وصف الإمام الحسين(ع) أصحابه بأنهم أصحاب بصائر، مما يعني أنهم لم يكونوا فقط شهداء بالسيوف، بل شهداء بالمعرفة واليقين، قاتلوا بوعي وإدراك عميق لحجم التضحية وأثرها الخالد
“بسم الله الرحمن الرحیم
تمهيد:
في قلب الصحراء، حيث تتقاطع الرمال مع دماء الحرية، وقف سبعون رجلاً لا يتجاوز عددهم رقماً صغيراً، لكن أوزانهم في الموازين الأخلاقية والإنسانية لا يمكن قياسها بالعدد. هؤلاء هم أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة كربلاء، حملة الرسالة وحماة العدل، الذين جمعوا بين الإيمان الراسخ، والبصيرة النافذة، والبطولة النادرة، والولاء المطلق.
لم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) وحده في هذه الملحمة؛ بل كانت معه نساء صدقن الوعد ورسمن طريق الحرية بشجاعة قل نظيرها.
أنصار الحسين (عليه السلام).. القمَّة في الإيمان والتضحية:
قال الإمام الحسين(عليه السلام) في وصف أصحابه: “فإني لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي(الإرشاد للمفيد).
صفاتهم العامة:
لم يكن إخلاصهم ظاهريًا فحسب، بل هو احتراق داخلي وصدق مستمرّ، حيث لم يتردد أحد في التضحية بالنفس، ولم يحكم أحد منهم مصلحته الشخصية على مصلحة الإمام(ع) ومشروعه. كانت بصيرتهم نافذة، فهم لم يقاتلوا عن تعصب أعمى أو بدافع الغضب، بل عن وعي وعلم بحقائق الأمور، وتفهم لما تحمله هذه التضحية من معاني إيمانية وروحية عميقة. شجاعتهم تجاوزت المألوف، حيث استمروا في القتال رغم فارق العدد والعدة، بل ورغب كثير منهم في أن يُقتل مرارًا بدلاً عن الإمام(ع).
أبطال خالدون:
برز فيهم حبيب بن مظاهر الذي كان معلمهم وشيخهم، رمز الفداء والشجاعة. مسلم بن عوسجة، أول الشهداء، الذي قال معلقاً على ولائه: “أوصيك بهذا الإمام، فدونه الموت.” زهير بن القين الذي كان أسيرًا ثم تحوّل إلى جندي مجاهد بإرادة صلبة. الحرّ الرياحي، الذي تاب وأنقذ شرفه بالدم، والعباس بن علي(ع)، عمود الكرامة وساقي العطاشى، رمز الوفاء والبطولة. علي الاكبر النموذج الاسمى للشباب المؤمن الرسالي، القاسم بن الحسن القدوة المباركة للصبيان المضحين من اجل العقيدة.
النساء في كربلاء.. الثبات والصوت الهادر:
لم تكن معركة الطفّ مقتصرة على الرجال، بل كانت النساء شركاء فعليين في الثورة، تألقت أدوارهن عبر التحريض على التضحية، والقيادة بعد المصيبة، وإيصال رسالة الحق للعالم.
التحريض على الشهادة:
أم وهب كانت صوت الإقدام، دفعت ابنها وزوجها إلى ساحات القتال، ثم قاتلت بنفسها حتى نالت الشهادة. هذا يدلّ على عمق الإيمان وحجم التضحية التي تجاوزت دور المرأة التقليدي.
القيادة والصمود:
زينب الكبرى (عليها السلام) كانت أعظم رمز للثبات والقيادة في مواجهة الطغيان، خطبتيها في الكوفة والشام كانت منارًا يضيء طريق الحقيقة وينشر صوت الحق في عتمة القمع. وسكينة بنت الحسين كانت الشعلة الحية التي تحرك المشاعر وتنقل واقع المأساة بقوة شعرية وإحساس إنساني عميق. الرباب الأم الصابرة على طفلها الشهيد عبد الله، رمز العطاء اللامحدود.
مقارنة بين أنصار النبي (ص) وأنصار الحسين (ع):
وكان أنصار النبي (صلى الله عليه وآله) أعدادًا كثيرة، بالمئات والألوف، حيث شاركوا في بناء الدولة الإسلامية الناشئة، وكانوا في عز النبوة والرسالة، حاملي مشعل الدعوة. وكان منهم من ثبت ومنهم من نكص، مما يدل على تباين مستوى الثبات والبصيرة.
أما أنصار الحسين (عليه السلام)، فكانوا محدودين العدد لا يتجاوزون السبعين، في زمن الغربة والخذلان، حين خذل معظم المسلمين إمامهم، ومع ذلك ثبتوا جميعًا بإيمان عميق وبصيرة نادرة، حافظوا على جوهر الإسلام وروحه في مواجهة الاضطهاد والطغيان.
البصيرة.. مفتاح كربلاء:
البصيرة هي جوهر معركة كربلاء، فهي الوعي العميق في زمن الفتنة، والرؤية النافذة التي تميز الحق من الباطل، والثبات في وجه التيه والظلم. وصف الإمام الحسين أصحابه بأنهم أصحاب بصائر، مما يعني أنهم لم يكونوا فقط شهداء بالسيوف، بل شهداء بالمعرفة واليقين، قاتلوا بوعي وإدراك عميق لحجم التضحية وأثرها الخالد.
خلاصة الكلام:
بلغ أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) ذروة الكمال الإنساني، إذ تجمعت فيهم قيم الإيمان الراسخ، والبصيرة النافذة، والإيثار المطلق، والشجاعة، والولاء، والصبر. وكانت النساء شركاء أساسيين في هذه النهضة العظيمة، لا في هامشها بل في قلبها النابض. قادت زينب بنت علي (ع) الإعلام وكشفت الزيف، لتكمل بذلك ما بدأه الحسين(ع) بدمه، وتؤكد أن كربلاء ليست مجرد معركة، بل ميزان أبدي يُوزن به الرجال والنساء إلى يوم القيامة.
بقلم: آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري