والزواوي هو ثاني سفير فلسطيني لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية، إذ شغل قبله هذا المنصب هاني الحسن. وشغل الراحل الزواوي هذا المنصب منذ عام 1981، وكان عضواً مؤسساً لحركة فتح، وسفيراً سابقاً لدى فلسطين في الجزائر والبرازيل وكينيا.
وفي تموز/يوليو 2021، جرى تكريم الزواوي بحضور مسؤولين إيرانيين وناشطين سياسيين ومندوبي حركات المقاومة.
وخلال تكريمه، أكد أنّ “إيران تقود زمام المبادرة نحو تحقيق أهداف كبيرة. لذا، لا ينبغي التخلي عن المسؤولية، رغم محاولة البعض ثني طهران عن مواصلة الطريق”. وأطلق على الزواوي لقب “شيخ السفراء” بسبب بقائه سفيراً لدى إيران فترة طويلة وكان أكبر السفراء عمراً.
وتوفي “عميد السفراء” لدى ايران بسبب تقدمه في السن ومعاناته من المرض.
*من هو صلاح الزواوي؟
ولد في مدينة صفد عام 1937 لأب فلسطيني وأم لبنانية. وإثر نكبة عام 1948، انتقلت عائلته إلى سوريا، وأقامت في مدينة حلب وكان من أوائل من التحقوا بالثورة الفلسطينية.
وتقلد مسؤوليات نضالية متعددة في الثورة، شملت الساحة السورية، وفي الشتات، بالبلاد العربية والأجنبية.
حيث مثّل الزواوي حركة فتح في الجزائر، ثم رشح الى مهام متعددة سياسية ودبلوماسية وعسكرية، وانتقل إلى أميركا اللاتينية، واستقر عام 1975 سفيرا لفلسطين في البرازيل، ثم سفيرا للمنظمة في اليابان، وتركيا، وحالت ظروف دون مباشرة عمله فيهما.
في عام 1977 أصبح سفيرا لفلسطين في كينيا، حتى تم تعيينه في أواخر عام 1980 سفيرا لفلسطين في ايران، حتى عام 2022. وترأس الزواوي وفود فلسطين في عدد من المنظمات الدولية، كما ترأس هذه الوفود في مؤتمرات عربية وافريقية ودولية.
وتولت سلام الزواوي، ابنة الراحل صلاح، منصب سفیر فلسطین لدی طهران العام المنصرم. وكانت قد أدّت في 8 كانون الثاني/يناير الماضي اليمين القانونية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصفة سفيرة لدولة فلسطين لدى إيران.
*مسار دبلوماسي مُتقن
في شباط ١٩٨١، عيّن الرئيس الراحل، ياسر عرفات، صلاح الزواوي ليكون ممثلاً عن «منظمة التحرير الفلسطينية» في طهران، وذلك بعد تخلي هاني الحسن عن المنصب وتوجهه إلى بيروت. وعقب توقيع اتفاقية أوسلو بين «المنظمة» والعدو الصهيوني. رفضت إيران الاعتراف بالسلطة المنبثقة عن الاتفاق، كما رفضت تغيير الزواوي وتعيين سفير جديد.
في حوار سابق أجرته معه صحيفة الاخبار في العام 2017، يستذكر الزواوي افتتاح السفارة، وحضور أبو عمار وهاني الحسن والسيد أحمد الخميني ووزير الخارجية الإيرانية السابق إبراهيم يزدي لرفع العلم الفلسطيني فوق مبنى السفارة التي كانت للصهاينة سابقاً في عهد الشاه المقبور.
يفتخر الزواوي بأن عرفات كان أول مسؤول يزور طهران، مضيفاً: «بعد انتصار ثورة الإمام الخميني (رض)، قال عرفات: اليوم أصبحت جبهتي تمتد من صور إلى خراسان». ويؤكد السفير أن العلاقات الفلسطينية ــ الإيرانية أعمق من كل الخلافات السياسية التي مرت على الطرفين، فحتى مع اعتراف «منظمة التحرير» بإسرائيل، «بقي التواصل بين الثورتين».
*حب الزواوي للإمام الخميني والثورة
وتحدث حينها الزواوي بحب عن الإمام الخميني رضوان الله عليه، مشيراً إلى أنه «الإمام كان يرى بعين قلبه مستقبل فلسطين، وأعلن آخر جمعة من رمضان يوماً عالمياً للقدس… كان يرى ما لا يراه الناس.
وأشاد عميد السفراء لدى طهران حينها بالوجدان العقائدي الإيراني حول فلسطين. مؤكداً أنه أينما ذهبت في إيران تجد شارعاً ونصباً لفلسطين. في أقدس المقامات الإسلامية، أي في مقام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، في مشهد المُقدّسة، هناك صحن كبير اسمه صحن القدس، وفيه مجسّم لقبّة الصخرة.
وعن حبّه الخاص للإمام الخميني رضوان الله عليه: لحسن الحظ فإن الامام الخميني (رض) أدرك جيدا دور ومكانة فلسطين وأعلن يوم القدس لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، ومن هذا المنطلق فإن واجبنا يقتضي أن نواصل سياسة دعم الشعب الفلسطيني حتى تحقيق النصر.
