عيد الغدير ونهضة المرأة: من نور الولاية تنبثق الكرامة

ان النهوض بواقع المرأة هو جزء من تحقيق العدالة الشاملة التي بُني عليها مشروع الولاية. فالمرأة حين تتمتع بالكرامة، وتُصان حقوقها، وتُمنح فرص النمو والتأثير، فإنها تساهم في صناعة مجتمع أكثر توازنًا وعدلًا، وتصبح شريكة في تحقيق المقاصد العليا التي جاء بها الإسلام...

ان النهوض بواقع المرأة هو جزء من تحقيق العدالة الشاملة التي بُني عليها مشروع الولاية. فالمرأة حين تتمتع بالكرامة، وتُصان حقوقها، وتُمنح فرص النمو والتأثير، فإنها تساهم في صناعة مجتمع أكثر توازنًا وعدلًا، وتصبح شريكة في تحقيق المقاصد العليا التي جاء بها الإسلام…

 

في تاريخ الأمم لحظات مفصلية تشعّ منها القيم الكبرى، وتتحوّل إلى منارات هادية عبر الزمن. ومن بين هذه اللحظات، يسطع عيد الغدير بوصفه محطة تجديد للعهد مع القيم الإلهية التي تتجاوز الزمان والمكان. لكنه لا يقتصر على كونه مناسبة دينية فحسب، بل يحمل في جوهره رسالة كونية عن العدل، القيادة الراشدة، والكرامة الإنسانية. وإذا تأملنا هذه القيم من زاوية واقعنا المعاصر، وتحديدًا من منظور دعم المرأة، سنكتشف أن عيد الغدير لا يزال يلقي بظلاله النورانية على إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا في مجتمعاتنا: كرامة المرأة وموقعها في مشروع النهوض الإنساني.

 

الغدير: لحظة إعلان الولاية ومفهوم القيادة الرحيمة

في الثامن عشر من ذي الحجة، وقف النبي محمد (ص) في أرض غدير خم، بعد أن أتم حجة الوداع، ليعلن أمام عشرات الآلاف من المسلمين أن “من كنت مولاه، فهذا علي مولاه”. لم يكن هذا الإعلان مجرد تعيين لشخص، بل كان ترسيخًا لمفهوم جديد للقيادة، يرتكز على العلم، العدالة، والرحمة. إن اختيار علي بن أبي طالب، المعروف بشجاعته وزهده وعدله، يحمل دلالة عميقة: أن الولاية الحقة هي التي تحفظ كرامة الإنسان، وتدافع عن المستضعفين، وتمنح كل ذي حق حقه، دون تمييز أو إقصاء.

 

في هذا السياق، يمكن أن ننظر إلى عيد الغدير على أنه إعلان مبادئ: القيادة ليست امتيازًا، بل تكليف ومسؤولية. وهذه المبادئ، حين تُسقَى من نور الولاية، تصبح أساسًا صالحًا لبناء مجتمع لا يُقصي المرأة، بل يحتضنها شريكةً كاملة في صياغة المصير الإنساني.

 

المرأة في فكر علي (عليه السلام): حضور فاعل وكرامة مصونة

لا يحتاج الباحث في سيرة الإمام علي (عليه السلام) إلى عناء كبير كي يكتشف موقفه العادل والمنصف من المرأة. فقد خاطبها دائمًا بصفتها إنسانًا كامل الأهلية، يستحق الاحترام والرعاية، لا بوصفها تابعًا أو عبئًا. ويكفي أن نعود إلى وصاياه حين قال: “الله الله في النساء، فإنهن عوان عندكم…”، لنفهم مدى مسؤوليته الأخلاقية تجاه صيانة كرامتهن. كما كان في قضائه يحكم للمرأة بالعدل، ويقف في وجه الظلم الواقع عليها، سواء أكان من المجتمع أم من السلطات.

 

والمتأمل في مواقف الإمام علي السياسية والإدارية، يجد أنه لم يختزل أدوار النساء في نطاق البيت فقط، بل دعا إلى مشاركتهن الفاعلة حين تتوفر لهن الكفاءة والإرادة. فالمرأة في فكره ليست ظلًا للرجل، بل كيانًا حرًّا قادرًا على التفكير، العطاء، والقيادة في مواقعها الطبيعية.

 

من نور الولاية إلى نهضة المرأة

في زمننا الحالي، كثيرًا ما تُطرح قضية دعم المرأة وتمكينها من زاوية الحداثة أو تقليد النماذج الغربية، مما يثير ردود فعل ثقافية متباينة. لكننا نغفل أحيانًا أن جذور التمكين الحقيقي موجودة في تراثنا ذاته، إذا ما أعدنا قراءته بعيون منصفة. فالتمكين لا يعني الانفلات، بل هو الاعتراف بحق المرأة في التعليم، والعمل، وصناعة القرار، ضمن إطار القيم الروحية والاجتماعية التي تحترم خصوصية المجتمع وتنوع أدواره.

 

إن استلهام عيد الغدير في هذا السياق، يعني أن النهوض بواقع المرأة هو جزء من تحقيق العدالة الشاملة التي بُني عليها مشروع الولاية. فالمرأة حين تتمتع بالكرامة، وتُصان حقوقها، وتُمنح فرص النمو والتأثير، فإنها تساهم في صناعة مجتمع أكثر توازنًا وعدلًا، وتصبح شريكة في تحقيق المقاصد العليا التي جاء بها الإسلام.

 

من الغدير تبدأ الرحلة نحو كرامة الإنسان

في عالم تتنازعه التحديات، وتُهمَّش فيه بعض الفئات باسم العادات أو الجهل، يبرز عيد الغدير كفرصة لتجديد عهدنا مع مبادئ القيادة الرحيمة والعدالة المتوازنة. نهضة المرأة ليس ترفًا اجتماعيًا، بل هو الترجمة العملية لقيم الغدير، حيث لا كرامة تُنتزع، ولا طاقات تُهمّش. من نور الولاية تنبثق كرامة الإنسان، رجلًا وامرأة، وتُبنى حضارة ترتكز على المساواة، الرحمة، والعدالة.

 

فلنقرأ الغدير من جديد، لا كمجرد حادثة تاريخية، بل كفكرة حية تُلهِم أجيالًا تتوق للكرامة، وترتجي النور.

 

المصدر: شبكة النبأ