في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجي، تبرز تقنية الذكاء الاصطناعي كأداة محورية ووسيلة مؤثرة في ميادين شتى من بينها المجال الديني والاسلامي، ولما كان الإسلام دينا خالدا يعنى بالإنسان في كل زمان ومكان.
فقد أتاح الذكاء الاصطناعي فرصا واعدة لخدمة الإسلام ونشر تعاليمه بصورة أوسع واكثر فاعلية، سواء من خلال تطبيقات القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، أو تصميم روبوتات ومساعدات ذكية تقدم الفتاوى والتفسير، وتحسين جودة المحتوى الدعوي على المنصات الرقمية بمختلف اللغات، كما يمكن للذكاء الاصطناعي ان يسهم في التصدي للتطرف وسوء الفهم من خلال نشر التفسير المعتدل والنموذج الوسطي للدين، ورغم ما توفره هذه التقنيات من إمكانات مذهلة، فان توجيه استخدامها بشكل صحيح، مسؤولية تقع على عاتق المستخدم، ويظل ضرورة لضمان اتساقها مع القيم الأخلاقية والضوابط الشرعية، ويمثل تحديا حضاريا وفرصة استراتيجية لنشر رسالة الإسلام السمحة في افق جديد.
فمن منظور إسلامي يمكن لهذه التقنية ان تحمل رسالة الإسلام ونشرها بطرق عصرية، فالذكاء الاصطناعي لا يقتصر على كونه أداة للبحث والمعالجة، بل اصبح شريكا في الإنتاج المعرفي وتوظيفه في نشر كل التعاليم الإسلامية وتعزيز قيم العدل والتسامح واحترام الانسان وهي من صميم الرسالة الإسلامية، مما جعل هذه التقنية قادرة على المساهمة في نشر ما ينفع الانسان للتقرب الى الله تعالى، وتشمل كافة فئات المجتمع لا سيما الأجيال الشابة التي تتعامل مع التكنولوجيا بشكل يومي.
وان القيم الإسلامية ليست جامدة او منغلقة بل هي منظومة أخلاقية عالمية تتسم بالثبات في المبادئ والمرونة في الوسائل، ولا ينظر الى الذكاء الاصطناعي كعامل تهديد الهوية بل فرصة لنقل هذه القيم الى الفضاء الرقمي العالمي بأسلوب عصري ومؤثر، وان التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على تطويع هذه التقنية لخدمة رسالة الإسلام.
فهو يقدم إمكانية غير مسبوقة لفهم اهتمامات الافراد وتحليل ميولهم وتقديم المحتوى المناسب لهم في اللحظة المناسبة، وهذا يفتح بابا واسعا امام المؤسسات الإسلامية والمبادرات الدعوية لتبني استراتيجيات اكثر تأثيرا وفاعلية تنطلق من فهم الانسان المعاصر وتخاطب قلبه وعقله بلغة يفهمهما ويثق بها، وفي ضوء التحولات والأفكار الدخيلة والمنحرفة عن الفطرة، والمفاهيم المظللة والمناقضة للقيم الإسلامية لابد من التأكيد على استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر اكبر ما يمكن من ثوابت الإسلام واحكام الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يعني فقط انتاج محتوى رقمي إسلامي بل يتطلب أيضا رؤية متكاملة تتضمن التأصيل الشرعي والوعي التقني والبعد الإنساني، والمفاهيم الأخلاقية حتى نضمن ان تكون رسالتنا انعكاسا صادقاً لجوهر الإسلام ومقاصده العليا والرصينة.
ومما لا شك فيه ان هذه التقنية الذكية تساعد على نشر المحتوى للمسلمين وغير المسلمين في شتى انحاء العالم الاطلاع فيجب ان يكون موثوق بلغات شرعية مستمدة اصالتها من القران الكريم، وبها يكون التفاعل مع المعلومات والمسائل الفقهية ومصادر المعرفة الثقافية والإسلامية بشكل أكثر فاعلية وسرعة، كما انها تفتح آفاقاً غير مسبوقة لتجديد أساليب الدعوة وتعزيز الحوار مع كل الفئات المجتمعية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في الفضاء الرقمي، كما يمكن انتاج وتصميم برامج لتفسير القران والاحكام الشرعية، كما أن تسخير الذكاء الاصطناعي في هذا المجال ينبغي ان يكون تسخيراً هادفاً ينطلق من فهم عمق الرسالة الإسلامية ومتطلباتها في هذا العصر، فالغاية لسيت مجرد استخدام التقنية لذاتها بل تطويعها لخدمة مقاصد الشريعة الإسلامية من تعليم وهداية وتزكية وتعميق الفهم الصحيح للدين، كما يمكن لهذه التقنية ان تكون وسطا معرفيا يساعد في نقل مسائل الشرع بطريقة مبسطة ودقيقة ومتاحة على مدار الساعة.
ومع ذلك يمكن ان نشير الى مسألة مهمة لابد ان يستند هذا التطويع الى منهج علمي يجمع بين الاصالة والمعاصرة، بحيث تُبنى التطبيقات والأنظمة الذكية على أساس المصادر الشرعية المعتمدة وهي (القرآن الكريم، السنة النبوية، الاجماع، القياس)، ويراعى فيها اختلاف المذاهب الفقهية والسياقات الثقافية المتنوعة، ذلك لتعزيز الفهم الصحيح للكثير من المفاهيم والتعاليم الدينية عن طريق التطبيقات للأنظمة الذكية التي تفتح افاقا جديدة لزيادة نشر اساليب حديثة تواكب احتياجات العصر، فضلا عن ذلك ان يكون هناك إشراف من علماء ومختصين في هذا المجال لضمان سلامة المحتوى ودقته.
وفي ضوء ما ذكرناه أعلاه، نوصي المستخدمين بتسخير الذكاء الاصطناعي في نشر تعاليم الإسلام بأن يحسنوا توجيه هذه الأداة الفعالة بما يتفق مع مقاصد الشريعة واخلاقياتها، لتقريب علوم الشريعة الى الناس والتمسك بالتعاليم الدينية من خلال الإجابات على الأسئلة الفقهية او شرح المفاهيم الدينية والتفسيرات للآيات القرآنية واحكام القران الكريم، على ان يلتزموا بالدقة الموضوعية وان يستندوا الى مصادر موثوقة تحت اشراف علماء مختصين، كما يُستحسن الاستثمار في تطوير محتوى ديني ذكي، تربوي واخلاقي يخاطب عقول الشباب بلغتهم المعاصرة، ويعزز الصورة الحقيقية للتعاليم الدينية في الداخل والخارج، وعليه فالذكاء الاصطناعي اذا وُظف بحكمة يمكن ان يكون منبرا عالمياً لنشر الهداية والرحمة والمعرفة الشرعية.