كان السؤال الكبير حينها: هل يستطيع الفريق المنافسة على أعلى المستويات دون النجم الذي حمله لسنوات؟
عند هذه اللحظة، بدأ دور لويس إنريكي في إعادة بناء الفريق وصياغة فلسفة جديدة تعتمد على المنظومة الجماعية بدلاً من الفرديات، وهو النهج الذي قاد باريس نحو تحقيق أول لقب في دوري الأبطال في تاريخه.
التخطيط الذكي والتعاقدات التي صنعت الفارق
لم يكن خروج مبابي مجرد فقدان لاعب موهوب، بل كان فرصة لإعادة هيكلة الفريق بشكل يخدم أسلوب إنريكي القائم على التوازن بين الدفاع والهجوم، والضغط العالي، والتحركات الذكية. لم يبحث النادي عن “نجم بديل”، بل اتجه نحو تعزيز المجموعة بعناصر تملك جودة جماعية، مثل برادلي باركولا، وديزيريه دويه، وخفيتشا كفاراتسخيليا، وأسماء أخرى أضافت عمقاً كبيراً للفريق.
هذه التعاقدات لم تكن مجرد انتدابات عشوائية، بل جاءت بدقة لتعكس فلسفة إنريكي الذي أراد فريقاً يتحرك ككتلة واحدة، لا يعتمد على لاعب واحد لحسم المباريات، بل يتبادل اللاعبون الأدوار وفق الحاجة، مما خلق ديناميكية هجومية جعلت باريس فريقاً يصعب إيقافه تكتيكياً.
أسلوب إنريكي.. كرة جماعية ممتعة وفعالة
منذ اليوم الأول، ركّز إنريكي على تغيير نهج اللعب داخل باريس سان جيرمان، حيث ابتعد عن الفكرة التقليدية التي تعتمد على نجم واحد يتصدر المشهد، واتجه نحو بناء منظومة هجومية قادرة على التكيف مع مختلف الخصوم.
لعب باريس بأسلوب استحواذي سريع يعتمد على دقة التمرير وسرعة التبديل بين الهجوم والدفاع، مما منح الفريق مرونة تكتيكية جعلته يتفوق على الخصوم دون الحاجة إلى نجم فردي يصنع الفارق وحده.
كما أن التدوير الذكي الذي اعتمده إنريكي ساهم في الحفاظ على حيوية الفريق طوال الموسم، حيث لم يكن هناك اعتماد مفرط على لاعب معين، بل كان هناك توزيع متوازن للأدوار، وهو ما ظهر جلياً في نهائي دوري الأبطال الذي شهد تألق جماعي من الفريق أمام إنتر ميلانو في مباراة لا تُنسى.
نهائي تاريخي ورسالة قوية إلى الجميع
عندما دخل باريس سان جيرمان نهائي دوري الأبطال، لم يكن مجرد مرشح عادي، بل فريقاً متكاملاً أثبت خلال الموسم أنه قادر على فرض أسلوبه على أي منافس.
جاءت المواجهة ضد إنتر ميلانو لتكون إعلاناً رسمياً عن بدء حقبة جديدة في تاريخ النادي، حيث قدم الفريق عرضاً استثنائياً حسمه بخمسة أهداف من دون مقابل، في مباراة أظهرت مدى التماسك والتناغم داخل المجموعة.
بعد المباراة، تحدث لويس إنريكي بثقة كبيرة، مشيراً إلى أن الفريق أثبت أنه لا يعتمد على نجم واحد، بل على منظومة تعمل ككيان متكامل، مؤكداً أن النجاح كان نتاج عمل شاق دام موسماً كاملاً.
كما وجه رسالة إلى مبابي، قائلاً: “كنا نريده معنا، لكنه اختار طريقاً آخر، ونحن تقبلنا ذلك، وأثبتنا أن لدينا نجوماً أيضاً لكنهم يعملون من أجل الفريق، وهذا ليس بالأمر السهل”.
نهاية عصر النجم الأوحد.. بداية مرحلة جديدة
ما فعله إنريكي في باريس هذا الموسم لم يكن مجرد تتويج باللقب القاري الأول، بل كان نقطة تحول في فلسفة النادي بأكمله. بعد سنوات من الاعتماد على الأسماء الكبيرة، أصبح الفريق أكثر اكتمالاً وجاهزية للمنافسة على أعلى المستويات، مما يؤكد أن المستقبل سيكون أكثر إشراقاً إذا استمر النادي في هذا النهج.
ويمكن اعتبار هذا الإنجاز رسالة واضحة مفادها أن الكرة الحديثة لا تعتمد على النجوم وحدهم، بل على التنظيم والتخطيط الذكي، وهو ما جعل باريس سان جيرمان يتحول من فريق يبحث عن هويته إلى فريق قادر على الهيمنة في أوروبا لسنوات قادمة.