مدير المركز الدولي للكارتون والكاريكاتير في إيران للوفاق:

هولو سايد.. حين يعزف الفن سمفونية المقاومة على وتر الحقيقة

خاص الوفاق: شجاعي: الفن، خاصّة الكاريكاتير والملصق، يُخاطب الوجدان الإنساني بلغةٍ بصرية واضحة، إنه لغةٌ عالمية، يفهمها الجميع، ويستطيع أن يفضح الحقيقة خلال لحظة واحدة.

موناسادات خواسته

 

أُسدل الستار في طهران على فعاليات النسخة الثالثة من الحدث الدولي “هولوسايد” مساء الخميس 12 يونيو، حدثٌ فني ثقافي تحوّل إلى منبر عالمي للمقاومة البصرية، في وجه الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الكيان الصهيوني، لا سيّما في قطاع غزة.

 

تنوّعت مشاركات هذه الدورة ضمن ثلاثة محاور رئيسية: الكارتون، الكاريكاتور، والملصق، وجاءت الأعمال محمّلة بشهادات حية على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، في ظل تعتيم إعلامي عالمي مقصود.

 

تم عرض الأعمال المختارة لهذا الحدث الثقافي الدولي في معرض “بيت المصوّرين” التابع لـ “حوزة هنري”، وذلك بحضور شخصيات ثقافية وفنية بارزة من داخل إيران وخارجها.

 

ويواصل المعرض نشاطاته حتى الأربعاء 18 يونيو، وجمع  المعرض فنانين من دول مختلفة، حول محورٍ واضحٍ وجاد: “الوقوف في وجه جرائم الكيان الصهيوني وتعرية وجهه الحقيقي أمام الرأي العام العالمي”. وقد شهد المعرض عرضاً لأعمال فنية مختارة من مختلف دول العالم، عبّرت عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وندّدت بالإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون في غزة، من خلال لغة الفن البصري والكاريكاتور والملصق.

 

امتزجت في هذه التظاهرة الفنية الجداريات، الملصقات، الرسوم الكاريكاتورية، والأعمال التركيبية، لتقدم صوتاً بصرياً صادقاً، يتحدى الروايات الغربية المهيمنة ويُضيء على الإبادة المستمرة التي يتعرض لها الفلسطينيون، لا سيما في ظل العدوان الحالي على غزة.

 

“الهولوكوست الحقيقي”… في غزة

 

عبر تسميته المقصودة، “هولو سايد”، يسعى المعرض إلى قلب المفهوم الأحادي لـ “الهولوكوست”، مذكراً بأن القتل الممنهج والانتهاكات الجماعية بحق الأبرياء لا تقتصر على ذاكرة أوروبا، بل تحدث اليوم على مرأى ومسمع من العالم، دون محاسبة ولا ضمير.

 

وقد شكّل حضور عدد من الفنانين من لبنان، إضافة إلى مشاركات من أمريكا اللاتينية، تجلياً لوحدة الصوت العالمي المناهض للصهيونية. هذا التعدد الثقافي لم يعكس تنوّع الرؤى فقط، بل أكد على أن القضية الفلسطينية لم تعُد محصورة جغرافيا، بل أصبحت رمزاً عالمياً للحقّ والمظلومية.

 

طهران… منصّة للوعي

 

يُحسب لإيران تنظيم مثل هذه الفعاليات في هذا التوقيت الحساس، حيث تُحاصر الأصوات الحرة وتُخنق الروايات البديلة، وقد وجه القائمون على “هولو سايد” دعوة مفتوحة للفنانين الأحرار حول العالم للمشاركة في النسخة القادمة، مؤكدين أن الفن ما عاد ترفاً… بل صار فرضَ عين في مواجهة الاحتلال.

 

وقد أُلقيت كلمات أكدت على أن الفن المقاوم ليس نقيضاً للجمال، بل امتدادٌ له حين يكون الجمالُ شاهِداً للحق.

