الكوارث الطبيعية من الأمور المباغتة التي تؤثر على حياة البشر، وخلال دقائق تدمّر كل شيء وتحوّل الحياة الهادئة الى جحيم!
يمكن أن تؤثر الكوارث الطبيعية على حياة عشرات الآلاف من الناس في غضون دقائق، فهي قادرة على أن تتسبب بإصابة المئات أو حتى الآلاف من الأشخاص، بالإضافة إلى تدمير المنازل وسبل العيش.
يعتبر الزلزال في سورية وتركيا أزمة كارثية سببت للكثيرين انعكاسات مأساوية، وسلبت منهم الأمن والأمان وهددت بقاءهم وجردتهم من مهاراتهم أو مصادرهم المعرفية.
للكوارث الطبيعية ومنها الزلازل آثار مختلفة، فهنا لا نريد أن نذكر جميعها، بل نتطرق إلى الجانب الفني أي بعبارة أخرى نبحث عن دور الفن والفنانين في دعم ضحايا الزلزال وما يترك من آثار في هذا المجال.
دمّر زلزال سوريا وتركيا الكثير من الأبنية والبيوت وحتى الآثار والمعالم التراثية في البلدين، ولكن ماذا ترك الزلزال من تأثير في روحية السوريين والأتراك؟ هذا سؤال قد يستطيع الجميع الإجابة عليه، فعندما نتصوّر أننا نعيش بحياة يومية وعادية، وفجأة يضربنا زلزال و يهدّم كل شيء، فكيف بنا؟ هذا كلّه في جانب والجانب المـُر الذي يصعب جداً تحمله، هو فقد الأعزاء..
ففي هذه الأجواء الشيء الوحيد الذي يساعد على تحمل الكارثة، هو مساعدة المتضررين، أو كما يقول الشاعر الإيراني الكبير السعدي الشيرازي: “جميع أبناء البشر أعضاء بعضهم البعض/ عندما يصاب أحد الأعضاء، لم تهدأ الأعضاء الأخرى”، في الحقيقة مساعدة الآخرين هو كمرهم للجرح الذي يحدث جراء الكارثة، وفي هذا السبيل يستطيع كل شخص تقديم ما يستطيع من المساعدة، ومنهم الفنانون والمنشدون وغيرهم، ولكن كيف كانت ردّات فعل الفنانين في الزلزال الأخير؟ نذكر هنا بعضها كأنموذج لكي نسلّط الضوء على دور الفن والفنانين حتى في الكوارث الطبيعية، حيث حرّك شعور الفنانين، ووحّدهم لمساعدة ضحايا الزلزال، حيث طالت المأساة العالم حيث يوجد الضمير الانساني، والفنانون أكثر المتحسّسين لآلام الانسان.
الشعراء والأدباء
منذ اللحظات الأولى الذي ضرب الزلزال شهدنا تضامن وتبرّعات ومساعدات كثيرة، وحتى إصدار بيانات من قبل الشعراء والأدباء والفنانين حتى نجوم السينما لإغاثة متضرري الزلزال خاصة في سوريا، وكان ذلك استجابة للدعوة التي أطلقها “اتحاد الكتاب العرب” في سوريا، وقّع مئات الكتاب والأدباء والشعراء والمثقفين والصحافيين العرب على بيان يدعو إلى إغاثة المتضررين من الزلزال الذي ضرب سوريا.
الشاعر السوري محمد فؤاد الرفاعي كتب تعليقاً على صورة الطفلة التي تحتضن رأس أخيها الصغير وهما تحت الركام: “منذ رأيت هذه الطفلة وأنا أُحِسُّ بأنَّ ثمّةَ غرفة تعذيبٍ في رأسي، وأن آلامي قطيعٌ من الأبقار الدَّاشرة في الحلق، وأن صراخي بلا أقدام.. يا إلهي ما أقساكِ يا حبيبتي”.
أما الأديبة السورية أنيسة عبود فتُعاتِب البحر الذي يلعب الغمّيضة مع الزلزال، وتتألم على مدينتها جبالا (الاسم القديم لجبلة) وما أصابها من جرَّاء الغول الذي ينهش ضحكاتنا وسلامنا وحياتنا، وبلغة مناجاة غاية في الجمال تُوثِّق أوجاعها على البلد وأطفاله.
تعاطف التشكيليين مع الضحايا
أبدى العديد من الفنانين السوريين ومنذ اللحظات الأولى من كارثة الزلزال الأخير، تعاطفهم مع الضحايا في كل من تركيا وسوريا، سيما الفنانين التشكيليين منهم، الذي رصد ريع أعمالهم الفنية للمتضررين، وذلك عبر معرفتهم الشخصية في منصّات التواصل الاجتماعي أو من خلال مشاركتهم في معارض “خيرية” أقيمت بالتزامن مع الحدث.
يقول أحد الفنانين السوريين: إن الإنسانية ليست دين إنما رتبة يصل لها بعض البشر، أو يقول الآخر: في اللحظة الأولى حينما زلزلت الأرض في وطني كنت مستيقظاً ولم أنم بعد، فقد اهتزت روحي مع تلك الزلزلة وخاصة بعد أن جاءت الأخبار تباعاً عن سقوط منازل ووجود ضحايا.
الفن من أجل سوريا
من جهة أخرى، بمشاركة 58 فناناً سورياً من خلال 74 عملاً، أقامت صالة زوايا، تحت رعاية وزارة الثقافة السورية، حملة فنية بعنوان “الفن من أجل سوريا” تضامناً مع المتضررين من الزلزال.
وخصصت الحملة مساحة لهواة الفن التشكيلي، على أن يكون ريع هذه الحملة مخصصاً لصالح دعم المتضررين من الزلزال.
فنان فلسطيني يرسم لوحة على رمال شاطئ غزة
من جهة أخرى خط الفنان محمد طوطح اسمي تركيا وسوريا على شاطئ بحر غزة؛ تضامناً معهما، ولوحة تضمنت مجسمات لعلمي تركيا وسوريا، توسطتهما قبضة يد مرسوم عليها علم فلسطين.
ويقول الرسام طوطح، الذي بترت ساقه خلال إصابته بالحرب الصهيونية على القطاع عام 2009: “أجسد اليوم ما حلّ بالشعبين التركي والسوري الشقيقين من مأساة عبر لوحة فنية تضامنية”.
ويضيف طوطح: “نحن كشعب فلسطيني ذقنا الألم والوجع ونشعر بما حلّ بأهلنا في سوريا وتركيا من مصيبة”.
ويتابع: “لوحتي تعبر عن كل فلسطيني محب للإنسانية ومتضامن مع أهلنا في تركيا وسوريا”.
فنانون يتضامنون باللوحة والكلمة
من جهة أخرى تفاعل تشكيليون من سوريا ولبنان والعراق مع زلزالي سوريا وتركيا فنياً، فمنهم الفنانة السوريّة ميسون علم الدين (1967) في عمق الجراح. تتحسس مأساة أبناء بلدها وهي على تماسٍ بها، رغم أن جرح المنطقة واحد في سوريا ولبنان والعراق. عبّرت عن المأساة بثلاثة رسومات.
علم الدين فنانة سورية من السويداء، وعضو “اتحاد الفنانين التشكيليين” في سوريا، مارست الفن التشكيلي بالخبرة، ومواكبة التطورات الفنية، ولها 16 معرضاً.
ومن جهة أخرى “علي شمس الدين” فنان لبناني متحسّس لقضايا بلده والمنطقة، ولم يمضِ وقت طويل عن التعبير عن ذاته بمعرض فني منذ فترة قصيرة في بيروت، صوّر المأساة بلوحة من أعماله المعبّرة.
وكذلك الفنانة هيبت البلعة بوّاب فنانة لبنانية، عايشت مختلف ظروف البلد، وتجلياتها الاقليمية، فكانت من أعمالها لوحة كأنها استشعرت بها مأساة الزلزال، فرسمت رعبه.
