على أعتاب ملحمة الطف الخالدة

نهضة الإمام الحسين(ع).. صرخة حق هزّت صمت التاريخ

خاص الوفاق: عاشوراء لم تنتهِ حين سكنت السيوف، بل بدأت حين حملها الأحرار عبر الأزمنة.

في صحراء كربلاء، حيث الرمال كانت تُصلي للسماء وتبكي كأنها تعرف أن الزمان على وشك أن يتلاشى من وجعه، كُتبَ فصلٌ خالد من فصول الإنسان.

 

نحن على أعتاب يوم تاسوعاء، ويليه عاشوراء، اللذين لم يكونا مجرد تاريخين هجريين يُتلى ذكرهما فحسب، بل نافذتان مشرعتان على أسمى معاني الشجاعة، والوفاء، والعدل، بل على أعلى درجات الحب الإلهي المطلق.

 

نهضة الإمام الحسين(ع)

 

في لُجّة الزمن، حينما سكنت القلوب واستكان الناس لظلم الطغاة، وارتدى الحق ثوب الغياب، انطلقت نهضة الامام الحسين (ع) كصاعقة في وجه الظلام، وكأنّها قُدّت من نورٍ لا ينطفئ.

 

نهضة الإمام الحسين(ع) ليست حدثاً عابراً في صفحات التاريخ، بل هي «بداية جديدة» لفكرة الإنسان الحر، وسِفرٌ خالد يروي كيف يمكن للدم المراق على طريق الحق أن يُعيد تشكيل وجه الأرض والضمير.

 

حتمية الثورة

 

لم تكن واقعة كربلاء ثورة على واقعٍ سياسي فحسب، بل ثورة على انحدار القيم، وانهيار العدالة، وسكوت الأمة. قال الإمام الحسين(ع): «لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت من أجل الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص)» بهذا الإعلان، بَدَأت رحلة التحدي… لا ضد جيشٍ مددج بآلاف السيوف، بل ضد السكون، ضد الاستسلام، ضد الانحناء.

 

كربلاء… المسرح المقدّس

 

في رمال الطفّ، رُسمت واحدة من أعظم ملحمات البشرية. كان الإمام الحسين(ع) مدرسة تمشي، تحمل على كتفيها رسالة السماء، وتسقي الأرض بدماء الأحرار.

 

لم تكن كربلاء هزيمة، بل انتصارٌ في جوهر المأساة. لقد انتصر الامام الحسين(ع) لأنه لم يُساوم، لأنه قال «لا» حين كان «السكوت» يساوي النجاة. وبذلك، وضع أساساً جديداً لفكرة المقاومة، حيث يصبح الإنسان صاحب موقف أغلى من حياته.

 

تاسوعاء.. الصمت الذي يسبق العاصفة

 

تاسوعاء ليس يوم النضال، بل يوم الانتظار. هو اليوم الذي فيه تقف الأرواح على أطراف قلوبها، تتهيأ للعبور نحو الأبدية. في ذلك اليوم، كان معسكر الامام الحسين(ع) في هدوءٍ حزين، كأنّ الكون كله يتنفس بتثاقل، وكأن الوقت يسير على رؤوس النبال. كان سيدنا العباس(س)، قمر بني هاشم، يتأمل الفرات الذي يفصله عن عطش الأطفال، وتُقاوم دموعه سطوة الحنين والرغبة في الفداء. وكان الإمام الحسين(ع) ينظر في وجوه أصحابه، يرى في أعينهم مرآة اليقين، وفي صمتهم أنشودة الشهادة.

 

عاشوراء.. حين تتكلم الدماء الطاهرة

 

ثم جاء عاشوراء، اليوم الذي خرج فيه الإمام الحسين(ع) ومن معه ليس طلباً للسلطة، بل طلباً للحق. لم يكن ذلك صراعاً بين جيشين، بل مواجهة بين الحق والباطل، بين الإنسانية والوحشية، بين النور والظلام.

 

وقف الامام الحسين(ع) شامخاً، يُحدّث التاريخ بأكمله، لا بكلماتٍ فقط، بل بموقفه، بهيبته، بصبره. لقد خُلّد عاشوراء لا لأن الدماء سُفكت، بل لأن المبادئ علت فوق السيوف، ولأن صمت الأمهات وصبر السبايا أضحى أكثر بلاغة من الصراخ.

 

الإلهام الأبدي

 

ما يجعل تاسوعاء وعاشوراء أبديين، ليس فقط ما حدث فيهما، بل كيف استمر صداها في أرواح البشر. في كل عام، يُستعاد الوجع لا ليُكَرَّس الحزن، بل لتُجدَّد العزيمة، ولتفهم الأجيال القادمة أن الإنسان حين يرتقي بمبادئه، يصير أكبر من الزمن.

 

ذكرى عاشوراء تُلهم الثائرين، تُبكي العاشقين، وتعيد تشكيل ملامح الإنسان المؤمن بالحق. إنّه يوم تحوّل فيه الرمل إلى شهيد، والماء إلى أمنية، والدم إلى درس خالد في الكرامة.

 

إقامة العدل

 

لقد أعلن سيد الشهداء(ع) بصراحة أن هدفه من ثورته هو إقامة العدل، فالمعروف لا يعمل به والمنكر لا يتناهى عنه، لذا فهو اراد إقامة المعروف ومحو المنكر، فجميع الانحرافات منشؤها المنكر، وما عدا خط التوحيد المستقيم فكل ما في العالم منكرات، ويجب أن تزول.

 

ونحن الموالون لسيد الشهداء(ع) السائرون على نهجه ينبغي لنا النظر في حياته، وفي ثورته، التي كانت الدافع للنهي عن المنكر ومحوه.

 

التضحية بالنفس وأهل البيت (ع)

 

لقد ضحى سيد الشهداء(ع) بكل ما يملك وضحى بنفسه وأطفاله وبكل شيء وكان يعلم أن الأمر سيؤول إلى ما آل إليه، وإذا رجعنا إلى أقواله وتصريحاته وهو يهم بمغادرة المدينة إلى مكة وعندما خرج من مكة إلى كربلاء سنجد أنه بصير بما كان يفعل.

 

لم يكن أنه يجرب أو يجازف في تحركه او ليعلم هل ينجح أم لا، بل أنه كان قد تحرك ليتسلم زمام الحكومة، وهذا مبعث فخر له ومدعاة افتخار، والذين يتصورون أن سيد الشهداء(ع) لم ينهض لأخذ زمام الحكم فهم مخطئون، فسيد الشهداء(ع)  انما جاء وخرج مع صحبه لتسلم الحكم لان الحكومة يجب أن تكون لأمثال سيد الشهداء(ع) وأمثال شعيته.

 

لقد كان الامام الحسين (ع) يفكر بمستقبل الإسلام والمسلمين باعتبار أن الإسلام سينتشر بين الناس نتيجة لتضحياته ولجهاده المقدس وان نظامه السياسي والاجتماعي سيقام في مجتمعنا، فرفع لواء المعارضة والنضال والتضحية.

 

كان التكليف يوجب على سيد الشهداء(ع)، أن يقوم ويثور ويضحي بدمه كي يصلح هذه الأمة ويهزم راية يزيد، وهذا ما فعله، لقد ضحى بدمه ودماء أبنائه وكل شيء من أجل الإسلام.

 

ما بعد الدم… ولادة الوعي

 

عاشوراء لم تنتهِ حين سكنت السيوف، بل بدأت حين حملها الأحرار عبر الأزمنة، حين أصبح كل شهيد في كربلاء فكرة، وكل دمعة على الخد، عهداً جديداً للكرامة.

 

لقد غدا عاشوراء مدرسة لا يُتخرج منها إلا النبلاء، من آمنوا أن الموت لأجل الحق حياة، وأن البكاء ليس ضعفاً، بل اعتراف بجلال التضحية.

 

 

 

 

المصدر: الوفاق-خاص