طفل دون رأس، وآخر برأس ضفدع، وثالث بأطراف متلاصقة، بينما يواجه رُضع آخرون تشوهات داخلية تنتهي بالوفاة لعدم توافر الإمكانيات اللازمة لإجراء العمليات الجراحية المطلوبة، وذلك بفعل الصواريخ والقنابل المحرمة دولياً التي يطلقها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
تشوهات داخلية وخارجية
قالت هديل الأحول (33 عاماً) في حديث لـ«الأخبار» إنها أصيبت بصدمة كبيرة عندما أخبرها الطبيب بأن جنينها يعاني من تشوه خَلقي دون معرفة ماهية ذلك التشوه، مضيفةً: «ما أن وضعت طفلي حتى تم تحويله إلى حضانة الأطفال حيث تبين أنه يعاني من انسداد في الأمعاء أجريت له على إثرها عملية جراحية من قبل وفد طبي مغربي كان موجوداً في المستشفى».
تابعت هديل أنّ فرحتها بتعافي طفلها لم تكتمل «فقد عاد الانسداد مرة أخرى، والوفد كان قد غادر شمال غزة، ما ضاعف من سوء حالته الصحية لعدم وجود كادر طبي متخصص وسط فقدان المستلزمات الطبية اللازمة».
ولفتت إلى أنها واجهت صعوبات كبيرة في حملها بسبب المجاعة التي مر بها شمال قطاع غزة والقذائف الدخانية والفسفور الأبيض التي كانت تسقط أمام المنزل وفي المناطق المحيطة، فضلاً عن النزوح المتكرر الذي كانت تحاول من خلاله النجاة بنفسها والجنين في أحشائها.
أما والدة ملك العرعير (21 عاماً) فقد قالت لـ«الأخبار» إنّ الاحتلال حرم ابنتها فرحة الحمل بطفلها، حيث أخبرتها الطبيبة بأن كمية كبيرة من المياه تسربت إلى رأس الجنين وهو ما يمكن أن يؤثر على صحته، ويصيبه بشلل دماغي».
وأضافت: «قبل أسابيع فقدت ابنتي زوجها وهو يحاول إحضار الطعام من منزلهم الذي نزحوا منه. كان الشهيد لا يكل أو يمل من البحث عن الغذاء كي تحافظ على صحتها وجنينها، إلا أن المجاعة التي نعيشها، وسوء التغذية الذي أصابها لعدم توفر اللحوم والخضار ولا حتى المقويات التي يجب على الحامل تناولها أثر صحتها وجنينها»،
وأشارت إلى أن ابنتها تنتظر الآن طفلاً ربما يعاني شلالاً دماغياً وربما تفقده كلياً كما فقدت والده، وفق الأطباء.
أسباب تشوه الأجنّة
أكد رئيس قسم الحضانة في مجمع الصحابة الطبي، حكيم حاتم مقاط، أن القذائف الصاروخية التي يطلقها الاحتلال الإسرائيلي تنبعث منها غازات سامة، ومواد كيميائية تخترق أجساد الأمهات، وتؤدي إلى ولادات مشوهة «سواء داخلية أو خارجية».
وقال في حديث لـ«الأخبار»، إن معظم المواليد المتواجدين في حضانات المشفى يعانون من ضعف الوزن وعدم اكتمال الجهاز التنفسي على الرغم من ولادتهم بعد اكتمال أشهر الحمل (40 أسبوعاً).
ولفت إلى أن العديد من التشوهات الخلقية الحالية أصبحت «ظاهرية»، قائلاً إنّ «هذه التشوهات لم نرصدها قبل الحرب في غزة، وأبرزها استسقاء الدماغ وبروز جزء من أعضاء العمود الفقري إلى الخارج، ما يسبب شللاً في الأعضاء السفلية لجسم الطفل وبالتالي إعاقة مستدامة على مدى الحياة، ويمكن أيضاً أن يؤدي إلى ضمور الدماغ في مرحلة لاحقة من العمر إن تمكنا من عمل الإجراء المناسب في الوقت اللازم».
وأشار إلى أن بعض الحالات لا تستطيع المشفى تقديم العناية اللازمة لها لعدم توافر المستلزمات الطبية التي تحتاجها تلك الحالات، مضيفاً: «وردتنا بعض الحالات والتي كانت تعاني من شلل أو ضمور في الأعضاء السفلية من جسم المولود، بينما تعاني معظم الحالات من عدم اكتمال الأعضاء الداخلية للجسم نتيجة للولادة المبكرة في الشهر 6 أو 7 من الحمل».
نسب الإجهاض ارتفعت إلى 15%
بدوره، كشف طبيب النساء والتوليد والمدير الطبي لمجمع الصحابة الطبي نعيم أيوب، الظروف والعوامل التي تؤثر على صحة الأم وجنينها في القطاع، قائلاً إنّ «الغازات التي تنبعث من القنابل المحرمة دولياً تتسرب إلى الأجنة وتفتك بهم».
وأضاف أنّ «الحرمان من التغذية السليمة في ظل المجاعة الشديدة التي يعاني منها الغزيين، وعدم توافر المكملات الغذائية التي تضعف من بنية الأم وجنينها والتي تواجه نزوحاً متكرراً مع عدم المتابعة الدورية لدى الطبيب المختص بعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي معظم المشافي والمراكز الصحية وأخرجها عن الخدمة».
وأشار إلى أنّ الحامل في قطاع غزة تصارع من أجل البقاء وجنينها على قيد الحياة، فبدلاً من زيادة وزنها 10 كيلوجرام تجد أن وزنها انخفض 10 كيلو جرام، نتيجة لسوء التغذية الذي تعاني منه الأم لعدم تناولها للأطعمة التي تحتوي على فيتامينات ومعادن وكربوهيدرات وبروتين ودهون.
وقال أيوب إن العديد من الولادات تعاني من «تشوهات خطيرة في الصدر والقلب والأطراف والأمعاء خارج البطن والرأس دون مخ وأجنة ملتصقة ببعضها، مضيفاً أنّ «عددها ما يقارب 130-140 حالة خلال 20 شهراً، وبنسبة زيادة ما يقرب من 300% عما كانت عليه قبل الحرب».
ولفت إلى أنّ معاناة الأم الحامل من انعدام الراحة والأمن والأمان الغذائي والنفسي أدى إلى «زيادة نسبة الإجهاض من 1.5% إلى 15% ».