إرادة الصمود في غزة تُحاصر الاحتلال من الداخل

خاص الوفاق:‌ تُختبر المجتمعات دائماً في أوقات الإبتلاءات والحروب، وتتكشف قابليتها لحمل المسؤوليات الكبرى.

 

 

شعب المقاومة المحاصر في ميادين محور المقاومة يتجلى بمشهد نادر الوضوح : يظهر فيه للعالم والرأي العالمي انكشاف الباطل والظلم، وارتقاء الحق والمظلومين، وفي مفهوم العدل الاجتماعي السياسي نحن أمام مرحلة جديدة فهل نقبل على مرحلة عالم إرادة الشعوب رفع الظلم أم ما زلنا في حكم المستكبرين، هيمنة الشركات العابرة للقارات والجنسيات، ومشاريع اللوبيات؟

 

اليوم الرأي العالمي أمام حقيقة جلية لا يعتليها غموض أو شبهة، ليـتخذ موقف سياسي، يقول كلمة حق، يضغط لرفع الظلم، بكلمة واحدة قد يساهم في إنقاذ طفل غزاوي من الموت جوعاً، لا أحد حر يمكن ان يقول أنا عاجز عن المساعدة، المجال الفضائي مفتوح وهذا أضعف الإيمان.

 

استمرار العدوان الصهيوأمريكي الناتوي لعامه الثاني بعقل سياسي بارد، يكشف الوجه الإجرامي الوحشي والتواطؤ الدولي، ونزع الأقنعة. بالمقابل الواقع الحي لإرادة شعب لم تكسرها كل جبروت الأرض مجتمعة، والمجتمع الذي ترتكب فيه المجازر بصمت أممي ينهض، يقاوم، يثبت بموقفه، منتصر لو بقي منه واحد يحمل الهوية والقضية، “إسرائيل وأمريكا والناتو” المعتدين خسروا في منطقتنا وإن لم تنتهِ الحرب، في معركة الوعي والإرادة، وخسروا في أهدافهم الاستراتيجية، القضاء على المقاومة، وعدم تحرير أسرهم الصهاينة الا بصفقة، تفتك بجنودهم، فوفق تصريحاتهم 70% من أنفاق غزة ما زالت تعمل ويعاد تأهيلها، والإسناد اليمني ما يزال يوتر الأمن “القومي الصهيوني” فضلاً عن ارتداد نواتج الفشل السياسي في إدارة الحرب على انقسامات الداخل من تهديد الحريديم في حل الكنيست وغيره.

 

ولم تكتفِ آلة القصف الصهيونية الأمريكية باستمرار عدوانها الوحشي، على فلسطين، لاسيما على غزة المحاصرة جوعاً وقتلاً مستمر، حتى أدرجت جريمة موصوفة تضاف إلى جرائمها حتى فاقت كل الجرائم التي عرفتها البشرية منذ التاريخ، فبإصرارها على التجويع والحصار اعتقلت مبادرة فردية إنسانية سفينة”مادلين”، لأنها لم تتحملها العقلية الإجرامية الصهيوأمريكية، فالوحشية أصبحت اهوية الكيان المضافة الى عنصريته.

 

وتكشف منظمة “أطباء بلا حدود” وقائع للرأي العام تتهم فيها “إسرائيل” باستخدام المساعدات الإنسانية في عملية تطهير عرقي لسكان قطاع غزة، حيث تؤكد وزارة الصحة إنّ كل شهيد وصل إلى المستشفيات كان قد تعرض لطلق ناري واحد فقط في الرأس أو الصدر، ما يؤكد إصرار الاحتلال على القتل بجريمة منظمة.

 

كما ان فرض عملية توزيع المساعدات الغذاىية وحصرها في مناطق جنوب القطاع معطى آخر، بات واضحاً بانه جزء من خطة منهجية أمريكية صهيوني بدايتها كان إلزام وحصر مراكز المساعدات في جنوب القطاع، للتهجير القصري من مناطق الشمال تحت وطء الجوع، والأخطر في هذه الخطة هو حشد المواطنين في مراكز الإغاثة وارتكاب “الجيش” الإسرائيلي مجزرة عبر إطلاق الرصاص الحي بشكل مباشر من آلياته وطائرات “كواد كابتر” المسيّرة، صوب المواطنين أثناء توجههم لاستلام مساعدات إنسانية، مما يؤدي إلى استشهاد أكثر من 25 مواطناً وإصابة أكثر من 200 بمعدل حصيلة يومية، حتى بات التطهير العرقي مشهد يومي على أبواب خيم مراكز الإغاثة الإنسانية في جريمة موصوفة تجمع التهجير والتجويع بقتل ممنهج، ما يفدي الى أن هذه المركز تحولت إلى فخ دموي، في مراكز تديرها مؤسسة تدّعي الإنسانية وتخفي أجندات أمنية، عبر كمائن تقوم بها شركة أميركية باستهداف متكرر لمراكز توزيع المساعدات بغرض القتل الجماعي. كما صرح “أمجد الشوا” مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أنّ الاحتلال “يتعمد وضع المواطنين في مناطق وعرة ومعزولة بهدف تصفيتهم”، فالمواطنين الذين خرجوا بحثاً عن الطعام عادوا جثامين إلى عائلاتهم”.

 

حتى لجأت “مؤسسة غزة الإنسانية” إلى إغلاق جميع مواقع توزيع المساعدات التابعة لها حتى إشعار آخر، وأوضحت الجهات الحكومية المختصة، تعاونها مع مكونات المجتمع، وقدرتها على ضمان تسهيل عمليات الإغاثة بكفاءة عالية، برغم الاستهدافات المتكررة للطواقم الحكومية والشرطية. ما يؤكد حضور حماس في كل الساحات والميادين الجهادية، في رسالة للعدو مفادها فشل الكيان الصهيوني في كسر إرادة المقاومة، كما تكشّفت أزماتها الداخلية: انقسام سياسي، اضطرابات أمنية، وتآكل الثقة في القيادة، ما يمكننا القول بأن إرادة الصمود في غزة تُحاصر الاحتلال من الداخل.

 

الدكتورة ليلى صالح

أستاذة في علم الاجتماع السياسي

المصدر: الوفاق/ خاص