من التحالف إلى العداء ترامب وماسك؛

خلاف بلا حدود قد يغيّر ملامح النظام الأمريكي

يظهر الخلاف بين دونالد ترامب وإيلون ماسك بأن هناك رؤى مستقبلية متباينة حول كيفية إدارة الاقتصاد والسياسات العامة في أمريكا

تشهد العلاقات السياسية بين دونالد ترامب وإيلون ماسك تحوّلاً دراماتيكياً؛ فقد تحول ما كان يُعتبر زواج مصالح مبني على الاتفاقات المشتركة وآمال السياسات الاقتصادية إلى مواجهة علنية، بلغت حد التهديد بقطع العقود الحكومية، والتلميح إلى علاقات مشبوهة، وحتى الدعوة إلى ترحيل ماسك من الولايات المتحدة. فما أسباب هذا التصعيد؟ وما تداعياته على السياسة والاقتصاد الأمريكي والعالمي؟
 

من شراكة مصالح إلى مواجهة علنية

 

كان التعاون المشترك بين ترامب وماسك يُعد بمثابة اتحاد استراتيجي جمع بين القوة السياسية والقوة الاقتصادية. إذ ارتبطت صورة ترامب التي لا تعرف التهاون في الدفاع عن مصالح الحزب الجمهوري وفي الوقت نفسه رغبة ماسك للابتكار والتجديد في عالم الأعمال بتقديم عدد من الاتفاقيات والمبادرات التي تكوّنت على أساس منفعة متبادلة. لكن المسألة تعمّقت عندما تعارضت السياسات الاقتصادية والمالية، وتحديداً مشروع قانون الإنفاق الجمهوري الذي شكّل نقطة تحول مفصلية؛ إذ اختلفت وجهات النظر حول كيفية تخصيص الموارد والإنفاق الحكومي. هذا التباين الذي بان في شكل تصريحات لاذعة وتلميحات بقطع عقود ومبادرات تجارية، أبرز الفوارق الجوهرية بين شخصية ترامب المتشبثة بأسلوب السياسة التقليدية وشخصية ماسك التي تسلك طرقاً غير مألوفة في التعامل مع السياسيين والأعمال على حدٍ سواء.

 

أسباب الخلاف؛ التباين الأيديولوجي واختلاف الرؤية  

 

يرجع الانقسام الملحوظ إلى عدة عوامل من بينها الاختلاف في الأطر الأيديولوجية والتوجهات الاقتصادية. فقد اعتمد ترامب على خطاب قومي محافظ يركز على حماية الصناعات الوطنية والحفاظ على مصالح الحزب الجمهوري، بينما يميل ماسك إلى رؤية تقنية مُستقبلية تشمل التوسع في الاستثمارات في قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والفضاء. وفي ظل مشروع الإنفاق الجمهوري الذي طالبت به التيارات المحافظة بطرق محددة لتوجيه الإنفاق، تبين أن ماسك يرى في مثل هذه السياسات عائقاً أمام التجديد والابتكار، وهو ما دفعه لإبداء مواقفه بشكلٍ صريح رغم مخاطر فقدان دعم السياسيين الذين كانوا يشهدون تعاوناً سابقاً.

 

تصاعد الأحداث والتهديد بقطع العقود

 

لم يبقَ الأمر عند الخطابات والتحفظات الرسمية؛ فقد تحوّل الخلاف إلى مناوشات علنية عبر وسائل الإعلام والاجتماعات الخاصة، حتى وصل الأمر إلى تهديد صريح بقطع العقود التجارية والاتفاقيات التي كانت تجمع بين الطرفين. وقد شهدت الساحة السياسية والمؤسسات الاقتصادية انقساماً حاداً إذ دعا أحد أبرز حلفاء ترامب إلى إجراءات صارمة تصل إلى دعوات لترحيل ماسك، مما يعكس مدى تأزم الموقف وتحوله من خلاف بسيط إلى نزاع يحتمل أن يؤثر على مصالح اقتصادية وسياسية ضخمة. هذا التصعيد لم يقتصر على أوجه الخلاف فحسب، بل فاجأ أيضاً المثقفين والخبراء الذين كانوا يرون في زواج المصالح المبني على التعاون تحالفاً حيوياً يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي والسياسة الحزبية، لكنه الآن تحول إلى رمز للصراعات الداخلية مع احتمالات كبيرة لتأثيرها على الثقة في العملية السياسية داخل الحزب الجمهوري.

 

تداعيات الانقسام على السياسة الداخلية والاقتصاد الأمريكي  

 

يترتب على هذا الخلاف تداعيات عدة تؤثر بشكلٍ مباشر على كلٍ من المنظومة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة. فمن الناحية السياسية، قد يؤدي الانقسام بين رموز القوة داخل الحزب الجمهوري إلى إعادة هيكلة الانقسامات الداخلية وإلى تغير في معادلات النفوذ والولاءات، مما قد يؤثر على قدرة الحزب في التصدي للتحديات الوطنية والدولية. أما من الناحية الاقتصادية، فإن تهديدات قطع العقود وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية مع شركات ماسك قد تفضي إلى اضطرابات في الأسواق المالية وعلى صعيد المشاريع ذات القيمة الكبيرة، كما أن ثقة المستثمرين قد تتأثر سلباً بمنظومة العلاقات التي تبدأ بالتفكك بعد أن اعتُبرت سابقاً مثالاً على التعاون بين السياسة ورأس المال.

