رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية للوفاق:

الدبلوماسية الثقافية في مواجهة الروايات المحرّفة.. إيران تروي قصّتها

خاص الوفاق: حجة الإسلام إيماني بور: استهدفت الصواريخ الإيرانية، إلى جانب تل أبيب وحيفا والقواعد الأمريكية، خطاب الاستسلام للظلم والاستكبار، وقدّمت للعالم ثمرة الصمود وأصالة المقاومة.

موناسادات خواسته

 

في عالم يزداد ترابطاً وتداخلاً، لم تعد العلاقات بين الدول تقتصر على الأبعاد السياسية والإقتصادية فحسب، بل أصبحت الثقافة أداة محورية في بناء الجسور بين الشعوب وتشكيل صورة الدول في الوعي الجمعي العالمي. الدبلوماسية الثقافية تمثل هذا الإمتداد الناعم والمؤثر الذي يعمل على تعزيز التفاهم المتبادل، وترويج القيم الوطنية، وصياغة العلاقات الدولية بلغة الفن والفكر والهوية.

 

يصادف اليوم الثلاثاء (1 يوليو) الذكرى الثلاثين لتأسيس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية والتي تم تسجيلها في التقويم الرسمي للبلاد باعتبارها “يوم الدبلوماسية الثقافية والتفاعل مع العالم”، فبهذه المناسبة أجرينا حواراً مع رئيس المنظمة حجة الإسلام محمدمهدي إيماني بور، فيما يلي نصّه:

 

الذراع الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية

 

 

بداية، سألنا حجة الإسلام محمدمهدي إيماني بور حول تأثير الدبلوماسية الثقافية في تفاعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع العالم، والمحاور والأنشطة التي تركز عليها المنظمة في هذا السياق، فقال: قبل الدخول في صلب الموضوع، أودّ أن أحيي ذكرى الشهداء الأبرار الذين ارتقوا في العدوان الأخير للكيان الصهيوني البغيض والمعتدي على تراب وطننا الطاهر والمقدس، كما أبارك انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة الأعداء الحاقدين على هذه الأرض الطيبة.

 

لا شك أن ما حدث مؤخراً يُعد مثالاً واضحاً على الإنتصار المركّب على الحرب المركّبة للعدو. فقد أدى تضافر القوة الصلبة والناعمة لإيران إلى مواجهة منظومة معقدة وصلبة من قبل العدو الصهيوني والولايات المتحدة، ما اضطرهم في النهاية إلى اللجوء إلى الوسطاء لوقف الحرب. وهذه المعركة بحد ذاتها تُظهر أهمية «الحرب المعرفية» و«جهاد التبيين». إن إيصال مظلومية وحقانية إيران إلى العالم هو أحد تجليات هذا التبيين الذي يجب أن يستمر.

 

تُعد منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية الذراع الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الساحة الدولية. وبعبارة شاملة، فإن مسؤولية المنظمة تتمثل في تقديم صورة حقيقية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وثقافتها وحضارتها الإسلامية-الإيرانية الغنية إلى العالم، من خلال إقامة علاقات مباشرة وفعالة مع الشعوب والمؤسسات والثقافات والحضارات الأخرى.

 

من بين مهام المنظمة: متابعة الإتفاقيات الثقافية مع الدول الأخرى، تنظيم برامج التبادل الثقافي، التواصل مع النخب والمراكز الثقافية الأجنبية، الحوارات الثقافية والدينية والتقريبية، دعم تبادل الأساتذة والطلاب الأجانب، التعريف بالإنجازات العلمية للمراكز الأكاديمية، نشر اللغة الفارسية، تعزيز الهوية الوطنية للإيرانيين في الخارج، مواجهة الإسلاموفوبيا وإيرانوفوبيا، تنظيم جولات إعلامية والتواصل مع المؤثرين في الفضاء الرقمي، إقامة الفعاليات الثقافية والفنية، دعم تصدير المنتجات والخدمات الثقافية، والمساهمة في الترجمة العكسية للعلوم الإنسانية الإسلامية.

 

كل هذه المحاور يمكن تلخيصها في عبارة محورية: «تقديم صورة شاملة ولائقة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية». نحن نؤمن بشدة أن نقل الحقائق والروايات الحقيقية عن إيران في وقتنا الراهن يوجّه العقول والقلوب نحو المسار الصحيح. لذا، يجب أن نكون روّاداً وفاعلين في «الرواية» عن أنفسنا، وأن نواجه الروايات الكاذبة والمحرّفة عن الجمهورية الإسلامية وثقافتها.

 

وهنا أؤكد أننا في منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية لا نتبنى فقط موقفاً دفاعياً تجاه الحرب المعرفية والمركّبة للعدو، بل نؤمن أيضاً بضرورة المبادرة والهجوم الثقافي الاستباقي، وهذا هو أساس عملنا. تأسيس المنظمة عام 1995 جاء نتيجة لقلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن ضرورة تقديم فهم منسجم وحقيقي لرؤيتنا الحضارية والخطابية. وقد لعب كبار الشخصيات، مثل المرحوم آية الله محمدعلي تسخيري، دوراً مهماً في ترسيخ هذا الهيكل وتطويره.

 

الدبلوماسية العامة ساحة التنافس الرئيسية

 

ثم دار الحديث عن العدوان الصهيوأمريكي على إيران، ومحاولة قلب الحقائق، ودور الدبلوماسية الثقافية في توضيح الحقائق، فقال رئيس جهاز الدبلوماسية الثقافية الإيرانية: أصبحت الدبلوماسية العامة والثقافية اليوم ميزة تنافسية بين الدول والفاعلين في العلاقات الدولية.

 

إن التبيين والرواية الصحيحة والفعالة للأحداث الوطنية في الساحة الخارجية، وإقناع الجمهور الدولي بالدفاع عن القيم والمعايير الوطنية، يلعب دوراً محورياً في تشكيل الصورة النهائية للدولة في نظر العالم.

 

رغم أن السياسة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية كانت محصورة في الدبلوماسية الرسمية والسرية، إلا أن الدبلوماسية العامة أصبحت اليوم ساحة التنافس الرئيسية. على سبيل المثال، فإن الرواية الرسمية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول طبيعة وأفعال الكيان الصهيوني، وجهودهم المستمرة لتبييض صورته، تتلاشى أمام انتفاضات الشعوب ضدّ الكيان الصهيوني وتزايد الانتقادات ضده لطبيعته الإجرامية.

 

النقطة الثانية تتعلق بدور الدبلوماسية الثقافية في توضيح خطاب الثورة الإسلامية. في المرحلة الثانية من الثورة، نحن ملزمون بالسير في طريق «جهاد التبيين». نحن نتحدث عن خارطة طريق استراتيجية شاملة. جوهر جهاد التبيين هو إقناع الرأي العام العالمي، والدبلوماسية الثقافية هي الإطار الأمثل لتعريف هذا المسار وإدارته.

 

النقطة الثالثة تتعلق بمكانة ومسؤولية منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية في قيادة الدبلوماسية الثقافية للبلاد؛ بطبيعة الحال، تعتبر المنظمة أن تحقيق مطالب الإمامين القائدين من المؤسسات الثقافية الدولية هو شغلها الشاغل. ومن أبرز هذه المطالب: نقل رسالة وخطاب الثورة الإسلامية، والذي للأسف، بسبب جهود المغرضين، قد أُسيء فهمه، ويُصوَّر خطأً على أنه تدخل في شؤون الدول الأخرى أو محاولة لاستقطابها.

 

الخطاب الأصيل للثورة الإسلامية يتمثل في تعزيز روح الاعتماد على الذات في المجتمعات الإسلامية، والسعي نحو الوحدة وتشكيل أمّة إسلامية واحدة. الحوار مع النخب والمفكرين من جهة، ودعوة الشباب للتعرف على الإسلام من خلال مصادره الأصلية كـالقرآن الكريم من جهة أخرى، يبشر بإمكانية الوصول إلى فهم أعمق للمرحلة التاريخية الحساسة التي يمر بها العالم.

 

السلوكيات المزدوجة للاستعمار

 

أمّا فيما يتعلق بالتعامل مع السلوكيات المزدوجة للاستعمار من خلال الثقافة، قال حجة الإسلام إيماني بور: تلعب الثقافة هنا الدور «الأساس» و«المحوري». نحن في خضمّ حرب معرفية مع الأعداء. لقد أصبحت إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية، خاصة في هذه المرحلة المصيرية، رمزاً ونموذجاً للمقاومة الفاعلة في وجه أعداء البشرية والإسلام.

 

تلاحم الإيرانيين في أنحاء العالم، وصمود جنود الوطن، وتنفيذ عملية «الوعد الصادق 3»، كلها تجليات حقيقية لهذا الثبات والحيوية. وخلال الأيام الـ12  لهجوم العدو الصهيوني، تجلّى هذا الرمز أكثر من أي وقت مضى في أذهان مليارات البشر حول العالم.

 

لقد استهدفت الصواريخ الإيرانية، إلى جانب تل أبيب وحيفا والقواعد الأمريكية في المنطقة، خطاب الاستسلام للظلم والاستكبار، وقدّمت للعالم ثمرة الصمود وأصالة المقاومة. هذا الصمود نابع من ثقافة وخطاب غني لا يقبل الخضوع للظلم. «جهاد التبيين» يتجذر في هذه الثقافة والحضارة والخطاب الحي والمقاوم.

 

اليوم، بات واضحاً للجميع أن انهيار الصهيونية لا يتحقق فقط بإطلاق الصواريخ، بل إن «الوعي العالمي» هو الذي يستهدف العمق الاستراتيجي للأراضي المحتلة وأسس الكيان الصهيوني ومواقف أمريكا.

 

ما نشهده من تحولات في العامين الأخيرين، بعد عملية «طوفان الأقصى»، هو نمو هذا الوعي الجماعي وتعميقه ما أدى إلى ارتباك نتنياهو وترامب وغيرهم من طغاة العصر، وليس فقط القوة العسكرية والصاروخية المتزايدة لإيران، بل الوعي والبصيرة التي تقف خلف هذا الجهاد في سبيل الله. إن اليقظة الإنسانية تضيّق الخناق يوماً بعد يوم، بل لحظة بلحظة على استمرار الكيان الصهيوني المجرم.

 

إن رفع مستوى الوعي الإقليمي والعالمي حول طبيعة الكيان الصهيوني هو الشرط الأساسي لتفكيكه. وقد سرّع العدوان الأخير لهذا الكيان على أرضنا المقدسة هذا المسار لصالح جبهة الحق ضد جبهة الباطل.

نؤكد هنا أن مفتاح الانتصار العالمي على منظومة الهيمنة والكيان الصهيوني يكمن في مواصلة “جهاد التبيين” في ساحة الحرب الناعمة مع العدو.

 

 

تصريحات ترامب الأخيرة

 

وفيما يتعلق بتصريحات ترامب الأخيرة حول المرجعية الشيعية والقيادة العليا للثورة الإسلامية، والإجراءات التي تم اتخاذها في هذا المجال، قال حجة الإسلام إيماني بور: في المرحلة الأولى، تم التواصل وإبلاغ المراجع الدينية وقادة الأديان، وفي المرحلة التالية، تم التنبيه إلى تبعات هذه التصريحات تجاه المرجعيات الدينية. وتسعى منظمة الثقافة، إلى جانب الجهود القانونية، إلى نشر الفتاوى الصادرة عن المراجع الدينية الأخرى.

 

للأسف، يبدو أن أعداء الإسلام وإيران يظهرون تكاتفاً في الحرب الناعمة، وبما أن معظم وسائل الإعلام المؤثرة تحت سيطرتهم، فإنهم يمارسون التعتيم الإعلامي على مثل هذه الأخبار؛ لكن لحسن الحظ، فإن الحركات الشعبية حول العالم قد وقفت في وجه هذا التعتيم، وأصبح كل فرد منهم بمثابة «إنسان-إعلام».

 

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة