مع حلول أيام الحداد على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع)، تغرق محافظة كلستان، كغيرها من مناطق إيران، في حزن عميق، وتقام في كل زاوية من هذه المنطقة طقوس عريقة تجسد الهوية الدينية والثقافية للناس في إطار مناسك عاشوراء؛ وقد تم تسجيل ثمانية فعاليات محرّم الحرام في هذه المحافظة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي الوطني.
محرّم الحرام في كلستان ليس مجرد شهر؛ بل هو مرآة لعقائد وولاءات وتقاليد ضاربة في عمق القرون، نشأت من قلب الناس وانتقلت من جيل إلى جيل. هنا، في أرض الاعراق المتنوعة والثقافات المتجاورة، يظهر الحب للامام الحسين(ع) ليس فقط في الدموع والمراثي، بل أيضاً في طقوس ومراسم مليئة بالأسرار والرموز.
من الأيام الأولى لمحرّم الحرام، تكتسي أجواء مدن وقرى كلستان بطابع الحداد. صوت الطبول، أنين الراثين، الأعلام المرفوعة، كلها تبشر ببداية أيام روحانية ومعنوية وحماسية. أهل هذه الديار، كلٌ بطريقته الخاصة، يبكون شهداء كربلاء ويقيمون طقوساً، بعضها تم تسجيله كتراث ثقافي غير مادي وطني.
وأشار المدير العام للتراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية في محافظة كلستان إلى أهمية الطقوس العاشورائية في الحفاظ على الهوية الثقافية للمنطقة، وقال: إن الهوية الثقافية والدينية جزء من حياة سكان كلستان، ويظهر ذلك بوضوح في المراسم الطقسية والروحية، خاصة في أيام محرم الحرام.
وأضاف فريدون فعالي أن ثمانية طقوس دينية مرتبطة بمحرم الحرام من كلستان تم تسجيلها حتى الآن في قائمة التراث الوطني، وأوضح أن إقامة هذه الطقوس في مدن مثل جرجان، كردكوي، غاليكش، مينودشت، راميان، بندرغز وغيرها من مناطق المحافظة، لا يقتصر على الحفاظ على التقاليد فحسب، بل يساهم أيضاً في تطوير السياحة الدينية.
وأضاف: إن مراسم محرم الحرام في الواقع هي إعادة تمثيل وتذكير بالحادثة الدامية في كربلاء المقدسة، ومن خلال إحياء هذه الطقوس، نساهم في الحفاظ على هويتنا التاريخية ونتخذ خطوات أيضاً في التعريف بثقافة سكان المحافظة الدينية والطقسية.
وقال فعالي: مراسم مثل «اربعون منبراً»، «حمل النخل»، «قراءة حسنحسین» و«بنياسد» ليست مجرد شكل من أشكال الحداد، بل هي طقوس ممزوجة بالمعتقدات والرموز والروايات، ولكل منها جذور في المعتقدات العميقة لدى الناس.
وأوضحت مريم منصوري، خبيرة التراث الثقافي غير المادي في محافظة كلستان، أثناء تقديمها لثمانية طقوس مسجلة: إن مراسم «اربعون منبراً» التي تقام في مساء تاسوعاء، تعد من الطقوس المعنوية الخاصة في هذه المنطقة. ووفقاً لهذا التقليد، يقوم الناس بإشعال الشموع عند أربعين منبراً، ويطلبون حوائجهم من الإمام الحسين(ع).
واضافت منصوري: في مدينة راميّان، يُقام طقس الضرب على الصدر جنبًا إلى جنب كرمز للوحدة والولاء لأهل البيت. يتحرك المعزّون في حلقة موحّدة حول ساحة الإمام علي(ع)، وهو رمز للولاية والتضامن حول محور الإمامة.
كما أوضحت مريم منصوري: يُعدّ طقس «حمل النخل» من العادات القديمة التي تُقام ظهر عاشوراء في قرية بالاجاده. في هذا الحفل، يُحمل رمز تابوت الشهداء على شكل نخلة بطريقة مهيبة ومميزة.
وحول طقس «بني أسد» قالت منصوري: تقام هذه المراسم في اليوم الحادي عشر من محرم في بندر كز، حيث يقوم الناس بشكل رمزي بدفن شهداء كربلاء؛ وهو تمثيل رمزي لكنه مؤثر للغاية في التعبير عن حزن الناجين من حادثة عاشوراء.
ومن الطقوس الأخرى المسجلة في هذه القائمة «المقبض الخشبي» الذي يُقام ليلة الثاني عشر من محرم الحرام في الأحياء التاريخية بمدينة كركان. ووفقاً لمنصوري، يحمل الرجال في هذا المراسم عصياً في أيديهم ويضربون صدورهم بشكل منتظم؛ وهو رمز للغضب والحزن في آن واحد على فاجعة كربلاء.
وأشارت أيضاً إلى طقس عاشورائي يُسمى «صبح روسياه = الصباح المظلم» وأضاف: يُقام هذا الطقس في منتصف ليلة عاشوراء وقبل شروق الشمس، ويجسّد حزن وسواد أهالي محافظة كلستان على مظلومية الإمام أبي عبدالله الحسين(ع) وأصحابه، أما المرثية الشهيرة في هذا الطقس فهي «عتاب الشمس»: لماذا تشرقين اليوم، مع أن الإمام الحسين(ع) وأبناءه سيُستشهدون اليوم؟
وأكد المدير العام للتراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية في محافظة كلستان في ختام كلمته: نحن نسعى من خلال التوثيق والتسجيل والتعريف الأوسع بهذه الطقوس إلى منع نسيانها والاستفادة من إمكاناتها في تطوير السياحة الثقافية والدينية.
وأضاف فعالي: نأمل بالتعاون مع الهيئات الدينية والمؤسسات الثقافية والجمهور، أن نتمكن من ربط الجيل الشاب بهذا التراث القيّم وإشراكهم في الحفاظ على طقوس عاشوراء.
تستضيف محافظة كلستان، بتنوعها العرقي والديني، سنوياً في أيام محرم الحرام، سياحاً من مختلف أنحاء البلاد. ويُظهر هذا الحضور جانباً آخر من دور الطقوس الدينية في الربط الاجتماعي والثقافي بين الناس.
في هذه الأيام، تتشح المدن بالسواد، ويرتفع صوت الرثاء في الأزقة، وتخفق القلوب بذكرى واقعة كربلاء. إن هذا التراث ليس مجرد طقس للحزن؛ بل هو حكاية عشق، واستمرار للهوية، وإبقاء على الخط الأحمر الذي بدأ من عاشوراء وما زال مستمراً حتى اليوم.