 

آفاق المستقبل؛ هل نقطة اللاعودة تلوح في الأفق؟

 

مع تصاعد أوجه الخلاف وتزايد الخطابات الحادة، يطرح العديد من المراقبين تساؤلات حول إمكانية العودة إلى حالة الشراكة التي جمعت بين ترامب وماسك في السابق. إذ إن استمرار هذا النزاع قد يدفع كِلا الطرفين إلى تبني مواقف أكثر تشدداً تتعارض مع مصالحهم المشتركة، وقد تصبح العلاقات بينهما نقطة تحول تتعدى حدود العلاقات الشخصية لتنعكس على السياسة الوطنية والاقتصادية. هناك احتمالات عدة؛ فقد يؤدي التوصل إلى تسوية وسطية إلى إعادة تنظيم قوى التحالف داخل الحزب الجمهوري وتحقيق استقرار مؤقت، أو على النقيض، قد يصل النزاع إلى درجة من الانقسام العميق يصعب فيه إعادة بناء الثقة، مما يجعل النقطة التي لا رجعة منها واقعاً على المدى القريب أو البعيد.

 

ترامب وماسك، تدمير متبادل

 

هناك عدد من الطرق يُمكن أن يدمر بها ترامب وماسك بعضهما، وذلك عبر إعادة توجيه الموارد المالية والسياسية إذ يمتلك ماسك ثروة تقدر بمليارات الدولارات؛ فقد أنفق أكثر من 250 مليون دولار لدعم حملة ترامب الانتخابية. في حال انعكاس الموازين، قد يعيد ماسك استغلال هذه الموارد لتمويل حملات معارِضة ضد الجمهوريين وحلفاء ترامب، مما يعمِّق الانقسام داخل صفوف الحزب ويضعف الدعم السياسي للرئيس.كما يمكنه استخدام منصة «إكس»  كأداة للاستفزاز  فماسك يعد مالكًا لمنصة التواصل الاجتماعي «إكس»، والتي تحولت إلى ساحة صراع إعلامية. فمن خلال تغريدات وتصريحات ناقدة، يمكنه نشر معلومات أو تلميحات تفيد بأنه يمتلك معلومات داخلية حساسة، مما قد يثير الفوضى ويضع ترامب وعناصره تحت ضغط إعلامي وسياسي متزايد.

 

كذلك يمكن لماسك أن يضغط على الإدارة للكشف عن ملفات سرية، كما حدث في قضية وثائق جيفري إبستين؛ إذ أفاد بأن تأخير رفع السرية عن بعض الوثائق قد كان لتفادي الكشف عن اسم ترامب. هذا التلميح يُضع الرئيس في موقف دفاعي قد يفضي إلى فقدان الثقة في جهات اتخاذ القرار، ويمكنه ذلك تعطيل المشاريع الحيوية عبر الأصول التجارية فقد أعلن ماسك تهديده بإيقاف تشغيل مركبة «دراغون» الفضائية التابعة لشركته «سبايس إكس»، وهي الوسيلة الرئيسية التي تُستخدم لإرسال رواد الفضاء والبضائع إلى محطة الفضاء الدولية. هذا الإجراء ليس مجرد خطوة تجارية، بل يُثري أوجه الضغط على الإدارة، مع تأثير محتمل على مكانة الولايات المتحدة في سباق الفضاء.

 

في المقابل يُعد ترامب قادرًا على استغلال صلاحياته الرئاسية لإلغاء العقود الحكومية، والتي تُعتبر شريان حياة للشركات التابعة لماسك، مثل «تسلا» و«سبايس إكس». ففي عام 2024، كانت تلك الشركات قد حصلت على عقود بقيمة ثلاثة مليارات دولار موزعة على حوالي 100 عقد مع 17 وكالة حكومية، إلغاء هذه العقود قد يحدث زلزالًا في أسواق المال ويضع الشركات في موقف حرج اقتصاديًا. كما يمكن لترامب، وبواسطة سلطاته التنفيذية، أن يقوم بسحب التصاريح الأمنية التي حصل عليها ماسك نتيجة للعقود الحكومية، مثل التعاون مع وكالة «ناسا». هذا الإجراء سيشكل عقبة كبيرة لخطة ماسك المستقبلية، خاصةً في ظل المشاريع التكنولوجية والفضائية التي تعتمد بشكلٍ أساسي على الوصول إلى المعلومات والتعاون مع الجهات الحكومية.

 

ختاماً في خضمّ هذه التطورات الدراماتيكية، يظهر أن الخلاف بين دونالد ترامب وإيلون ماسك ليس مجرد نزاع شخصي أو اختلاف في الآراء فحسب، بل هو انعكاس لتصارع بين رؤى مستقبلية متباينة حول كيفية إدارة الاقتصاد الوطني وتوجيه السياسات العامة.

 

 

 

المصدر: الوفاق