في ظل الخلافات الكثيرة

هل سيعلق الإتحاد الأوروبي نظام “السفر دون تأشيرة” للجورجيين؟

 الحلم الجورجي : يتم استخدام ورقة إلغاء التأشيرات للضغط على الحكومة الجورجية لجرّ البلاد إلى حرب ضد روسيا

تشهد العلاقات بين جورجيا والاتحاد الأوروبي توتراً متزايداً في الآونة الأخيرة ،فبينما تتمتع جورجيا منذ عام 2017 بامتياز السفر دون تأشيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، تلوح في الأفق اليوم بوادر أزمة قد تؤدي إلى تعليق هذا الامتياز، مما يثير قلقاً شديداً لدى المواطنين الجورجيين.

 

مؤخراً ،وجّه رئيس البرلمان الجورجي “شالفا بابواشفيلي” اتهاماً صريحاً للاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه يستخدم احتمالية تعليق نظام السفر دون تأشيرة “كأداة للضغط السياسي والابتزاز”. جاءت هذه التصريحات الحادة بعد أن أكد السفير الألماني في تبليسي، بيتر فيشر، في مقابلة أن السفر دون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي هو “امتياز” وليس حقاً أصيلاً. وقد أثارت الأخبار المتداولة حول احتمال اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً بتعليق هذا الامتياز للجورجيين في أواخر العام الجاري موجة من النقاش والقلق في الساحة السياسية الجورجية.

 

خلفية وإحصائيات حول نظام السفر دون تأشيرة

 

بدأ تطبيق نظام السفر دون تأشيرة بين جورجيا ودول الاتحاد الأوروبي في مارس 2017. ووفقاً لتقرير الاتحاد الأوروبي الصادر في نوفمبر 2022، استفاد أكثر من مليون و150 ألف مواطن جورجي من هذا الامتياز منذ عام 2017 وحتى ذلك الوقت.

 

غير أن التقارير تشير إلى أنه حتى يونيو 2024، بقي نحو 300 ألف شخص من هؤلاء في دول الاتحاد ولم يعودوا إلى بلادهم، واختاروا الإقامة والعمل في الاتحاد الأوروبي، مما يمثل أحد مصادر القلق الرئيسية لدى الدول الأوروبية.

 

موقف المعارضة

 

أعرب قادة المعارضة الجورجية عن قلقهم إزاء هذا الوضع، مؤكدين في الوقت نفسه على ضرورة الالتزام بالمعايير الأوروبية.

 

وقالت خاتيا ديكانويدزه، أحد قادة حزب “الحركة الوطنية المتحدة” (الحزب المعارض الرئيسي)، إن المعارضة لم تطالب أبداً بمعاقبة الشعب الجورجي بأكمله بسبب ما سمته “الإجراءات غير الديمقراطية” التي يتخذها الحزب الحاكم “الحلم الجورجي” بقيادة بيدزينا إيفانيشفيلي، وإنما كان اقتراحهم دائماً “فرض عقوبات شخصية على إيفانيشفيلي نفسه والمقربين منه”.

 

وأضافت: “رغم أننا لا نريد أن يفقد الشعب الجورجي امتياز السفر دون تأشيرة، إلا أننا ندرك أن للاتحاد الأوروبي قوانينه وقيمه، وينبغي على الدولة التي تتمتع بمثل هذا الامتياز الخاص أن تلتزم بالمعايير الديمقراطية”.

 

الإجراءات السابقة للاتحاد الأوروبي

 

ليست هذه المرة الأولى التي يبدي فيها الاتحاد الأوروبي رد فعل تجاه التطورات الداخلية في جورجيا.

 

في وقت سابق من العام الجاري، علّق الاتحاد الأوروبي نظام السفر دون تأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجورجية، رداً على ما وصفه بـ”التراجع الديمقراطي” في البلاد. كما أصدر البرلمان الأوروبي عدة قرارات طالب فيها بفرض عقوبات صارمة على جورجيا ومسؤوليها. وفي المقابل، انسحبت جورجيا من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بعد أن طالبتها الجمعية بإطلاق سراح السجناء السياسيين وإجراء انتخابات جديدة.

 

وكانت منظمة الشفافية الدولية قد أعلنت في تقرير صدر في 5 أبريل أن حزب “الحلم الجورجي” قد انتهك بشكل فادح حقوق الإنسان الأساسية وحرياته منذ ديسمبر 2024، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع وحرية الإعلام والتعددية السياسية والنشاط المدني.

