فلسطين قطر عربي، يسكنه منذ القديم شعب عربي ، وقد أراد الإنكليز أن يسلبوا هذا الشعب وطنه ويعطوه لليهود. فأبى، وجاهد واستبسل، وثبت أمداً طويلاً، واحتمل من التضحيات الجسام ما لم يتحمله شعب، ولا يزال يجاهد ويحتمل، ويقدم من الفداء أعزه وأعظمه.
تتابعت في فلسطين الثورات منذ احتلها الانكليز عقب الحرب الكبرى. حتى لتكاد تكون حياتها في تاريخها الحديث، في السنين العشرين الأخيرة، عبارةً عن ثورة دائمة تتخللها فترات من الهدوء المؤقت. وكان السبب الأساسي في هذه الثورات كلها هو السياسة الإنكليزية الظالمة، التي ترمي إلى إجلاء الشعب العربي عن بلاد أبائه وأجداده، وإحلال شعب غريب يُجلب من آفاق الأرض محله. السياسة التي تنطوي تحت “وعد بلفور” وتُعرف بسياسة “الوطن القومي اليهودي.
لقد ارتكبت قوات الاحتلال المجازر والفظائع بحق فلسطين وشعبها منذ العام 1920، بدءًا من الانتداب الإنكليزي وما تبعه من وعد بلفور وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي. وفي ظل التعتيم الإعلامي الممنهج التي تتعرض له القضية الفلسطينية لدى بعض الاعلام العربي والخليجي فضلا عن الغربي، فإن الوعي العام للمناصرين لهذه القضية كان الأساس في جعل هذه القضية حية حتى يومنا هذا.
وفي هذا الإطار، كان كتاب “فلسطين الشهيدة… سجل مصور لبعض فظائع الإنكليز واليهود 1921-1938” -الذي لم يُعد طبعه على الرغم من وجود نسخة إلكترونية- واحدًا من أهم هذه الوثائق التي وثّقت المجازر ضد الفلسطينيون.
هذا الكتاب مجهول المؤلف، ويقدم توثيقاً بصرياً ومكتوباً لأشكال وأنواع الانتهاكات التي ارتكبها البريطانيون واليهود في فلسطين في هذه السنوات. وهو يستخدم منهجية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي تستخدمها التقارير الحقوقية هذه الأيام في وقت مبكر من القرن الماضي؛ لم تتبلور فيه بعد ماهية المنظمات الحقوقية المعروفة لدينا اليوم ولا منهاجيتها في التوثيق.
ويعتمد المؤلف في هذا الكتاب على السرد الزمني والذي يستعرض أهم الثورات التي اندلعت في فلسطين في تلك الحقبة، من الثورة الأولى “ثورة القدس”في العام 1920، الثورة الثانية “ثورة يافا” في العام 1921، ثم ثورة البراق في العام 1929، ثورة المظاهرات “يافا والقدس” في العام 1933، وصولًا إلى الثورة الكبرى في العام 1936.
ويُظهر الكتاب الاعتداءات البريطانية التي طالت النساء والأطفال والشيوخ من تنكيل وقتل وحرق بماء الفضة، إضافة إلى تعليق المشانق في الساحات الفلسطينية لبعض الثوار والمقاومين آنذاك، ونسف وتدمير البيوت بالديناميت، واللافت في الكتاب أن المؤلف لجأ إلى اعتماد بعض الشهادات من بريطانيين عاشوا هذه المأساة ودونوها.
الوفاق