الباحث السياسي الدكتور أكرم شمص للوفاق:

إيران والعدو الصهيوني.. ما بعد الهجوم، معادلات جديدة

خاص الوفاق: إيران على العهد، لا تتراجع، وتبني مظلة ردع استراتيجية تحمي كل جبهات المقاومة من غزة إلى لبنان واليمن والعراق

سهامه مجلسي

 

في لحظةٍ ظنّ فيها العدو الصهيوني أنه يُحكم الطوق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فجّر الإيرانيون معادلة الردع من أساسها. لم يكن الهجوم الأخير على طهران مجرّد عدوان عسكري، ظنّ المخططون أنهم سيفككون بها البنية الصلبة للدولة الإيرانية؛ لكن الردّ لم يأتِ على شكل صرخة غضب، بل كبركان مدروس، خطّط بصبر، ونفّذ بحكمة، ورسّخ معادلات جديدة عنوانها: مَنْ يضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيتلقى الألم في العمق، وتحت الأرض، وفوق الأرض، وبلا سقف زمني أو مكاني للردّ.”

 

في هذه المقابلة الخاصة مع الباحث السياسي الدكتور أكرم شمص، نفكك أسرار ما جرى، ونسبر مآلات ما هو قادم… من تفكيك الخطة الصهيونية إلى تموضع الردّ الإيراني، من الخدعة إلى الحقيقة، ومن الميدان إلى العقيدة، نكشف كيف أعادت طهران هندسة الشرق… وكيف بات الكيان المؤقت على موعدٍ مع مرحلة لا تشبه ما قبلها، وفيما يلي نص الحوار:

 

هل يمكن القول إنّ العدو الصهيوني أخطأ في تشخيص بنية القيادة الإيرانية حين ظنّ أن استهداف الأفراد سيُسقط المؤسسة، في حين أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أثبتت أنها بُنيت على نظام لا يُهزّ باغتيال أو ضربة محدودة؟

 

جاء الهجوم الصهيوني بعد سلسلة اغتيالات استهدفت قيادات بارزة في محاولة يائسة لضرب العمود الفقري للقيادة الإيرانية، غير أن الجمهورية الإسلامية أثبتت صلابة مؤسسية فريدة، حيث لم تُفقدها الضربة توازنها، بل سرّعت عملية تدوير النخبة وعززت التماسك الداخلي. فطهران لا تقوم على الأفراد، بل على منظومة متكاملة من المؤسسات الراسخة القادرة على امتصاص الصدمات. كما أن استهداف العلماء فشل في وقف التقدم النووي، إذ أصبح البرنامج الإيراني مؤسسيًا، منتشرًا في الجامعات والمراكز البحثية، ما يجعله عصيًا على الإيقاف بعمليات اغتيال أو هجمات محدودة..

 

كيف غيّر الردّ الإيراني الأخير – سياسيًا وعسكريًا – قواعد الاشتباك التقليدية، وهل باتت الجمهورية الإسلامية في موقع مَنْ يعيد هندسة الردع بدل الاكتفاء بالردع؟

 

الردّ الإيراني لم يكن انفعالًا لحظيًا، بل خيارًا استراتيجيًا يستند إلى عقيدة تقوم على العقاب المؤلم وتغيير المعادلات، كما أكّد الإمام الخامنئي حين توعّد العدو الصهيوني بمصير مرير وحتمي. وقد تجلّى هذا التوجه من خلال تكامل الخطاب السياسي–العقائدي مع الفعل العسكري–الرمزي، حيث مثّل بيان حرس الثورة الإسلامية تجسيدًا ميدانيًا لرؤية القيادة، عبر عملية دقيقة بعنوان “الوعد الصادق 3”. هذا الردّ، الذي استهدف العمق الحيوي للكيان المحتل، من تل أبيب إلى القدس، عرّى هشاشة منظومته الدفاعية وكشف ثغرات استخباراتية خطيرة، لاسيما مع استخدام صواريخ فرط صوتية قد تكون تجاوزت قدرات الردع التقليدية. وبذلك تكون إيران قد دشّنت مرحلة جديدة من الاشتباك المدروس، وأعادت رسم توازن الردع في المنطقة بقبضة واثقة ومبادرة محسوبة.

