النفط .. عماد الإقتصاد في مواجهة التحدّيات

تمكّنت الحكومة الإيرانية من تجاوز إثني عشر يوماً من الحرب التي شنّها الكيان الصهيوني، حيث قدمت أداءً ناجحاً ومقنعاً بحسب اعتراف العديد من الخبراء والمراقبين. جاء هذا النجاح نتيجة التنسيق الفعال بين الأجهزة التنفيذية، والإدارة الميدانية الكفوءة، وقدرة المؤسسات الحيوية في البلاد على الصمود في وجه حرب شاملة متعددة الجوانب.

وفي خضمّ هذه الأحداث، لعبت صناعة النفط دوراً محورياً في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وضمان استمرار تقديم الخدمات وتأمين إمدادات الطاقة، حيث أثبتت أنها أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني.

 

واجهت إيران، خلال الفترة من 13 إلى 24 يونيو 2025، حرباً غير مسبوقة شملت تهديدات أمنية وهجمات سيبرانية إلى جانب الحرب النفسية والإعلامية.

 

إلا أن ما حافظ على الهدوء النسبي في البلاد لم يكن الصواريخ وحدها، بل الأداء المنسق والفعال للمؤسسات التنفيذية، ولاسيما وزارة النفط، التي كان لها دور حاسم في الحفاظ على الاستقرار.

 

وتميزت هذه الفترة بالصمود في وجه حرب متعددة الأبعاد، والحفاظ على استمرارية عمل القطاعات الحيوية، وضمان تدفق إمدادات الطاقة دون انقطاع، وتعزيز التكامل بين مختلف أجهزة الدولة، ويعكس هذا الأداء متانة البنية التحتية للبلاد وقدرتها على إدارة الأزمات بكفاءة.

 

ولاحظ المراقبون والوسائل الإعلامية هذه الجهود المتميزة، حيث ذكرت صحيفة “جوان” في تقرير لها: “في واحدة من أصعب المحطات في التاريخ الاقتصادي والأمني للبلاد، قدمت الحكومة أداءً يستحق الإشادة”.

 

وسلّط التقرير الضوء على وزارة النفط، والجهاد الزراعي، والبنك المركزي كمؤسسات شكلت دعامات صلبة لدعم الجهود الحكومية، تماماً كما تشكل خطوط الإمداد الخلفية عاملاً حاسماً في استمرار المقاومة في ساحات القتال.

 

وفي هذا السياق، كتب الناشط السياسي “محمد مهاجري” في مقال: “بحق، وقفت الحكومة إلى جانب الشعب خلال هذه الأيام العصيبة. واصلت توفير الخبز والمواد الغذائية والوقود رغم كل الصعوبات. كما أبدى المواطنون صبراً كبيراً. تحية لعمال وموظفي وزارتي النفط والزراعة، وشكراً للسيد وزير الزراعة، وامتناناً للسيد وزير النفط”.

 

هذه الكلمات تعكس تقديراً شعبيًا للجهود الصامتة لعمال قطاع الطاقة والتموين، وهي رسالة تستحق المزيد من الاهتمام والاستمرارية.

 

والحقيقة هي أنه في الأيام التي كانت فيها المصافي وخزانات النفط وخطوط نقل الطاقة تحت تهديدات مباشرة وغير مباشرة، تمكنت وزارة النفط -بالاعتماد على الإدارة الميدانية الفعّالة، والتقنيات الذكية، والخبرات المتراكمة في إدارة الأزمات- من منع حدوث أي خلل في سلاسل توزيع الوقود والكهرباء والغاز ومنتجات الطاقة الأخرى.

 

ولم تقتصر استمرارية البنية التحتية للطاقة على الحفاظ على الأمن المعيشي فحسب، بل حافظت أيضاً على استمرارية عمل الصناعات الحيوية في البلاد، من صناعة الأدوية والمواد الغذائية إلى الخدمات الصحية ووسائل النقل العام.

 

واليوم، إذا لم نسمع عن انقطاع التيار الكهربائي، وإذا لم نشهد طوابير الوقود، وإذا استمرت الحياة اليومية بأقل قدر من الاضطرابات، فإن ذلك هو ثمرة الجهود المتواصلة على مدار الساعة لتلك الكوادر التي عملت بصمت وإخلاص، بعيداً عن الأضواء؛ لكن بتفانٍ وطني لا يتزعزع.

 

لقد أثبتوا أن الصمود في وجه التحديات ممكن بالعمل الدؤوب، والبنية التحتية للطاقة هي شريان الحياة الوطني، والتخطيط الاستباقي والإدارة الكفوءة يحولان الأزمات إلى فرص لإثبات الجدارة.

 

في فترة الدفاع المقدس، كان النفط رمزاً للصمود والمقاومة الوطنية. واليوم لا يزال كذلك؛ لكن مع فارق جوهري: ففي ساحة الحرب الشاملة المتعددة الأوجه، اختلفت أدوات المواجهة، وأصبحت الأنظمة الرقمية، الذكاء الاصطناعي، الإدارة الذكية للشبكات؛ بالإضافة إلى الدبلوماسية النفطية على المستوى الإقليمي والدولي، هي الأسلحة الجديدة في المعركة الاقتصادية، مما فرض أعباءً أكبر على عاتق العاملين في هذا القطاع الحيوي.

 

واليوم، بينما يستهدف الأعداء مرونة الاقتصاد الوطني، يظل التنسيق الداخلي بين الحكومة، الخبراء، والجماهير هو المفتاح للحفاظ على الاستقرار والتقدم. هذا التماسك الاجتماعي يستحق التقدير -ليس لتبرئة أي تقصير محتمل- لكن للحفاظ على حماسة أولئك الذين لو توقفوا للحظة واحدة، لتوقفت عجلة البلاد عن الدوران.

 

المعركة تحولت من المواجهة المسلحة إلى حرب اقتصادية متعددة الأبعاد تعتمد على التقنيات المتطورة والاستراتيجيات الجيوسياسية المعقدة، مما يتطلب: تعزيز القدرات الذاتية، وتوحيد الصفوف الداخلية، وتطوير آليات المواجهة، والحفاظ على الروح المعنوية.. فالصمود اليوم لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان استمرارية المسيرة الوطنية.

 

المصدر: الوفاق خاص