 

في هذه الأجواء بين الملصقات، والرسوم الكاريكاتورية، والكارتون، ارتفعت أصواتٌ بصرية حملت مأساة غزة إلى ضمير العالم، فبهذه المناسبة أجرينا حواراً مع مدير المركز الدولي للكارتون والكاريكاتير في إيران، وأمين عام فعالية “هولوسايد” سيد مسعود شجاعي طباطبائي، حول أبعاد هذا المشروع الثقافي المقاوم، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

“هولوسايد”

 

بدايةً، حدّثنا الأستاذ سيد مسعود شجاعي طباطبائي عن فعالية “هولوسايد” وسبب إختيار هذا الإسم للفعالية، قائلاً: هذه هي النسخة الثالثة من هذه الفعالية. أقمنا ثلاث مسابقات دولية، كان تركيزنا فيها على فضح الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني.

 

في النسختين السابقتين، وبعد الإساءات الموجّهة إلى النبي الكريم محمد(ص)، وجدنا أن من يقف وراء هذه الإساءات هو التيار الصهيوني ذاته، الذي يتذرّع بـ”حرية التعبير” عندما تكون الإساءة موجّهة للرموز الإسلامية، لكنه يصادر تلك الحرية ذاتها عندما يُقترب من ملف “الهولوكوست”، وهو ما شرّعوا به لأنفسهم احتلال أرض فلسطين.

 

المجازر التي ارتكبوها هناك لا تقلّ عن أسوأ الجرائم في التاريخ. خذ مثلاً أرييل شارون، الجزّار المسؤول عن مذبحة “صبرا وشاتيلا”. أما اليوم، فالمأساة تتكرّر في غزة، حيث أعلنت اليونيسف أن كل ٢٠ دقيقة يُستشهد فيها طفلٌ إما بسبب القصف أو الجوع، أكثر من ٩٠٪ من البنية التحتية في غزة دُمرت، ومع ذلك لم ينكسر الناس، بل ما زالوا يقاومون.

 

لم نستطع نشر الكثير من هذه الأعمال على منصّات كـ “إنستغرام” و”تويتر” و”فيسبوك” بسبب الرقابة، لذا ابتكرنا مصطلح “هولوسايد”، من دمج “هولوكوست” و”جينوسايد”، لتخطي الرقابة وتحويل التهديد إلى فرصة.

 

موضوع الفعالية هذه السنة كان الإبادة الجماعية، وقد ركّزنا في قسم الكاريكاتور على وجوه مثل نتنياهو وبن غفير وغالانت، الذين أُدرجوا مؤخراً  كمجرمي حرب في محكمة لاهاي، رغم أنّ ١٢٢ دولة أعلنت استعدادها لإعتقالهم، لكن عالم القوة والمال يمنع ذلك.

 

والاستقبال كان رائعاً؛ شارك ٦١ بلداً وأكثر من ٢٥٠٠ عملٍ فني، واخترنا الأفضل منها ليُعرض في طهران. والأعمال المعروضة في هذا المعرض تُعد من أفضل الأعمال المختارة، ونتيجة هذا الحدث الثقافي ستكون كتاباً سننشره قريباً على الموقع الإلكتروني. يحتوي هذا الكتاب على أكثر من ٦٠٠ عمل فني، وقد عرضنا في المعرض ١٦٠ عملاً منها. كما أن الفائزين وأعضاء لجنة التحكيم موجودون في إيران.

 

من بين هذه الأعمال، رسمٌ يُجسّد نتنياهو وهو يعزف “سمفونية الموت” على جثث أطفال غزة. الفنان البرتغالي “أنطونيو سانتوس” هو صاحب هذا العمل، ورغم تهديده بمنع السفر ٥ سنوات، جاء إلى إيران وشارك في الفعالية.

 

لدينا أيضاً الفنان التركي “محمت آرا أوزبك”، أحد أبرز رسّامي تركيا، شارك وفاز بجائزة، هو شهير جداً، حيث أن مسابقةً كاملة أُقيمت مؤخراً في بلاده حول مسيرته.

