الكاتب والإعلامي الفلسطيني حمزة البشتاوي للوفاق:

“مادلين” صوت الحرية؛ رسالة إنسانية ورمز للمقاومة الدولية

خاص الوفاق: تحولت مادلين إلى رسالة تضامن غربية جريئة، تُطالب بضرورة تحرك ضمير العالم وإيقاف الإبادة والمعاناة التي يتكبدها الفلسطينيون

عبیر شمص

 

في حادث جديد يُعيد إلى الواجهة معاناة قطاع غزة ومحاولات كسر الحصار البحري المفروض عليه، شهدت السفينة المعروفة باسم «مادلين» التابعة لتحالف «أسطول الحرية» محاولةٍ جريئة لإيصال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصر. ففي منتصف ليل الأحد، وفي أول ساعات يوم الإثنين 9 حزيران/يونيو 2025، قُطِع مسار هذه العملية الإنسانية بمراقبةٍ أمنية مُمنهجة نفذتها قوات بحرية العدو الصهيوني، حيث اقتحمت السفينة واعتقلت جميع الناشطين على متنها دون مقاومة تُذكر. يُعد هذا الحدث بمثابة صدمة تثير تساؤلات على المدى الطويل حول مستقبل الجهود الإنسانية في المنطقة، وأثرها على المقاومة الشعبية والجبهات الدولية الداعمة لقضية فلسطين. 
 

 

السياق السياسي والإنساني

 

ينطلق هذا الحدث من سياق تاريخي طويل يتمحور حول محاولات كسر الحصار المفروض على غزة وإيصال مساعدات للشعب الفلسطيني الذي عانى لعقود من سياسات القمع والحرمان. جاء ناشطون ومتضامنون من مختلف أنحاء العالم حاملين رسالة تضامن وعزم لا يلين على مواجهة نظام الاحتلال وإعرابهم عن رفضهم للسياسات القمعية. إنّ أحداث سفينة «مادلين» ليست وليدة اللحظة فحسب؛ إذ تتشابه مع عمليات سابقة كاحتجاز السفينة «مرمرة» في عام م2010، التي أثارت غضباً دولياً واسعاً ونقاشاً حاداً حول مشروعية إجراءات الحصار وطرق تفعيل المبادرات الإنسانية في مواجهة سياسات التجويع والإقصاء. تُظهر هذه الوقائع أن الصراع في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل يمتد إلى أبعاد قانونية وإنسانية تتطلب إعادة النظر في السياسات الأمنية وتفعيل آليات حماية المساعدات الإنسانية داخل مناطق الحروب.

 

تفاصيل الحادث واعتقال الناشطين الغربيين

 

قامت قوات بحرية العدو وفق ما تشير إليه التقارير الإعلامية، باستهداف السفينة «مادلين» في عملية نفذت بتنظيم عسكري محكم، إذ اقتربت أربعة قوارب بحرية من السفينة بهدف السيطرة عليها قبل بدء عملية الاقتحام. في هذا السياق، لوحظ نشاط طائرات مسيرة كانت تحلق فوق السفينة وألقت مواد سائلة بيضاء لم تُفصح الجهات حول طبيعتها، مما أكسب الأحداث طابعًا دراماتيكيًا يوحي بأن العملية كانت معدة سلفاً لضمان السيطرة الكاملة. تم تنفيذ الاعتقالات بسرعة فائقة إذ اعتقل الجنود جميع الناشطين على متن السفينة دون مقاومة مُلاحظة، في خطوة اعتبرتها جهات العدو الصهيوني رسالة واضحة بأن محاولات كسر الحصار والتأكيد على الحق الإنساني لن تجد لها مكانا في ظل السياسات القمعية.

 

آثار الحراك الدولي والمعاناة الإنسانية

 

يأتي هذا التدخل في وقت تزداد فيه الدعوات الدولية لإنهاء سياسة الحصار المفروض على غزة، وهو ما يفاقم معاناة المدنيين الذين يعيشون حالة من الحرمان المستمر. فقد شكل تحالف «أسطول الحرية» منصة مهمة تجمع ناشطين ومتضامنين من كافة أنحاء العالم في محاولةٍ لإيصال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، على الرغم من أن تحركاته تتعرض باستمرار للاعتراضات والصدام مع السلطات الصهيونية التي ترى في هذه المبادرات منصة لفضح ممارساته الإجرامية، فالاعتقال الأخير للناشطين الغربيين ليس سوى تجسيد آخر لمحاولة الاحتلال منع أي دعم مباشر لسكان غزة، مما يزيد من التعقيدات السياسية والأمنية في المنطقة ويتسبب في تداعيات إنسانية خطيرة على الشعب الفلسطيني.

 

ردود الفعل وتعليقات حماس

 

في مواجهة هذا الاعتداء الأمني، جاءت ردود فعل حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بحدة استثنائية؛ إذ وصفت العملية بأنها «إرهاب دولة منظّم»، واعتبرتها انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي واعتداءً صارخاً على متطوعين مدنيين كانوا يسعون لتقديم المساعدة الإنسانية. حثت حماس الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على إدانة هذا الفعل ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ضد الإنسانية. وفي الوقت نفسه، دعت كذلك المتضامنين من مختلف الجنسيات إلى رفع الصوت عالياً في مواجهة هذا الاعتداء، ليؤكدوا أن غزة ليست وحيدة وأن الحق الإنساني يتصدر أي اعتبارات أخرى.

 

الحرب مع العدو؛ معركة حقوق إنسانية

 

يُعدّ حدث اعتقال ناشطي السفينة «مادلين» رسالة تضامن غربية ذات دلالات سياسية وإنسانية واسعة. مما يؤكد أن الصراع في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية بل هو معركة حقوق إنسانية وموقف عالمي حول العدالة والمساواة. في حديثه لصحيفتنا، أكد الإعلامي والكاتب الفلسطيني حمزة البشتاوي أن الرسالة الأساسية التي حملتها السفينة هو تأكيد ضرورة فتح ممرات إنسانية وفك الحصار الظالم عن غزة، ودعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات جادة لوقف ما وصفه بـ«حرب التجويع» التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني. ويرى الكاتب البشتاوي أن ما يجعل من «مادلين» رمزاً هاماً هو وجود ناشطين من أوروبا ودول الغرب الذين يؤكدون أن التضامن الإنساني لا يعترف بالحدود الجغرافية أو السياسية، وأنها دعوة لإعادة وعي العالم بمخاطر الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو ضد  قطاع غزة.

 

حراك السفينة رسالة تضامن غربية إنسانية

 

انطلاقًا من الرسالة الأساسية، تنطلق سفينة «مادلين» برأي الإعلامي البشتاوي في رحلتها نحو قطاع غزة كرمزٍ للتحدي والمقاومة، بينما تتصاعد المواقف الشعبية في أوروبا التي تنادي بتغيير مواقف الدول والحكومات الداعمة للكيان الصهيوني. يدعو الناشطون من مختلف دول الغرب إلى فرض ضغوط دولية على الاحتلال لوقف العدوان الذي بات يشكل خطرًا عالميًا بجرائمه ضد الإنسانية. تُعدّ السفينة «مادلين» جزءًا من حراك دولي متضامن مع الشعب الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة، إذ تحمل أبعادًا إنسانية وسياسية عميقة في ظل غياب الصدى العربي الكافي. وهكذا تتحول «مادلين» إلى رسالة تضامن غربية جريئة، تُطالب بضرورة تحرك ضمير العالم وإيقاف الإبادة والمعاناة التي يتكبدها الفلسطينيون.

 

جبهة إسناد إنسانية عالمية

 

يرى الإعلامي البشتاوي أن وجود ناشطين سياسيين وفنانين وبرلمانيين وناشطي المجال الحقوقي والإنساني من أوروبا في سفينة «مادلين» يؤكد بأن الاحتجاج العالمي دعماً لغزة بدأ يتسع وأن غزة ليست وحدها، وهم بذلك يشكلون جبهة إسناد إنسانية دعماً لغزة، وهذا يؤشر إلى وجود حراك حقيقي سوف يؤثر على مواقف الحكومات الداعمة لحرب الإبادة وسوف يؤثر أيضاً على الكيان الصهيوني عبر تسليط الضوء أكثر على جرائم هذا الكيان ضد الأرض والإنسان والمقدسات.

 

فلسطين قضية عادلة لأحرار العالم

 

يؤكد الإعلامي البشتاوي بأن فلسطين التي أصبحت اليوم قضية عادلة حاضرة في أوروبا تحمل كل قيم العدالة والنضال ضد الظلم والقتل والإرهاب وهذا يظهر بشكل جلي وواضح أكثر من أي وقت مضى في حراك الرأي العام العالمي وبهذا المعنى أضحت سفينة «مادلين» رمزاً  من رموز التحول في الرأي العام العالمي لدعم الشعب الفلسطيني وتؤكد على تصاعد تحركات الشعوب الأجنبية وخاصةً الأوروبية دعماً للقضية الفلسطينية والتأكيد بأن الحدود الجغرافية لا تمنع التواصل الإنساني ضد الإبادة الجماعية التي أصبحت شعوب العالم أكثر وعياً لمخاطرها وأهوالها الكارثية.

 

وبرأيه أن رسالة سفينة «مادلين» وغيرها من التحركات الشعبية سوف تصل إلى قلوب الملايين في العالم ويبقى للشعوب القريبة أن تتحرك من منطلق الشجاعة الإنسانية كما تفعل الشعوب الأوروبية وغيرها من الشعوب على عكس حكوماتها الخاضعة للمصالح الاقتصادية لكن الشعوب تبدع في التضامن عبر حملات كثيرة تضم ناشطين من مختلف أنحاء العالم دعماً لعدالة القضية الفلسطينية، يتابع  الفلسطينيون اليوم كل هذا الحراك الدولي خاصةً الأوروبي المتضامن مع قضيتهم ويرون في حركة السفينة إشارة إلى وجود تحرك جدي وحقيقي من أجل وقف الإبادة وإدانة العدوان ونصرة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم هذا الاحتلال والعدوان بإرادة وصمود ملحمي وأسطوري سوف يستمر وهو يدعو العالم ويطلق «نداء هل من ناصر ينصرنا» في مواجهة قوى العدوان والباطل الصهيونية، والنداء مستمر ونرى هذه التلبية الأوروبية والعالمية التي تتسع ونتوقع أن تتسع أكثر فأكثر في القادم من الأيام.

 

في نهاية المطاف، يُعد اعتقال ناشطي سفينة «مادلين» جزءاً من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، مما يُظهر أن الصراع في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية تقليدية بل هو معركة حقوق إنسانية ومسعى عالمي لتحقيق العدالة والمساواة. وبينما يستمر الصراع على الأرض، تبقى السفينة «مادلين» رمزاً من رموز المقاومة والصمود، ودعوة مفتوحة للمجتمع الدولي لرفع الصوت وتقديم الدعم اللازم لإنهاء حصار القضاء على كرامة الإنسان الفلسطيني. وفي ظل هذه التطورات، يظل السؤال المطروح: هل سيتمكن العالم من تحويل هذه النداءات إلى أفعال ملموسة توقف الإبادة وتعيد حقوق الفلسطينيين إلى نصابها؟

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص