في خطوة نحو الهيمنة العالمية الازدواجية الأمريكية..

ضغوط لمنع النووي السلمي وبناء نووي داخلي

في خطوة قد تغيّر ملامح مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة والعالم، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تستهدف إحياء صناعة الطاقة النووية الأمريكية وتعزيز مكانة الولايات المتحدة النووية. وفي سعيه لكسر احتكار الصين، أطلق ترامب «نهضة الطاقة النووية»من أجل الذكاء الاصطناعي. هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا، فلقد اتخذ ترامب قرارات متناقضة فيما يتعلق بالطاقة النووية. فمن جهة، فرض قيودًا صارمة على البرامج النووية السلمية في بعض الدول  مطالبًا بوقف تخصيب اليورانيوم تمامًا، ومن جهةٍ أخرى، أصدر أوامر بزيادة تخصيب اليورانيوم داخل الولايات المتحدة لتعزيز القدرات النووية الأمريكية. هذه السياسة المزدوجة تثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذه التحركات، وتأثيرها على التوازن الدولي في مجال الطاقة النووية.
 

 

4 أوامر تنفيذية.. ومرحلة جديدة للطاقة النووية

 

 

يصف ترامب الطاقة النووية بأنها صناعة حيوية ومشرقة، مؤكداً على أنها أصبحت أكثر أمانًا وصديقة للبيئة من أي وقت مضى. وفي ظل السباق العالمي على مصادر الطاقة المستدامة والذكاء الاصطناعي، يرى ترامب أن اللحظة قد حانت لتقود الولايات المتحدة هذا القطاع الحيوي مجددًا.

 

 

ولأجل ذلك وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة، أربعة أوامر تنفيذية تهدف إلى إطلاق نهضة الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاج الطاقة النووية أربع مرات في السنوات الـ25 المقبلة.

 

 

ووعد ترامب بإجراءات «سريعة للغاية وآمنة للغاية»، ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهراً، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه.

 

 

هذا ويمكن أن يستغرق إصدار تراخيص المفاعلات في الولايات المتحدة أكثر من عشر سنوات في بعض الأحيان، وهي عملية تهدف إلى إعطاء الأولوية للسلامة النووية، لكنها لا تشجع المشاريع الجديدة.

 

 

وأعلن ترامب أن اليوم هو وقت الطاقة النووية إن التحدي هو «إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين».

 

وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون قادرة على اختبار ونشر المفاعلات النووية بحلول يناير/كانون الثاني 2029. ولتحقيق ذلك تنفذ إصلاحات جذرية للجنة التنظيمية النووية تتضمن النظر في مستويات التوظيف وتوجيه وزارتي الطاقة والدفاع للعمل معاً لبناء محطات نووية على الأراضي الاتحادية في سعي لتنشيط إنتاج اليورانيوم وتخصيبه في الولايات المتحدة.

 

 

94 مفاعلاً نووياً عاملاً

 

 

الولايات المتحدة أول قوة نووية في العالم، إذ تمتلك 94 مفاعلاً نووياً عاملاً، لكن متوسط أعمار هذه المفاعلات ازداد حتى بلغ 42 عاماً.

 

 

وبعد توليه الرئاسة في يناير/كانون الثاني أعلن ترامب حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة، قائلاً إن الولايات المتحدة لديها إمدادات غير كافية من الكهرباء لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة، خاصةً لمراكز البيانات التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

 

 

ومع تزايد الاحتياجات على صعيد الكهرباء، والتي يحركها خصوصاً تنامي الذكاء الاصطناعي، ورغبة بعض البلدان في الاستغناء عن الكربون في اقتصاداتها، يزداد الاهتمام بالطاقة النووية في جميع أنحاء العالم.

 

 

والعام 2022، أعلنت فرنسا التي تبقى صاحبة أعلى معدل طاقة نووية للفرد بواقع 57 مفاعلاً، برنامجاً جديداً يضم ستة الى 14 مفاعلاً. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول هذه المفاعلات العام 2038، وتظل روسيا المصدر الرئيسي لمحطات الطاقة، إذ لديها 26 مفاعلاً قيد الإنشاء.

 

 

تتضمن هذه الخطوات إصلاحاً كبيراً لهيئة التنظيم النووي بما في ذلك النظر في مستويات التوظيف وتوجيه وزارتي الطاقة والدفاع للعمل معاً لبناء محطات نووية على الأراضي الفيدرالية وتنشيط إنتاج اليورانيوم وتخصيبه في الولايات المتحدة ، والتي ستتولى وزارة الدفاع دوراً بارزاً في طلب المفاعلات النووية وتركيبها في القواعد العسكرية.

 

 

تأثيرها على العلاقات الدولية

 

 

أثارت هذه السياسة انتقادات من الاتحاد الأوروبي، حيث اعتبرت بعض الدول أن الولايات المتحدة تطبق معايير مزدوجة فيما يتعلق بالطاقة النووية، قد تدفع هذه الخطوة دولًا أخرى مثل الصين وروسيا إلى تعزيز برامجها النووية، مما يزيد من حدة المنافسة الجيوسياسية.

 

 

القوة النووية الأمريكية هدفها ردع روسيا والصين

 

 

أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة في عهد بايدن أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الاستعداد لتوسيع قوتها النووية لردع التهديدات المتزايدة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وأن القرارات بشأن نشر المزيد من الأسلحة النووية سيتم تركها للإدارة القادمة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، والتي لم توضح بعد خططها الدفاعية.وخلال ولايته الأولى، أيد ترامب جميع برامج الأسلحة النووية الرئيسية التي ورثها من إدارة أوباما وأضاف نظامين نوويين جديدين.وسياسة إدارة بايدن مُدونة في «دليل التخطيط لاستخدام الأسلحة النووية» وتأتي في وقت تمضي فيه الصين في تعزيز ترسانتها النووية على نطاق واسع، وتحجم روسيا عن المشاركة في محادثات الحد من الأسلحة، وتعمل كوريا الشمالية على زيادة ترسانتها من الأسلحة النووية.هذه التوجيهات تكلف وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بتطوير خيارات لردع العدوان من جانب الصين وروسيا وكوريا الشمالية في وقت واحد. وكانت سياسة بايدن تؤكد على أهمية تطوير أنظمة غير نووية متقدمة، وتعميق التعاون العسكري مع الحلفاء في آسيا وأوروبا لمواجهة المخاطر المحتملة.

 

 

ازدواجية المعايير

 

 

تعكس سياسة ترامب تجاه الطاقة النووية ازدواجية واضحة، حيث يسعى إلى منع تخصيب اليورانيوم في دول أخرى بحجة منع انتشار الأسلحة النووية، بينما يعزز تخصيب اليورانيوم داخل الولايات المتحدة لدعم الصناعة النووية والقدرات الدفاعية. هذه السياسة تثير تساؤلات حول التوازن الدولي في مجال الطاقة النووية، وتأثيرها على الاستقرار العالمي. هل ستؤدي هذه التحركات إلى تعزيز الأمن القومي الأمريكي، أم أنها مجرد بداية لمرحلة جديدة من التوترات النووية؟

 

 

 

 
المصدر: الوفاق