيابياً، من هنا تلجأ للوفاق لا لكسر عائلة مقابل عائلة. ويشير بارودي إلى أن “المشاركة السياسية المحدودة مع تسجيل غياب لتيار المستقبل وماكينات شخصيات وأحزاب تاريخية في المنطقة، سيضعنا أمام عملية تشطيب، الأمر الذي سيرتد خوفاً على تمثيل الأقليات، مسيحياً وعلوياً، في طرابلس”.
ويرى أن الوضع في الميناء سيكون أسهل، خصوصاً أن الوجود المسيحي سيكون متوفراً، فهو لديه قوة وازنة بعكس الوضع في طرابلس، في حين سيطغى الطابع العائلي على معركة المنية، وكذلك الضنية، أما في الكورة، فإن معظم القرى تأخذ الانتخابات فيها الطابع العائلي، مع الإشارة إلى حيثية يتمتع بها حزب القوات اللبنانية (يرأسه سمير جعجع)، مقابل وجود أيضاً للحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة (برئاسة سليمان فرنجية). مع الإشارة إلى أنه في الكورة يسجل تحالف بين القوات والحزب السوري القومي الاجتماعي.
ويردف بارودي: “المشهد الأبرز هو في البترون حيث التحالف جمع الأضداد، أي القوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية (يرأسها النائب سامي الجميل)، التيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل، نائب المنطقة)، المردة، لمصلحة رئيس البلدية الحالي مرسيلينو الحرك، بينما هناك حركة مدنية لافتة في قضاء زغرتا، مسقط رأس فرنجية، ويواجه المجتمع المدني، بينما قضاء بشري، ورغم أنه يضم عائلات، إلا أن ميوله لحزب القوات اللبنانية”.
كذلك، يشير بارودي إلى أن “لا معارك ضارية في عكار، فهناك إما توافق أو تزكية، باستثناء مثلاً فنيدق حيث تُخاض مواجهة مع النائب وليد البعريني، كذلك في حلبا، وبالتالي لا معارك سياسية كبرى تسجَّل، حتى إنه أقيم تحالف في القبيات بين النائب السابق هادي حبيش والقوات والتيار الوطني الحر، مقابل تشكل حلف مدني بمواجهته”.
من جهته، يرى الخبير في مجال الحوكمة والعمل البلدي سمعان بشواتي لـ”العربي الجديد” أن “التعاطي مع الانتخابات هو حزبي بحت، وأنا لا أتفق مع من يعتبر الطابع العائلي طاغياً”، مشيراً إلى أن “التحالفات ليست متينة، فنرى كيف تتبدّل على صعيد اللوائح، وتجمع الأضداد، ولا أسس واضحة لها أيضاً، ولكن الأهم هو أن ما يغيب عن كل الانتخابات هو المشروع، فيما توضع عناوين شبيهة، منسوخة بعضها عن بعض”.
ويردف بشواتي “هذا أمر محزن باعتبار أن هناك مجالس بلدية جديدة ستستلم بلديات مفلسة وبموارد قليلة جداً مقابل تحديات كبرى على مستوى الخدمات والبنى التحتية والتنموية ولجهة الحوكمة، فهذه المجالس عليها أن تُدير نقاشاً حول اللامركزية الإدارية وتواكبها في حال جرى إقرارها، ولذلك فإن المطلوب خبرة ومعرفة في العمل البلدي والتنمية المحلية والتخطيط الاستراتيجي واللامركزية وهو غير موجود في غالبية الترشيحات”.
ويرى أن “هناك تحالفات هجينة، أحياناً تعقد لتثبت وجود، كما لخوض معركة اتحاد البلديات مثل ما هو حاصل في زغرتا حيث همّ القوات اللبنانية والنائب ميشال معوض ليس القرى الصغيرة بل استرداد اتحاد البلديات، أما في طرابلس فنرى كيف طرح السياسيون إعادة تدوير شخص عايش مجلسين، وكان من الأقل أداءً وتحركاً”.
ويلفت بشواتي إلى أن هناك مشكلة تتمثل في غياب الصوت الثالث الذي كان موجوداً في الانتخابات النيابية وهو المعروف بالتغييري، باستثناء “أسس” في زغرتا، ما يعني أننا إما أمام حراك تغييري يحضّر لخوض الانتخابات النيابية ضمن اصطفافات جديدة وإما نتجه لانكفاء في هذا الحراك. ربطاً بهذا كله، لا يرى بشواتي أن التحالفات البلدية ستكون مؤشراً لتحالفات ستُعقد في الانتخابات النيابية المقبلة، ربما فيها جسّ نبض، وتعداد وتحجيم للكتل الناخبة، لتُعرف على أساسها كيفية التحالف، علماً أن الصورة ستختلف في حال شهد القانون الانتخابي تعديلات أو تغييراً.