 

هل بات الردّ الإيراني موجّهًا فقط ضدّ عدوان عسكري، بل ضدّ عقلية صهيونية–أميركية متكاملة، ومعها انتهت أوهام التسويات لصالح منطق القوة؟

 

تشير المعطيات إلى أن العدوان الأخير على إيران لم يكن قرارًا فرديًا، بل نتاج إجماع سياسي وأمني داخل الكيان الصهيوني، ما يجعل الرد الإيراني موجّهًا إلى منظومة عدوانية متكاملة لا إلى شخص بعينه. وقد رافق التحضير للعملية خداع سياسي مركّب، أبرز مظاهره تظاهر رئيس حكومة العدو بالتحضير لحفل زفاف نجله، بينما كان يدير غرفة العمليات، وتمّ تمرير قرار الضربة في اجتماع سري وُصف بأنه لبحث ملف الأسرى، في إطار خطة سُميت “حارس 2”. من جهتها، لعبت واشنطن دورًا مزدوجًا في التمويه، إذ تمّ الترويج لزيارات لمسؤولين صهاينة إلى واشنطن، بينما بقوا في تل أبيب، وتكفّل الإعلام الأميركي بتضخيم خلافات وهمية حول التصعيد مع إيران، مما سعى إلى تخدير ردّ الفعل الإيراني. إلا أن الحسابات فشلت، إذ فاجأت طهران الجميع بصلابة موقفها ونجاحها في استثمار الانقسامات داخل الإدارة الأميركية، لتنتقل من موقع التفاوض التقليدي إلى موقع “المواجهة المفتوحة”، كما تجلّى بوضوح في عمليات “الوعد الصادق 3” التي دشّنت مرحلة جديدة في قواعد الاشتباك.

 

هل ظنّ العدو الصهيوني أن ضربة مركبة ستكسر إيران، فإذا بها تُعطي طهران الذريعة، وتُطلق يدها لتقود صراعًا استراتيجيًا يطال العمق ويعيد هندسة الردع على مستوى المنطقة؟

 

رغم ما سوّقه العدو الصهيوني من مزاعم حول إنجازات استخباراتية وعسكرية في عمليته ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن نتائجها جاءت عكسية تمامًا، إذ منحت إيران مبررًا شرعيًا للرد، وعززت التماسك الشعبي الداخلي، ومهّدت لتوحيد جبهات محور المقاومة في مشهد تعبوي غير مسبوق. وفي ظلّ حالة هلع داخلية في الكيان تُرجمَت بفتح الملاجئ واستدعاء الاحتياط وتعزيز الجبهات، يدرك العدو أن الردّ الإيراني لن يكون محدودًا أو انفعاليًا، بل استراتيجيًا، متعدد الجبهات، وقد ينطلق من ساحات مختلفة، أو من عمقٍ لا يُتوقّع كالداخل الفلسطيني. لقد فتحت هذه العملية بابًا لا يُغلق، وأدخلت المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع عنوانها “الحرب من الداخل”، ما يجعلها خطأ استراتيجيًا فادحًا سيُعيد صياغة توازنات الردع الإقليمي لعقود قادمة.

 

ما الرسالة التي توجهها إيران لمحور المقاومة؟

 

الرسالة واضحة: إيران على العهد، لا تتراجع، وتبني مظلة ردع استراتيجية تحمي كل جبهات المقاومة من غزة إلى لبنان واليمن والعراق. الجمهورية الإسلامية الإيرانية أثبتت أنها رقم صعب في معادلة الشرق الأوسط، وتتصرف كدولة مستقلة، لا تأتمر بالإملاءات الغربية، بل تفرض شروطها من موقع قوة. دعمها العلني للمقاومة في فلسطين ولبنان، وقدرتها على الردع الاستراتيجي، يجعلها اليوم رأس الحربة في محور الممانعة.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص