دواء بالداء.. الأمة الكروية الأعظم تستنجد بمنقذ أوروبي

"وداوني بالتي كانت هي الداء".. مقولة تجسدت في قرار البرازيل التاريخي باختيار كارلو أنشيلوتي مدربًا لمنتخبها.

فبعد ما يزيد عن 20 عامًا من الإقصاءات المونديالية المتتالية على يد المنتخبات الأوروبية، ها هي البرازيل تلجأ إلى مدرب أوروبي لفك عقدتها وإعادتها إلى منصات التتويج العالمية.

 

وتقرر أن يتولى الإيطالي كارلو أنشيلوتي المهمة الفنية للبرازيل، واضعًا حداً للمسيرة الأنجح لأي مدرب أشرف على قيادة ريال مدريد طوال تاريخه، ليخطف الأنظار كواحد من أبرز تعيينات المدربين في كرة القدم الدولية.

 

وبالنسبة لبلد تُعرف هويته بتقديم كرة القدم الجميلة، فإن قرار الاستعانة بمدربٍ أجنبي من بين النخبة في أوروبا، فائزٍ بكل الدوريات الخمسة الكبرى، يشير إلى الرغبة الشديدة لدى البرازيل للفوز والطموح في استعادة مكانتها المفقودة منذ سنوات.

 

غياب البرازيل عن المنصات العالمية

 

 

تراجعت هيمنة البرازيل على الكرة العالمية في العقدين الأخيرين، فعلى الرغم من التتويج بكوبا أمريكا عامي 2007 و2019، إلا أن سجلها في كأس العالم – المقياس الحقيقي للنجاح – كان مخيبًا للآمال.
لم تتوج البرازيل بالمونديال منذ عام 2002، وعانت من إقصاءات مؤلمة أبرزها على أرضها في نصف النهائي عام 2014 بالسقوط المدوي (7-1) أمام ألمانيا، كما ودعت مونديال 2018 من ربع النهائي أمام بلجيكا، وخسرت في نفس الدور بركلات الترجيح في قطر 2022 ضد كرواتيا.

 

وبالتالي منذ عام 2002 تودع البرازيل دائمًا البطولة على يد المنتخبات الأوروبية، وتحول الأمر إلى عقدة ترغب في التخلص منها، ولذلك لجأت للمدرسة الأوروبية نفسها لحل الأزمة.

 

 

تعاني البرازيل كثيرًا حاليًا في التصفيات المؤهلة لمونديال 2026، على الرغم من زيادة عدد الفرق التي ستترشح إلى 6 مقاعد مباشرة على أن يخوض صاحب المركز السابع الملحق من بين 10 منتخبات تشارك في التصفيات.

 

ومع ذلك تحتل البرازيل المركز الرابع برصيد 21 نقطة، بفارق 6 نقاط فقط عن المركز السابع بعد 14 جولة كاملة، وتعرضت لهزيمة ثقيلة أمام الغريم الأرجنتين مؤخرًا بنتيجة (1-4)، وهي الهزيمة التي أطاحت بالمدرب الأخير دوريفال جونيور وأدت إلى تفكير الاتحاد البرازيلي في ضرورة التعاقد مع مدرب صاحب اسم كبير لقيادة مشروع حقيقي وقادر على فرض السيطرة في غرف الملابس.

 

القيادة الأجنبية: تحول تاريخي

 

على مدار قرن من الزمان اعتمدت البرازيل على المدربين المحليين دائمًا، باستثناء 3 حالات فقط: الأولى عام 1925 بقيادة الأوروجواياني رامون بالتيرو (4 مباريات)، والثانية بقيادة البرتغالي جوريكا (مباراتان) عام 1944، والثالثة عبر الأرجنتيني فيلبو نونيو بقيادة مباراة واحدة فقط عام 1965.

 

وكانت تلك هي العادة في المنتخب والدوري البرازيلي، حيث كان يتم اللجوء للبرازيليين فقط باعتبارهم القادرين على فهم مدى أهمية لعب كرة قدم جذابة، قبل أن تتغير تلك النظرة بقيادة البرتغالي جورجي جيسوس لفلامينجو عام 2019 بنظام أوروبي.

 

وحقق جيسوس مع الفريق لقبي الدوري وكوبا ليبرتادوريس، بـ43 انتصارًا في 57 مباراة، ومنذ ذلك الحين أصبح هناك تقبل لفكرة المدرب الأجنبي.

 

 

تحديات أنشيلوتي مع السيليساو

 

هناك تحديات بارزة تواجه أنشيلوتي، أولها الضعف الدفاعي للبرازيل، فمنذ رحيل تيتي عقب نهاية مشوار الفريق في مونديال 2022، استقبل الفريق 31 هدفًا في 25 مباراة، أكثر مما تلقى مع تيتي في 81 مباراة.
وتبقى خيارات الظهيرين في البرازيل ضعيفة للغاية في الوقت الحالي على الرغم من الشهرة الواسعة تاريخيًا للبرازيل في هذين المركزين.

 

ولم يقنع الثنائي ماركينيوس وجابريل كقلبي دفاع، وبالتالي قد يلجأ أنشيلوتي للاعبه في ريال مدريد إيدير ميليتاو الذي لم يتعاف بعد من إصابته.

 

كما تعاني البرازيل لإيجاد الإبداع في وسط الملعب لغياب صانع اللعب البارز، ويشغل ذلك المركز مؤخرًا لوكاس باكيتا، الذي لم يقنع كثيرًا إلى جانب عدم تقديم الثنائي أندرياس بيريرا وجيرسون أي مردود حقيقي.

 

وستكون عودة كاسيميرو واردة وبقوة لمنح الفريق الاستقرار. ولكن ومع تقدم كاسيميرو في العمر، سيكون أنشيلوتي بحاجة أيضًا للبناء للمستقبل، وقد يمثل برونو جيماريش وجويلينتون الحل، لذا على أنشيلوتي بناء خط وسط قوي لدعم هجوم الفريق.

 

ومن الأزمات التي عانت منها البرازيل مؤخرًا هي اعتمادها الشديد على نيمار، ومع كثرة إصاباته وابتعاده عن الملاعب، على أنشيلوتي أن يجد الحل لتتألق البرازيل بدونه، وستكون علاقته بفينيسيوس جونيور ورودريجو حاسمة بعد تألقهما معه في ريال مدريد.

 

وعلى أنشيلوتي التحرك سريعًا لإيجاد الحلول، خاصة أنه في الأيام القليلة المقبلة سيرسل قائمة فريقه التي تستعد لمواجهة الإكوادور يوم 5 يونيو/حزيران وباراجواي يوم 10 من الشهر نفسه في التصفيات المونديالية.

 

قوة أنشيلوتي: خبرات متراكمة

 

تكمن إحدى أبرز نقاط قوة أنشيلوتي في قدرته على تهدئة الفرق دون إثارة مشاكل، فهدوؤه المعروف الذي غالبًا ما يتجلى في مجرد رفع حاجبيه في اللحظات الحاسمة، ساعد بعضًا من أقوى غرف الملابس في العالم على إيجاد الاستقرار، وبالتالي لن يجد أي مشكلة في التعامل مع نجوم خط هجوم البرازيل من فينيسيوس ورودريجو ورافينيا وغيرهم.

 

وعلى الرغم من ضعف نتائج ريال مدريد معه هذا الموسم، لكن لا يجب نسيان ما قدمه مع الفريق الملكي قبلها، ويكفي النظر إلى مسيرة الفريق المذهلة في التتويج بدوري الأبطال عام 2022 بعد عودات مستحيلة أمام باريس سان جيرمان وتشيلسي ومانشستر سيتي قبل الفوز في النهائي على ليفربول.

 

واستفاد ريال مدريد كثيرًا من خبرته التكتيكية، ولكن في الوقت ذاته لعب الفريق بروح قتالية استثنائية، وهو أمر غائب عن البرازيل منذ سنوات التي كانت تفضل فقط الفوز بأعلى مستوى بأسلوب السامبا، لكن سيمنحهم أنشيلوتي الانضباط التكتيكي والروح لتخطي خيبات السنوات الماضية.

 

ويفضل دائمًا أنشيلوتي منح الحرية لأصحاب المهارات مع فرض الانضباط في الوقت ذاته، ومن المنتظر أن يتوهج فينيسيوس معه، فبعد أن عانى تحت قيادة زين الدين زيدان كثيرًا، حوله أنشيلوتي لأحد أفضل اللاعبين في العالم.

 

وبالتالي من المنتظر أن يساعده في تحسين سجله الباهت مع البرازيل الذي يقتصر على 6 أهداف في 39 مباراة دولية، حيث نجح أنشيلوتي معه في تسهيل مهامه في الملعب ومنحه الثقة والحرية رفقة ريال مدريد.

 

 

ومن نقاط القوة لدى أنشيلوتي معرفته وحبه للكرة البرازيلية، فهو صديق مقرب لباولو روبرتو فالكاو اللذين توجا معًا بالدوري الإيطالي رفقة روما عام 1983.

 

وفي مسيرته التدريبية ساهم في توهج الكثير من البرازيليين من فينيسيوس ورودريجو وكاسيميرو رفقة الريال، ومن قبلهم كاكا في ميلان، فهو قادر على منحهم الثقة وبناء علاقة قوية معهم.

 

وهناك أيضًا الحارس ديدا في ميلان وقلب الدفاع روكي جونيور والظهير الأيسر سيرجينيو ومتوسط الميدان ليوناردو وريفالدو، وبالتالي يجيد أنشيلوتي التعامل مع العقلية البرازيلية الخاصة.

 

ومن مهاجمي البرازيل الفاقدين للثقة بشكل واضح هذا الموسم ريتشارلسون، والذي سبق وأن تألق رفقة أنشيلوتي عندما كان مدربًا لإيفرتون بتسجيل 15 هدفًا في موسم (2019-2020) و13 هدفًا في موسم (2020-2021) في الوقت الذي لم يسجل فيه هذا الموسم رفقة توتنهام سوى 5 أهداف.

 

تحدٍ خاص: هل يكرر نجاحات الأساطير؟

 

على الرغم من أن تلك ستكون هي المهمة الأولى لأنشيلوتي رفقة المنتخبات، إلا أن هناك أساطير من قبله نجحوا في التتويج بدوري الأبطال، ونقلوا تلك النجاحات على الصعيد الدولي أيضًا.

 

فهناك مارشيلو ليبي صاحب النجاحات الكبيرة مع يوفنتوس، والذي نجح في أول تجربة دولية له في قيادة إيطاليا للفوز بكأس العالم 2006، ومن بعده أتى فيسينتي ديل بوسكي صاحب النجاحات الكبيرة مع ريال مدريد، والذي في أول تجربة دولية له قاد إسبانيا للقبي مونديال 2010 ويورو 2012.

 

كما أن ديديه ديشامب الذي قاد موناكو لنهائي دوري الأبطال عام 2004، وأعاد يوفنتوس للدوري الإيطالي، نجح في تجربته الدولية مع فرنسا في الفوز بمونديال 2018.

 

وبالتالي لا يفتقد أنشيلوتي للخبرة التي تمكنه من محاكاة تلك النجاحات مع المنتخب الأكثر تتويجًا بلقب كأس العالم في التاريخ.

 

 

المصدر: الاخبار كووره

الاخبار ذات الصلة