تتأرجح الطفولة بين سماء مثقلة بأعلام دخيلة وأرض ترتجف تحت ثقل الغياب.. وبين هذا وذاك يحرس مصطفى خاطر المسافة بصمت يقظ.. يطوق أطفالة الأربعة بما استطاع من أمان، محافظا على ما تبقى من حياة تتنفس بين الخوف والخطر.
ويقول مصطفى خاطر لمراسلتنا: “هذه الاعتداءات بلشت معانا من تقريبا ثلاث أسابيع.. خلال ثلاث أسابيع انقلبت مكالمة حياتنا 180 درجة.. العائلة جميعها أخرجناها.. وظلينا إحنا موجودين في الخطر.. في ساعات متأخرة في الليل هناك اعتداءات متكررة من المستوطنين.. وتتكرر الاعتداءات في اليوم أكثر من مرة.. في الليل.. في النهار.. يعني ما لهم وقت معين.”
منذ أن غرست الأعلام الإسرائيلية على مقربة من منزله في بلدة بروقين غرب سلفيت وتحول المكان إلى مركز يتبع لما يعرف بمجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية صار الخوف مقيما لا يبارح المكان.. تبدو الحياة هناك كأنها على هيئة طوارئ دائمة.. لا يعود الأولاد إلى المنزل إلا حين يقرع جرس الأمان المؤقت، ولا يبقون إلا بحذر يشبه الانتظار.
ويضيف مصطفى خاطر: “تخيلي أن عائلتك في نفس البلد ولكن لست قادرة تشوفيهم.. طلعوا منذ أول يوم.. أخذوا معهم الأشياء المهمة.. فانا التي جرحتني أو التي أثرت في أكثر هي بنتي أخذت خلال تقريبا عشر دقائق أخذت صورها وشهادات تقديرها وكتبها طالت.. فأنا أحكي معها قالت لي يا بابا أنا خايفة يجون يحرقوا البيت.. وبدي أخلي لك صورة.. فهي أبقت على صورة وحيدة في البيت.. والصور وجميع شهادات تقديرها كله أخذته.”
وليست حكاية مصطفى سوى فصل من رواية أطول فبيوت كثيرة تطوق كل يوم، وأراض تنتزع من أصحابها، وأعلام غريبة ترفع فوق ذاكرة المكان.. هكذا يتمدد الاستيطان.. لا كغزو عابر بل كسياسة متعمدة تضيق على الفلسطينيين حتى يزاحوا عن أرضهم بصمت أو بقوة.. فلم يعد البيت مأوى بل صار فخاً يحاصر فيه صاحبة ليس بالخوف فقط بل بالعلم المرفوع وبالعيون التي لا تغفل.