عبير شمص
يتّبع العدو الصهيوني استراتيجية عسكرية مُحددة تحت إسم “مركبات جدعون” تستهدف إعادة تشكيل غزة، جغرافياً وديموغرافياً، بشكلٍ جزئي، على أن يُعاد تقسيم القطاع إلى مربعات معزولة جغرافياً، بما يعزل الفصائل المسلحة عن الشعب، ويقضي على الدعم الشعبي الذي يُعدّ ركيزة أساسية للمقاومة. في هذا السياق، ما الذي يجب على المقاومة أن تتبناه من استراتيجيات ميدانية متجددة للتعامل مع هذه التحديات، وهل يستمر العدو الصهيوني في محاولة تحقيق نصر عسكري مستحيل، أم أنه سيجد نفسه مجبراً على البحث عن مخرج سياسي من هذا المستنقع، للإجابة عن هذه التساؤلات حاورت الوفاق الكاتب والإعلامي الفلسطيني حمزة البشتاوي، وكان الحوار التالي:
دلالات عملية “مركبات جدعون”
يرى الإعلامي البشتاوي بأن جيش الإحتلال الصهيوني أطلق عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة في استمرار لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها عقب عملية “طوفان الأقصى” وتسمى “مركبات جدعون” وهي تحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية، تاريخياً ارتبط الإسم بالدعاية الصهيونية للحرب فقد استخدم في عام 1948م في زمن النكبة والتهجير أما عسكرياً فهي مرتبطة بتوسيع نطاق الحرب في المرحلة الأولى للضغط من أجل تهجير سكان قطاع غزة من مناطق الشمال والوسط باتجاه الجنوب وتغيير بعض القواعد التي كان يتبّعها جيش الاحتلال، إذ كان يتبع خطة “إضرب واهرب” أما الأن يحاول عبر هذه الخطة التي وضعها رئيس أركان جيش الاحتلال التموضع في الأماكن التي يحاول التقدم فيها وإعادة ترسيم المناطق في قطاع غزة وإخلاء بعضها من سكانها في عمليات عسكرية جوية بالتزامن مع عمليات برية واقتحامات لبعض المناطق في قطاع غزة والتي تقع جميعها في إطار توسيع الحرب وليس الذهاب إلى صفقة تبادل أو تهدئة في المرحله الراهنة.
الحشود العسكرية الضخمة للحرب دليل فشل
يشير الإعلامي البشتاوي بأن مشاركة خمس فرق عسكرية في الحرب البرية الحالية دليل على إخفاق وفشل للجيش الصهيوني وألويته وفرقه العسكرية من جفعاتي وغولاني من تحقيق أي هدف من أهداف الحرب المعلنة رغم كل حرب الإبادة والتجويع واستخدام كل الأسلحة المتطورة جواً وبراً وبحراً، فهو يحشد كل إمكانياته ويستدعي نحو 70,000 جندي من الاحتياط في محاولة لتحقيق إنجاز، ويزج هذه الأعداد الضخمة من العناصر البشرية رغم أزمة النقص في التجنيد التي يعاني منها، والتي تظهر بشكلٍ واضح عجزه طيلة الفترة السابقة في سعي لتحقيق شيء في الميدان حيث ما زالت الكلمة فيه للمقاومة.
ويضيف الإعلامي البشتاوي بأن العدو يحاول بعد موافقة الكابينت على العملية العسكرية الواسعة تحقيق إنجاز في العملية البرية ضمن إطار ما يسميه خطة غزة الصغرى والتي تستهدف حشر سكان قطاع غزة في منطقة جغرافية محدودة جداً يتحكم فيها جيش الاحتلال على صعيد المساعدات ويحكم السيطرة أكثر فأكثر في سياق العملية البرية على محور موراج من أجل التحكم في المساعدات بمعنى عسكرة المساعدات الإنسانية، وتعد آفاق العملية وفق كبار ضباط جيش الاحتلال غير واضحة في ظل إحتمالية المواجهة من المسافة صفر من فتحات الأنفاق ومفاجآت المقاومة المتوقعة في الميدان، وهم يعتقدون أن هذه العملية العسكرية الواسعة لن تستطيع تحقيق الأهداف المرجوة منها بسبب إحكام المقاومة سيطرتها على خطوط الدفاع في المناطق الواسعة، كما أصبحت المناطق غير المأهولة والشبه المدمرة تُشكل عائقا لجيش الاحتلال وهذا سيشكل عقبات كبرى أمام تقدمه البري.
المواجهة من مسافة صفر
أمّا سيناريو العملية وفق العدو الصهيوني فيؤكد الإعلامي البشتاوي فهي محاولة التمركز في المناطق التي يتقدم بها وليس الإنسحاب منها والتقدم باتجاه كل مناطق الشمال ودفع السكان بمغادرة منطقتي الشمال والوسط باتجاه الجنوب وهذه التكتيكات التي يتبعها الاحتلال عبر العمليات الأمنية التي تفشل وتكشفها أعين رجال المقاومة في قطاع غزة، وكذلك استخدام واسع لسلاح الجو وتدمير المدمر واستهداف كل مقومات الحياة عبر استهداف المستشفيات وإخراجها جميعها عن الخدمة، وسلاحه الأساسي، التجويع والقصف الجوي.