 

رد “الحلم الجورجي”

 

رفض قادة “الحلم الجورجي”، بمن فيهم رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه ورئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي، هذه الانتقادات الدولية، مصرحين بأن “الحزب العالمي للحرب” (وهو مصطلح يستخدمونه للإشارة إلى القوى الأجنبية المعارضة لحكومتهم) يستخدم ورقة إلغاء التأشيرات “للضغط على الحكومة الجورجية لجرّ البلاد إلى حرب ضد روسيا”. وقد شكك بابواشفيلي حتى في قيمة السفر دون تأشيرة، قائلاً إنها “ليست مائدة سماوية يجب أن يشكرها الجورجيون”.

 

نقطة تحول

 

مثّل قرار حكومة كوباخيدزه في 28 نوفمبر 2024 بتعليق مفاوضات انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي نقطة تحول في العلاقات بين تبليسي وبروكسل.

 

ويعتقد بيتر تسيسكاريشفيلي، الأمين العام لحزب المعارضة “الحركة الوطنية المتحدة”، أن بروكسل طالما نظرت بإيجابية إلى التطلعات الأوروبية لجورجيا، لكن نظراً للخلافات مع الحكومة الحالية، فإن احتمال تعليق نظام السفر دون تأشيرة للمواطنين الجورجيين بحلول نهاية عام 2025 مرتفع جداً.

 

وحذر من أنه في حال حدوث ذلك، فإن التحدي الرئيسي للاتحاد الأوروبي سيكون مواجهة دعاية الحكومة الجورجية التي ستحاول تحميل بروكسل المسؤولية.

 

أهمية نظام السفر دون تأشيرة

 

يؤكد العديد من السياسيين الجورجيين أن نظام السفر دون تأشيرة له أهمية للجورجيين ليس فقط من الناحية العملية والطبية والسياحية، بل أيضاً من المنظور الثقافي والهوياتي.

 

تعتبر تيونا أكوبارديا، أحد قادة حزب المعارضة “من أجل جورجيا”، أن هذا النظام يمثل “اختيار الشعب” و”علامة على انتماء الجورجيين إلى أوروبا”، وترى أن خطاب الحزب الحاكم حول “ابتزاز” الاتحاد الأوروبي و”الحفاظ على السيادة” ما هو إلا دعاية لتبرير عزل جورجيا التام عن الغرب.

 

اختلاف الآراء حول توقيت التعليق

 

تتباين وجهات النظر حول توقيت وحتمية هذا التعليق المحتمل.

 

لا يتوقع باتا زاكاريشفيلي، الوزير المستشار السابق في حكومة “الحلم الجورجي” (2012-2016)، أن يتخذ الاتحاد الأوروبي مثل هذا القرار “هذا العام”، ويعتقد أن بروكسل ستنتظر نتائج انتخابات البلديات الجورجية المقررة في 4 أكتوبر.

 

في الوقت نفسه، أكدت مارتا كوس، مفوضة الاتحاد الأوروبي للتوسع، مؤخراً أن الأمل في عودة جورجيا إلى مسار التنمية الديمقراطية “يتناقص في بروكسل، لكنه لا يزال موجوداً”، وأن الاتحاد الأوروبي لم يستبعد إمكانية إجراء حوار مستقبلي مع حكومة “الحلم الجورجي” “لإعادة جورجيا إلى المسار الأوروبي”، على الرغم من أن هذه الحوارات قد تبدأ على مستويات أدنى. ومع ذلك، يبدو التوصل إلى أي تسوية في الوقت الراهن أمراً صعباً.

 

 

تقف جورجيا اليوم عند مفترق طرق حاسم في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. فبينما يمثل نظام السفر دون تأشيرة أحد أهم إنجازات التقارب الجورجي-الأوروبي، فإن التوترات السياسية الحالية والتراجع الديمقراطي المزعوم يهددان هذا المكسب.

 

مع اقتراب موعد انتخابات البلديات الجورجية في أكتوبر المقبل، تتزايد أهمية هذا الاستحقاق الانتخابي ليس فقط على الصعيد المحلي، بل كمؤشر قد يحدد مستقبل العلاقات الجورجية-الأوروبية.

 

المصدر: الوفاق