له مكانة اجتماعية خاصة في مدينة ميناب جنوب شرق ايران

«عَلَم النبي(ص)»؛ بُنيَةٌ رمزية عاشورائية للسياحة الطقسية

تشير الأدلة التاريخية والروايات الشفوية والتقاليد العائلية لمنظمي الطقس إلى أن مراسم «عَلَم النبي(ص)» أُسست قبل حوالي ٤٠٠ عام على يد عائلة عبدالصمدي في ميناب، وما زالت تُقام جيلاً بعد جيل حتى اليوم. ويُعتبر هذا الاستمرار عبر الأجيال أحد مؤشرات التراث اللامادي الدائم في جنوب إيران.

من بين الطقوس العاشورائية في جنوب إيران، يحتل طقس «عَلَم النبي(ص)» في مدينة ميناب مكانة فريدة؛ يعود تاريخه إلى أكثر من أربعة قرون، ويقام سنوياً في اليوم الخامس من شهر محرم الحرام بمشاركة واسعة من أهالي ميناب والمدن والقرى المجاورة، وهو حدث ثقافي طقسي وأنثروبولوجي له صلة عميقة بالمعتقدات الشيعية والثقافة الشعبية والمشاركة الاجتماعية.

 

 

تشير الأدلة التاريخية والروايات الشفوية والتقاليد العائلية لمنظمي الطقس إلى أن مراسم «عَلَم النبي(ص)» أُسست قبل حوالي ٤٠٠ عام على يد عائلة عبدالصمدي في ميناب، وما زالت تُقام جيلاً بعد جيل حتى اليوم. ويُعتبر هذا الاستمرار عبر الأجيال أحد مؤشرات التراث اللامادي الدائم في جنوب إيران.

 

 

تم تسجيل طقس «عَلَم النبي(ص)» في عام 2016 في قائمة التراث الثقافي غير المادي الوطني.

 

 

علامة على الحق والشهادة والارتباط التاريخي بكربلاء

 

 

يُعد طقس عَلَم النبي(ص) أحد فروع «حمل العلم» في تقاليد العزاء الشيعي، إلا أن ما يميزه هو بنيته الدقيقة، تسلسله الطقسي، ورموزه الخاصة التي تشكلت في ميناب. العَلَم في هذا الطقس ليس فقط رمز للنبي(ص)، بل هو أيضاً علامة على الحق والشهادة والارتباط التاريخي بكربلاء .

 

 

منذ اليوم الأول من شهر محرم الحرام، يبدأ تجهيز أربعة عشر عَلَما يُنسب كل واحد منها إلى أحد المعصومين الأربعة عشر في الحسينيات المختلفة بمدينة ميناب. لعَلم النبي(ص) وعَلَم صاحب الزمان(عج) مكانة خاصة. يُصنع خشب عَلَم النبي(ص) من غصن شجرة التين التي تنمو بكثرة في ميناب؛ وهي شجرة ترتبط في ثقافة جنوب إيران بمفاهيم القداسة والصمود.

 

 

في صباح اليوم الخامس من محرم، يُنقل عَلَم النبي بمراسم خاصة وبين جمع غفير من الناس إلى ضفة نهر ميناب. هذا النقل الرمزي، الذي يقوم على الاعتقاد بالتطهير والتنقية، حيث يُغسل العلم بماء النهر. في الوقت ذاته، يُغسل عَلَم صاحب الزمان(عج) في الحسينیة الخاصة به بالماء وماء الورد، لكنه لا يتحرك من مكانه؛ إذ يُعتقد أن الإمام المهدي(عج) في هذا اليوم يحضر بنفسه في المكان، ولذلك لا يجوز تحريك العلم.

 

 

بعد غسل العلم، يقوم القائمون على الطقوس بتزيين الأعلام بالأقمشة الخضراء والحمراء. يُغطى عَلَم النبي(ص) بأربعة عشر قطعة من القماش رمزًا للأئمة الأربعة عشر المعصومين، ويُغطى عَلَم صاحب الزمان(عج) بسبع قطع.