 

كل هذه المشاركات نابعة من قلوب حرة من مختلف القارات الخمس، وهي شهادة على أن الفن ما زال أداة مقاومة.

 

مخاطبة الضمير الإنساني

 

عندما سألنا الفنان الإيراني عن رأيه حول مدى تأثير مثل هذه الفعاليات في إيقاظ الضمير الإنساني، أجاب: الفن، وخاصّة الكاريكاتير والملصق، يُخاطب الوجدان الإنساني بلغةٍ بصرية واضحة. إنه لغةٌ عالمية، يفهمها الجميع، ويستطيع أن يبيّن الحقيقة خلال لحظة واحدة.

 

هذا المعرض لم يكن لتجميل الجدران، بل لكشف طبيعة هذا الكيان السفّاح. كبار الفنانين العالميين يقفون مع المظلومين، وهم بأنفسهم يساعدون في نشر الأعمال عبر الفضاء الرقمي. ونحن نعمل جاهدين على نشر هذه الأعمال في دول أخرى، بشكل رقمي وفعلي، لنوسّع دائرة التأثير.

 

فضح الكيان الصهيوني

 

شهدنا أخيراً الهجوم العدواني الصهيوني على إيران، وحول مواجهة وحشية الكيان الصهيوني ودور الفنّانين، يقول شجاعي طباطبائي: أولاً، يجب أن نُحدّد من بدأ هذه الحرب. الكيان الصهيوني هو الطرف المبادر بالعدوان. كما قال سماحة قائد الثورة: “هم بدأوا الحرب، لكن نهايتها ليست بأيديهم”.

 

نحن لسنا دعاة حرب، ولا نسعى إلى امتلاك سلاح نووي، وقد حرّمه مرجعنا الديني والولي الفقيه. بينما الدول التي تدّعي حبّ السلام تمتلك ترسانات من الرؤوس النووية… فكيف نثق بخطابهم؟

 

هذه التناقضات تفضحهم، وتُظهر أننا نحن أهلُ الحق، وهم أهلُ الخداع. ترامب مثلاً، بتصريحاته الأخيرة، كشف أن كل ما يجري كان سيناريو مخططاً مسبقاً.

 

هذه الأكاذيب يجب أن نفضحها فنّياً، ونعلم أن ما يجري ليس كما تروّج له وسائل الإعلام المعادية، بل عدوانٌ شامل على شعب إيران، يمكن مقارنته بالحرب المفروضة أيام صدام المقبور، التي خسرها دون أن نخسر شبراً واحداً من أرضنا. والآن يجب أن يدفع هؤلاء الهياينة أيضاً ثمن ما فعلوه، ويجب علينا أن نُؤكد على معنى كوننا إيرانيين، وعلى موقفنا في مواجهة المعتدين.

 

الفنانون الإيرانيون

 

ونشهد إقامة فعالية أخرى على هامش المعرض بحضور فنانين إيرانيين، يرسمون لوحات فنية عن الأحداث الأخيرة، فسألنا الأستاذ شجاعي طباطبائي عن ذلك، فأجاب: هذه مبادرة شعبية بالكامل. الفنانون جاؤوا بقناعتهم، بحبّهم، بروحهم، وهم من أبرز وجوه الفنّ المقاوم، هذا ليس نهاية الطريق بل هو بدايته.نحن لا نخاف الحرب، ولا نتهرّب من الشهادة. بل نعتبرها أشرف الأقدار، ولمن يُشكّك في هذه القناعة، أقول: لو كُتب لي أن لا أموت على سرير، فأحبّ أن أُستشهد في سبيل الحق.

 

فأمثال ترامب ونتنياهو ليسوا إلا صفحات سوداء في تاريخ البشرية، وهذه معركة بين الحق والباطل.. وكما قال سماحة قائد الثورة الاسلامية: “هم بدأوا الحرب، لكن نهايتها ليست بأيديهم“.

 

المصدر: الوفاق/ خاص