كما أن الفنانة السورية هنادي يوسفان تعيش في قلب الحدث، في مدينة حماة التي طالها الزلزال بأضرار بليغة. ساهمت يوسفان بلوحات تجريدية من أعمالها منها بالأسود والأبيض، وواحدة ملوّنة عنونتها: “بيوت حزينة ومدمّرة”.
ومصطفى عبيد، فنان لبناني، واستاذ جامعي للفنون لسنوات طويلة. لم يتمالك نفسه أمام هول المشهد، وتباطؤ عمليات الانقاذ، فوجّه “نداء استغاثة” علاوة على تخصيص المناسبة بعمل فني تجريدي تعبيري، وصفه بأنه “تأليف حلزوني حيث نرى الرموز الانسانية في حالة تضرع واستغاثة، وفي الوقت ذاته بمتاهة وانعتاق نحو الذات، والذي يؤدي إلى الهلاك من جراء التباطؤ في أعمال الاغاثة”.
ومحمود العبيدي (1966) فنان عراقي عايش مآسي المنطقة، من العراق إلى سوريا ولبنان، ولم يكن ينقصه إلّا زلزال ليعبّر عنه بضربات قلم باللون الأسود، وكأنه يعلن الحداد لهول المأساة، وواحدة تتبعثر فيها أشلاء الناس، كأنها بغداد في العدوان عليها أو الزلزال الذي جاورها.
حملة تبرعات عبر شبكات التواصل الإجتماعي
من جهة أخرى بادر فنانون سوريون إلى مساعدة مواطني بلدهم المنكوبين، فيما سخّر فنانون مصريون حساباتهم على مواقع التواصل لجمع التبرعات لمتضرري الزلزال في سوريا وتركيا.
أما نقابة الفنانين السوريين فأرسلت وفداً تفقد أحد مراكز إيواء منكوبي الزلزال في حماه، في حين أكد النقيب محسن غازي إطلاق النقابة حملة تبرعات لمساعدة المتضررين في المحافظات السورية.
بعد تكشّف حجم الكارثة التي سبّبها الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا الذي راح ضحيته آلاف القتلى والجرحى، هبّ النجوم السوريون لمساندة أبناء بلدهم، ولكن كل واحد على طريقته الخاصة. فقد إنقسم النجوم بين ناشطين على صفحات السوشال ميديا مشجّعين الناس على التبرّع على أنواعه، وبين من نزل على الأرض وقدّم المساعدات بنفسه.
الموسيقى حقل للسلم والتآزر
من جهة أخرى لم يترك الموسيقيين الساحة، ويقومون بإقامة حفلات موسيقية، فمنها ما جرى بمسرح الأوبرا في تونس، حيث احتضن مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة في العاصمة التونسية، عرضاً موسيقياً قدمته أكاديمية الأوركسترا السيمفوني التونسي وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية دعماً لضحايا الزلزال المدمر الذي هز سوريا وتركيا.
وكذلك هناك منظمات وجمعيات تونسية عبرت عن تضامنها مع الشعبين السوري والتركي وطالبت بفك الحصار عن سوريا وعلى رأسها “الاتحاد العام التونسي للشغل”، مطالبة بفتح قنوات الاتصال ومدّ يد المساعدة للبلدان المتضررة في هذه الكارثة الطبيعية.
ولعل الثقافة التي تعتبر قاطرة التضامن لم تشذ عن هذا التماشي الانساني. فقد كان للتونسيين موعد مع هذا الحدث، إذ ستقام تظاهرات فنية لاحقة.
أنشودة لأرواح ضحايا الزلزال
من جهة أخرى أطلق “ناصيف زيتون” أول أنشودة موجهة لأرواح ضحايا الزلزال بعنوان: دنية من السواد، كلمات وألحان إيفان نسوح، تحاكي معاناة من ماتوا تحت الردم، وستكون عائدات العمل لعائلات الضحايا وفرق الإغاثة.
وناصيف زيتون كان واحداً من الفنانين الأوائل الذين بادروا إلى إعلان دعمهم لكل الذين تضرروا من الزلزال الكبير والمدمر، وها هو يسبق زملاءه إلى طرح أغنية قدمها لأرواح الضحايا متضامناً مع عائلاتهم وذويهم.