ونظرة بعيدة المدى للفرص المتوفرة في الحدود

زيارة محافظ إيلام إلى واسط.. نموذجاً ناجحاً للدبلوماسية الميدانية

في أيام محرّم الحرام وعشيّة زيارة الأربعين، عندما يسافر ملايين العُشّاق من جميع أنحاء إيران إلى العراق لزيارة كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف، لم تكن الزيارة الأخيرة لمحافظ إيلام (غرب البلاد) إلى محافظة واسط في العراق مجرد مهمة احتفالية أو دبلوماسية؛ بل كانت نموذجاً فريداً للدبلوماسية الميدانية ونظرة بعيدة المدى للفرص المتوفرة في الحدود.

وكانت هذه الزیارة مثالاً فريداً للدبلوماسية الميدانية ونظرة طويلة الأمد للفرص المخفية في الحدود والتي تهدف إلى حل القضايا التشغيلية وتعميق العلاقات بين الشعبين وتطوير التعاون المتعدد الأوجه بين المقاطعتين المتجاورتين.

 

وفي ظل ما يُعرف بطريق مهران – زرباطية بأنه الطريق البري الرئيسي للزوار إلى المراقد المقدسة، فإن تحرك كبار المسؤولين في محافظة إيلام للتشاور وجهاً لوجه مع نظرائهم العراقيين هو علامة على فهم دقيق للأولويات ومعرفة عميقة لواقع الميدان.

 

أهمية الزیارة من الناحية الأمنية

 

تتمتع محافظة إيلام، بفضل حدودها مع العراق وامتلاكها حدود مهران الدولية، بمكانة خاصة ليس فقط في مجال حركة الزوار، بل أيضاً في أبعاد مختلفة مثل أمن الحدود، والتبادل الاقتصادي والعلاقات الثقافية والقواسم المشتركة التاريخية والتفاعلات الاجتماعية.

 

إن أي خلل أو عدم اتساق على طريق مهران – زرباطية لا يفرض عبئاً نفسياً ولوجستياً وخدمياً على الناس والمؤسسات فحسب، بل يؤثر أيضاً على الصورة العامة لهذا الحدث الضخم لدى الرأي العام.

 

ويعرف منفذ مهران الدولي بأنه أهم منفذ بري في البلاد لزوار الأربعين. على مدار العام، يعبر هذا المنفذ ما يقرب من 70% من الزوار الإيرانيين إلى العتبات المقدسة ويصل هذا الرقم إلى حوالي 4 ملايين خلال الأربعين.

 

وقد ضاعفت أهمية هذا المرور الجماعي الحاجة إلى التنسيق بين السلطات على جانبي الحدود وكانت زيارة محافظ إیلام “أحمد كرمي” إلى واسط استجابة واضحة وعملية لهذه الحاجة.

 

واتفق المحافظان، خلال هذه الزيارة، على سلسلة من الخطوات الرئيسية لتحسين ظروف الزوار، بما في ذلك تسريع تحسين الطرق المؤدية إلى زرباطية وتوفير المعدات والمرافق الأساسية عبر الحدود والتشاور بشأن إصدار التأشيرات بشكل أسرع وزيادة التنسيق في إدارة الحشود خلال أوقات الذروة، وأخيراً إنشاء مجموعات عمل تنفيذية مشتركة لمتابعة التفاهمات التي تم التوصل إليها بشكل مستمر.

 

وأعلن محافظ واسط “محمد المياحي”، خلال لقاء مع محافظ إيلام “أحمد كرمي” عقد يوم الإثنين 30 حزیران/ یونیو 2025، أن أهالي وحكومة واسط المحلية لا تعتبر إيلام محافظة حدودية، بل شريكاً استراتيجياً في تقديم الخدمات لزوار الإمام الحسين(ع)، ومستعدون لتقديم كافة الإمكانيات لتسهيل طريق مهران – زرباطية.

 

هدية المحافظ العراقي لنظيره الإيراني

 

من النقاط المثيرة للاهتمام في هذه الزیارة كان الترحيب المختلف من محافظ واسط، الذي قدّم لوحة مزينة بصورة ساحة آزادي في طهران بالصواريخ الإيرانية، مؤكداً على عمق التعاطف بين البلدين ومقاومتهما المشتركة للتهديدات.

 

إن إهداء هذه اللوحة التي تصور الصواريخ الإيرانية الصنع فوق ساحة آزادي لم يكن مجرد مبادرة رمزية، بل كان إنعكاساً للفهم المشترك العميق بين البلدين للتاريخ المعاصر وذاكرة النضال المشترك ضدّ الإرهاب والعزم على الحفاظ على ذاكرة المقاومة ضد عدوان الکیان الصهيوني وانتصار إيران على هذا العدو الخبيث.

 

وأظهرت هذه الخطوة مرة أخرى أن العلاقات بين إيران والعراق، خاصة في المناطق الحدودية، ليست علاقات سياسية أو اقتصادية بحتة، بل هي متجذرة في أسس ثقافية وأيديولوجية وشعبية.

 

تنشيط الأسواق الحدودية وتعزيز التجارة المحلية

 

من بين النقاط الجديرة بالملاحظة في هذه الزيارة تأكيد الجانبين على ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية والعلمية والثقافية طويلة الأمد بين المحافظتين، بما في ذلك تنشيط الأسواق الحدودية وتعزيز التجارة المحلية، خاصة في مجال تصدير المنتجات الزراعية والخدمات التقنية والهندسية والتعاون الأكاديمي والعلمي بين الجامعات في المحافظتين في شكل تبادل الطلاب وإدخال القدرات المشتركة وتشكيل حوار عام من أجل تقارب عام أكبر.

 

يُعدّ منفذ مهران الحدودي أحد أنشط مراكز التصدير في البلاد، إذ يصدر بضائع إلى العراق سنوياً تتجاوز قيمتها مليار دولار وتشمل معظم هذه الصادرات مواد البناء والمواد الغذائية والمنتجات البلاستيكية والمعدنية ويتركز سوقها الاستهلاكي في المحافظات المجاورة، مثل واسط وديالى والعاصمة بغداد.

 

ومن الواضح أن مثل هذه الزیارات، إذا لم تنته بمجرد إصدار بيانات وكانت مصحوبة بالترتيبات لتنفيذ الإتفاقيات، فإنها قد تؤدي إلى إعادة تعريف الحدود باعتبارها فرصة وليس تهديداً.

 

لقد كانت زيارة محافظ إيلام لمحافظة واسط العراقية، قبل كل شيء، نموذجاً ناجحاً للدبلوماسية الواقعية والميدانية وهي دبلوماسية تعتمد على الحوار المباشر والفهم الميداني للمشاكل والإرادة المشتركة لحلها.

 

ويمكن أن يكون هذا النوع من التعاون والتآزر نموذجاً فعالاً لإدارة حدود البلاد الأخرى وهي الحدود التي إذا تم التعرف عليها وتفعيلها بشكل صحيح، فلن تلعب دوراً في تنمية المناطق الحدودية فحسب، بل ستساعد أيضاً في تعزيز السلطة الوطنية والتماسك الإقليمي والتضامن الشعبي بين إيران والدول المجاورة.

 

وعشية تاسوعاء وعاشوراء والأربعين الحسيني، إذا تم تنفيذ الإتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال هذه الزیارة، فإن الزوار سوف يستفيدون من ثمارها وعلى المدى البعيد، سيصبح منفذ مهران منصة للتعاون الثقافي والاجتماعي والاقتصادي المستدام بدلاً من كونها منفذاً حدودياً.

 

وبشكل عام، يمكن اعتبار هذه الزیارة خطوة فعالة نحو تطوير العلاقات إلى ما هو أبعد من مجرد علاقات الجوار؛ علاقات من شأنها أن تعزز الروابط الثقافية والدينية العميقة وتمهد الطريق لاستغلال أفضل للقدرات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لكلا الجانبين.

 

 

المصدر: إرنا

الاخبار ذات الصلة