أمّا ما تعده المقاومة من سيناريوهات في مواجهة العدو المحتل فهي تعد نفسها للمواجهة من المسافة صفر مع جيش الاحتلال والتقديرات تشير بأنها جهزت الكمائن وما يسمى مصائد المغفلين أي زرع العبوات في طريق تقدم آليات جيش الاحتلال، سيناريو المواجهة هذا يعتمد على العنصر البشري وهو عنصر متفوق لدى المقاومة من خلال إرادة القتال الموجودة لدى رجال المقاومة.
هذا وتواجه المقاومة جيش العدو الصهيوني في ظل تصعيد حرب الإبادة الوحشية على قطاع غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية والحرمان من الغذاء والدواء والماء الصالحة للشرب والحصار الخانق، في ظل كل هذه الأوضاع المأساوية يحاول العدو زيادة أهوال الحرب على سكان قطاع غزة ولكن لا خيار أمام الناس بعد كل هذه الملحمة الأسطورية من الصمود سوى الاستمرار بالصمود والمواجهة.
تهجير الفلسطينيين هدف العملية
يعتبر الإعلامي البشتاوي أن الهدف الأساسي للعملية توسيع نطاق الحرب في المرحلة الأولى وإخلاء شامل لسكان مدينة غزة وخاصةً شمالها ودفعهم نحو الجنوب، وهي تشمل الاستعانة بشركات مدنية بهدف ترسيم المناطق التي سيدخلها جيش الاحتلال ومنها منطقة رفح والمنطقة التي تقع خلف محور موراج، وهذه الخطة تتوافق مع طرح ترامب للتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.
ويشير الإعلامي البشتاوي بأنه يستحيل على جيش العدو الصهيوني إعادة احتلال أراضي قطاع غزة مجدداً بسبب الخسائر البشرية والمادية التي سيتكبدها وسيضطر للخروج مهزوماً لأن المقاومة حالة متجذرة في قطاع غزة ويعرف الاحتلال طبيعة غزة التي يمكن أن تنتصر ولا يمكن أن تنكسر.
يرى الإعلامي البشتاوي بأن العدو الصهيوني في النهاية سيجد نفسه مجبراً على البحث عن مخرج سياسي، أعتقد أن حكومة بنيامين نتنياهو المدعومة من الإدارة الأمريكية فشلت في المفاوضات وفي الحرب وهي لم تستطع رغم كل الدعم الذي قدم لها رغم كل حاملات الطائرات والجسور الجوية وكل الدعم الأمريكي والغربي تحقيق أي إنجاز عسكري في ميدان المواجهة ويستحيل أن يتحقق ذلك، حتى بنيامين نتنياهو أصبح يتعرض للسخرية ليس فقط من المعارضة بل من بعض الأحزاب داخل الائتلاف عندما يتحدث عما يسميه النصر المطلق بل هناك وهم مطلق بتحقيق نصر، لذلك هو يبحث عن مخرج سياسي فيرسل الوفود إلى الدوحة والقاهرة للتفاوض وهو يريد صفقة جزئية تخرج عدداً من الأسرى، عشرة على الأقل دفعةً واحدة ولكن لا يريد وقف الحرب، لذا يصطدم بحثه عن مخرج سياسي بثبات المقاومة على موقفها المتعلق بالصفقة الشاملة أو صفقة جزئية تؤدي إلى الدخول في مسار الصفقة الشاملة أي الوصول إلى تحقيق أهداف المقاومة بوقف العدوان وانسحاب جيش الاحتلال وفك الحصار وإعادة الإعمار، هذه مطالب لا يمكن أن تتخلى عنها المقاومة وإن كانت قد تقبل بصفقة جزئية تقوم على إطلاق عدد من الرهائن الصهاينة مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين وأيام من الهدنة والدخول في مسار مفاوضات الوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب الشامل لجيش الاحتلال، وهذا ما زال ممكناً ولكن هذا يتوقف على مدى اهتمام وضغط الإدارة الأمريكية بهذا الإتجاه.
يختم الإعلامي البشتاوي حديثه بالقول هناك انهيار معنوي ونفسي في صفوف جيش الاحتلال جراء عمليات المقاومة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، فيعاني هذا الجيش العدواني من أعداد كبيرة من الإصابات الناتجة ليس فقط جراء المواجهة بل الإصابة بإعاقات نفسية بشكل كبير، هذا الوضع دفع العديد من المستدعين للتجنيد من جنود الاحتياط للفرار خارج البلاد ، أمام الأمر الواقع يلجأ العدو لتعزيز قواته بعناصر تنتمي لفئات عمرية تتجاوز الـ 45 والـ 55 عاماً من أجل رفع المعنويات المتهالكة والمهارة القتالية، فبعد هذه الفترة الطويلة من الحرب يعاني الجيش من تآكل ويعيش حالة استنزاف مما يدفعه للمخاطرة باستدعاء جنود مصابون باضطرابات نفسية للخدمة في الجيش.