 

 

الجوانب الصوتية والسردية للطقس

 

 

بالتزامن مع تنفيذ المراحل الطقسية، ينشد المنشدون الإنشاد الديني وترتيل القرآن الكريم بصوت عالٍ وقصائد في مدح أهل البيت(ع)، ومظلومية الإمام الحسين(ع)، وشجاعة أنصاره. هذا الجزء من الطقس، بالإضافة إلى كونه جانبًا من العزاء، يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الأنماط الموسيقية المحلية ونقل التراث الثقافي.

 

 

ذروة الطقس؛ لقاء العَلَمَين

 

 

تحدث أهم لحظة في الطقس عند ظهر اليوم الخامس من شهر محرم؛ حين يذهب عَلَم النبي(ص) من حسينية مأتم قلعة للقاء عَلَم صاحب الزمان(عج). اقتراب واصطدام طرفي العلمين يرمز إلى الارتباط الروحي بين النبي(ص) والإمام المهدي(عج) وتجديد بيعة المجتمع مع المقام المقدس لأهل البيت. في هذه اللحظة، يسعى الكثير من المعزين، بنيّة قضاء الحاجة، للوصول إلى العلم ومحاولة لمسه.

 

 

الوظائف الاجتماعية والثقافية للطقس

 

 

طقس عَلَم النبي(ص)، بالإضافة إلى جوانبه الدينية، يتمتع من منظور الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع الثقافي بوظائف واسعة النطاق:

 

 

تعزيز التماسك الاجتماعي: إن الحضور العائلي ومتعدد الأجيال في إعداد وتنفيذ وصيانة الطقس يؤدي إلى زيادة التضامن الاجتماعي في أحياء مدينة ميناب وقراها.

 

 

الحفاظ على التقاليد المحلية: يُعد هذا الطقس منصة لنقل معارف تغطية العلم، وتلاوة القصائد الدينية، وصناعة العلم، وحفظ الأشعار التقليدية من جيل إلى جيل.

 

 

تجسيد ثقافة النذر والوقف: تغطية الأعلام بالأقمشة النذرية والمُهداه تعكس ثقافة الوقف المتمحورة حول الناس في جنوب إيران.

 

 

السياحة الدينية: إقامة الطقس في أجواء عامة وتشاركية يؤدي إلى حضور الآلاف من مختلف مدن المحافظة وحتى من مناطق أخرى في البلاد، ما يمكن اعتباره قدرة مهمة للسياحة الطقسية.

 

 

إن طقس «عَلَم النبي(ص)» في ميناب ليس فقط واحداً من أقدم الطقوس العزائية في جنوب إيران، بل يُعدّ أيضاً نموذجاً حياً ونشطاً للترابط العميق بين الدين والثقافة والطبيعة والمجتمع. إن استمرار هذه المراسم لعدة قرون بمشاركة شعبية وبنية منظمة، جعله واحداً من أبرز مصاديق التراث الثقافي غير المادي، الذي يمتلك قابلية الدراسة والحفاظ عليه سواء من الناحية الطقسية أو في مجالات الأنثروبولوجيا والجماليات وعلم اجتماع الدين.

 

 

في الوقت الحاضر، وبالنظر إلى مخاطر مثل نسيان التقاليد، وتراجع الذاكرة الجماعية، وانقطاع الأجيال، أصبحت حماية وتعزيز مثل هذه الطقوس ضرورة مضاعفة. يمكن أن يسهم التوثيق العلمي، ودعم المؤسسات الثقافية، والتسجيل والترويج على المستويين الوطني والدولي، وكذلك الاستفادة الثقافية من إمكانيات السياحة الطقسية، في رسم مستقبل مستدام وحيوي لهذا لطقس.

 

 

هذا الطقس هو في الواقع مرآة كاملة لإيمان أهل ميناب، والتاريخ العريق والاصالة، وعظمة عاشوراء الخالدة في منطقة الخليج الفارسي؛ طقس يجب ليس فقط الحفاظ عليه، بل أيضاً إعادة تعريفه وتمثيله كتراث عالمي.

 

 

 

المصدر: الوفاق