في عام 1981، دوّى صوت الانفجار في قلب طهران، معلناً استشهاد العشرات من خيرة أبناء الثورة الإسلامية، وعلى رأسهم الشهيد الدكتور محمد حسين بهشتي. لم يكن هذا الحدث الأليم مجرد جريمة سياسية؛ بل كان محاولة يائسة لإسكات صوت العدالة والعقلانية، الذي مثّله بهشتي بكل ثباتٍ وحنكة.
كان الشهيد بهشتي قامة فكرية وقانونية سامقة، جمع بين الفقه الإسلامي والفلسفة الحديثة، وسعى لبناء مجتمع يقوم على أساس القيم الإلهية وكرامة الإنسان. لم يكن منغلقاً على الماضي، بل استحضر التراث ليبني مستقبلاً نابضاً بالحرية والوعي.
شهداء السابع من تير الموافق 28 يونيو لم يستشهدوا فقط؛ بل خُلدوا رموزاً لصبر شعبٍ لا يُهزم، ولكرامة أمةٍ تروي ترابها بدماء أحبّائها من أجل بقاء الحق. إنّ ذاكرة هذه الشهادة أصبحت جزءاً من النسيج الثقافي الإيراني، تُستعاد كل عام لتغذّي روح المقاومة في الأجيال الجديدة.
لقد تحوّل مكان الانفجار إلى رمزٍ للفناء في سبيل الرسالة، وأصبح الحديث عن الشهداء حديثاً عن هوية شعب لا يركع أمام الطغيان. إنّ تكريمهم ليس فقط بإحياء ذكراهم، بل بالاستمرار في السير على طريقهم طريق العدالة، والوعي والتضحية.
إنّ ثقافة الشهادة ليست دعوة للموت، بل عهدٌ للحياة الكريمة، وللصمود في وجه الاستكبار، وهذا ما أراده بهشتي حين قال: “إنّ أعدائي يظنّون أن باغتيالي سينتهي الطريق، ولكنّهم بذلك يفتحون باباً لا يُغلق..”.
تجليات الشهادة في الإبداع الإيراني
لم تكن ذكرى هؤلاء الشهداء مجرد صفحة دامية في تاريخ إيران المعاصر، بل تحوّلت إلى منبع إلهام للفنانين الذين سعوا لتجسيد معاني الصبر والفداء والكرامة عبر أعمالهم. لقد وظّف الفنانون في إيران وسائط متنوعة من الملصقات الثورية إلى الجداريات والمجسمات، ومن الموسيقى إلى السينما والمسرح لإحياء تلك الذكرى وفتح نوافذ للتأمل الوطني والوجداني.
من أبرز الأمثلة، المعرض السنوي الذي يُنظم في “بيت الشهداء”، حيث تُعرض لوحات تُحاكي لحظة الانفجار، وتُجسّد ملامح الشهيد بهشتي بلمساتٍ تجمع بين الواقعية والتعبير الرمزي. هذه الأعمال لا تكتفي بتوثيق الحدث، بل تُقدّمه كمنشور بصري يعيد بناء الوعي التاريخي للجمهور.
كما أنّ السينما الإيرانية تناولت هذا الحدث في بعض الأفلام الوثائقية والدرامية، مقدّمةً صورة الشهيد بهشتي كرجل حوار وفكر عميق، مستخدمةً اللغة السينمائية لبعث رسائل مقاومة ومعنوية إلى الأجيال الجديدة.