وكان قد اعرب الزواوي عن تقديره وامتنانه للدعم الذي تقدمه الجمهورية الاسلامية الايرانية للشعب الفلسطيني، وقال: يجب أن أعرب عن تقديري وشكري لسياسات الجمهورية الاسلامية الايرانية وخاصة مواقف قائد الثورة الاسلامية تجاه فلسطين.
*رجل المصالحة ورص صفوف المقاومة
ورغم وجود بعض الخلافات الزائلة في يومنا مع حركة فتح لا سيما فيما يخصّ موقف الحركة بشكل عام من الحرب المفروضة من قبل نظام صدام البائد على الجمهورية الاسلامية الايرانية، إلاّ أن الزواوي كان موقفه جلياً من هذا الأمر حيث كان يؤكد على دور ايران في دعم القضية الفلسطينية لا سيما وأنها على رأس أولويات الجمهورية الاسلامية، كما عُرف عن الزواوي بأنه رجل المصالحات، حيث أبدى تفاؤله في عدّة مناسبات لإتفاق المصالحة الذي وقع بين حركتي فتح وحماس، مشيرا الى ان جميع الفصائل الفلسطينية كان لها دور في هذه المصالحة، معربا عن أمله بأن تواصل الدول الاسلامية دعمها حتى تحرير فلسطين.
*مواقف مُشرفة وداعمة لايران
ومن أبرز المواقف المشرفة لشيخ السفراء في ايران صلاح الزواوي، أنه رفض اللقاء الذي جرى كما وصفه بالعرضي بين رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” وأحد قادة زمرة المنافقين الارهابية، حيث أكد الزواوي حينها: لا يمكن اغتيال رجال عظماء مثل الشهيد بهشتي والشهيد مطهري، مُقدّما اعتذاره بشأن ما حصل حينها. وأكد: من الممكن أن يكون الاجتماع عرضيا أو أن رئيسنا لم يحصل على المعلومات اللازمة حول هذه الزمرة الارهابية قبل هذا الاجتماع.
*تهديدات صهيونية بإغتياله
وكان قد تعرّض عميد السفراء (الزواوي) في العام 2014 لتهديدات صهيونية لإغتياله، حيث طالب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو حينها باغتياله وقال: إن السفير الفلسطيني في طهران وصف الكيان الصهيوني بأنه سرطان عدواني يجب القضاء عليه، لكن الأمم المتحدة لم تتعامل مع هذه التصريحات بل فتحت أبوابها أمام هذه التصريحات، وطالب باغتيال السفير الفلسطيني لدى طهران حينها، لا سيما أن ذلك كان سيجري عبر أذرع العدو الصهيوني المتمثّلة بزمرة المنافقين الارهابية المعادية للثورة الاسلامية.
ورد السفير الفلسطيني في طهران على تهديدات رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بالقول: سياسات نتنياهو ومشاريعه خطرة على كل يهود العالم، وأضاف: إن الكيان الإسرائيلي لا يسمح بإقامة دولة فلسطينية وهو جشع ويريد الهيمنة على معظم الدول العربية.
*تعازي ايرانية
عقب إعلان نبأ رحيل عميد السفراء لدى طهران، عزّى وزير الخارجية الايراني حسين أميرعبد اللهيان، يوم أمس، في رسالة بوفاة صلاح الزواوي/ وقال: “إن الراحل الزواوي عمل دائما بجد في طريق النضال من أجل اقرار حقوق الشعب الفلسطيني وسعى لاحياء المبادئ السامية لفلسطين والدفاع عن القدس الشريف”.
وجاء في هذه الرسالة: تلقيت نبأ وفاة السيد صلاح الزواوي سفير فلسطين السابق في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ببالغ الأسى والحزن وأقدم التعازي بوفاة هذا الدبلوماسي المجاهد والثوري لأسرة الفقيد المحترمة، ولا سيما السيدة سلام الزواوي سفيرة فلسطين لدى جمهورية إيران الإسلامية، وكذلك الشعب الفلسطيني المقاومة والمجاهدة، وأسأل الله المغفرة والرحمة الإلهية للراحل.
*كفاح الراحل
وأضاف أمير عبد اللهيان في هذه الرسالة: لقد كافح الراحل الزواوي خلال سنوات الجهاد الطويلة ضد العدو الصهيوني وكذلك عدة عقود من النشاط الدبلوماسي في جمهورية إيران الإسلامية، دائما من أجل اقرار حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، واحياء مبادئ فلسطين السامية والدفاع عن القدس الشريف وآمل أن نشهد في المستقبل القريب ثمار عقود عديدة من الجهاد والنضال لأبناء شعب فلسطين المقاوم ، بمن فيهم المرحوم صلاح الزواوي ، بالتحرير الكامل لهذه الأرض المقدسة من براثن الاحتلال الصهيوني. وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وموحدة وعاصمتها القدس الشريف في كامل أرض فلسطين التاريخية.
كما عزى الدكتور علي اكبر صالحي، نائب رئيس الجمهورية رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية السابق، برحيل الزواوي، وقال: ببالغ الحزن والاسى ننعى سعادة السفير (السابق) صلاح الزواوي، سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية. لقد عاش الفقيد ردحا من الزمن، متصديا عمادة السلك الدبلوماسي في طهران. وكان مثالا للدبلوماسية الراقية والحكمة المتعالية ونبل الاخلاق والمكارم. فرحم الله صلاح الزواوي وتغمد روحه الطاهرة في واسع جناته، وألهم أسرته وذويه جميل الصبر وحسن العاقبة.