مأزق الانضمام للناتو أوكرانيا..

بين المطرقة الروسية وسندان الأطلسي

رغم دعم الناتو العسكري واللوجستي لم تمنح أوكرانيا العضوية بسبب ميثاق الحلف الذي ينص على أن أي هجوم على دولة عضو يعتبر هجوماً على الجميع، ما يعني مواجهة مباشرة مع روسيا وهو ما لا تريده دول الحلف

 منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، تغيّرت ملامح الأمن الأوروبي بشكلٍ جذري. لم تعد أوكرانيا مجرد دولة تسعى للاندماج في المنظومة الغربية، بل أصبحت ساحة صراع مفتوح بين الشرق والغرب.
وبينما ترى كييف في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضمانةً لأمنها، تعتبر موسكو ذلك تهديدًا وجوديًا. ومع استمرار الحرب، أصبحت مفاوضات الانضمام إلى الناتو أكثر تعقيدًا، حتى وصفتها الخارجية الأوكرانية مؤخرًا بأنها «سامة»، ما يعكس حجم الإحباط السياسي في كييف.
من التعاون إلى التصعيد.. تاريخ العلاقة بين أوكرانيا والناتو
بدأت العلاقة بين أوكرانيا والناتو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، حين بدأت كييف في بناء علاقات مع الغرب، لكنها حرصت على عدم استفزاز روسيا. في قمة بوخارست عام 2008، أعلن الناتو أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان يومًا ما، دون تحديد جدول زمني. هذا الإعلان أثار غضب موسكو، التي اعتبرته تجاوزًا للخطوط الحمراء.
في عام 2014، وبعد ثورة الميدان الأوروبي والتي اندلعت في أوكرانيا،  شهدت البلاد تحولات سياسية واجتماعية كبيرة، كما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم.
نقطة التحول في طموحات كييف
مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، لم يعد الحديث عن الناتو مجرد طموح سياسي، بل أصبح مطلبًا وجوديًا. الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قال في إحدى تصريحاته: «إذا لم يكن لدينا ضمانات أمنية، فإننا بحاجة إلى عضوية الناتو فورًا».
لكن الناتو، رغم دعمه العسكري واللوجستي، لم يمنح أوكرانيا العضوية. السبب؟ المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تنص على أن أي هجوم على دولة عضو يُعتبر هجومًا على الجميع مما يعني مواجهة مباشرة مع روسيا، وهو ما لا تريده دول الحلف.
مواقف دولية متباينة.. بين الدعم والتحفظ
الولايات المتحدة، رغم كونها القوة الأكبر في الناتو، اتخذت موقفًا حذرًا. دونالد ترامب ووفق تصريحات الأمين العام للناتو، أزال ملف انضمام أوكرانيا من طاولة المفاوضات معتبرًا أن ذلك «ليس في مصلحة أميركا».
وفي شباط/فبراير الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إنّ «الولايات المتحدة لا تعتقد أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي هي نتيجة واقعية للتسوية الدبلوماسية للصراع مع روسيا». ألمانيا، من جهتها، دعت إلى التركيز على دعم أوكرانيا عسكريًا بدلًا من مناقشة عضويتها. المستشار أولاف شولتز شدد على أن قمة الناتو يجب أن تركز على تعزيز قدرات كييف الدفاعية. أما بولندا، التي تُعد من أكثر الدول دعمًا لأوكرانيا، فقد عبّر رئيسها «كارول نافروتسكي» عن أن انضمام كييف للناتو غير ممكن حاليًا بسبب الحرب، مؤكدًا أن الحلف لا يستطيع تحمل تبعات تفعيل المادة الخامسة في ظل النزاع المستمر.
روسيا، بطبيعة الحال، تعتبر انضمام أوكرانيا للناتو «خطًا أحمر»، الكرملين حذّر مرارًا من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تصعيد غير مسبوق، وقد تدفع موسكو إلى اتخاذ إجراءات عسكرية مباشرة ضد دول الحلف، فقد صرح الرئيس فلاديمير بوتين قائلاً: «ما لم نحققه بالمفاوضات، سنحققه بالعمليات العسكرية»، في إشارة إلى رفضه القاطع لانضمام أوكرانيا للناتو.
مفاوضات «سامة».. إحباط كييف المتزايد
في يوليو/ تموز 2025، وصف المتحدث باسم الخارجية الأوكرانية، جورجي تيخي، مفاوضات الانضمام بأنها «سامة»، مشيرًا إلى أن كل جولة تنتهي دون تقدم. هذا التصريح يعكس شعورًا متزايدًا بالإحباط داخل كييف، التي ترى أن الغرب يتردد في منحها العضوية رغم التضحيات التي قدمتها، وقد عبر زيلينسكي عن خيبة أمله قائلاً: «لقد قدمنا كل ما يمكن تقديمه، لكننا لا نزال نُعامل كدولة هامشية».
عقبات قانونية وسياسية
من الناحية القانونية، لا يوجد ما يمنع الناتو من قبول أوكرانيا كعضو. لكن من الناحية السياسية، هناك العديد من العقبات منها استمرار الحرب ما يجعل العضوية محفوفة بالمخاطر وهناك انقسام داخل الحلف حول توقيت الانضمام وكذلك التخوف من التصعيد العسكري مع روسيا، والحاجة إلى إصلاحات داخلية في أوكرانيا، خاصةً في مكافحة الفساد.
كما أن بعض الدول الأعضاء ترى أن قبول أوكرانيا قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع، لأن روسيا ستعتبر ذلك إعلان حرب، وقد تفتح جبهات جديدة في أوروبا الشرقية.
ماذا ينتظر أوكرانيا؟
هناك عدة سيناريوهات أمام أوكرانيا منها الانضمام بعد انتهاء الحرب وهذا السيناريو   يتطلب وقف إطلاق النار، واستقرار سياسي، وتنفيذ إصلاحات داخلية، وهو قد يكون مقبولًا لدى معظم دول الحلف، أمّا السيناريو الثاني فيقوم على اتفاقيات أمنية ثنائية وذلك في حال تعذر الانضمام الرسمي حينها قد تلجأ أوكرانيا إلى توقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا التي ستمنحها حماية جزئية، والسيناريو الثالث تعزيز التعاون دون عضوية، فقد يواصل الناتو دعم أوكرانيا عبر إنشاء مجالس مشتركة وتقديم مساعدات عسكرية دون منحها العضوية الكاملة، وآخرها تجميد الملف مؤقتًا ففي حال استمرار الحرب فقد يتم تجميد ملف الانضمام مع إبقاء الباب مفتوحًا للمستقبل.
بين الحلم والواقع
الحرب الروسية الأوكرانية أعادت تشكيل الأمن الأوروبي، ودفعت أوكرانيا إلى المطالبة بعضوية الناتو كضمانة استراتيجية. لكن الواقع الجيوسياسي، والمخاوف من التصعيد، والمواقف المتباينة داخل الحلف، جعلت هذه المفاوضات تدخل مرحلة «سامة»، كما وصفتها كييف. فهل سيكون الناتو مستعدًا لقبول أوكرانيا كعضو كامل؟ أم أن الحسابات السياسية ستبقيها على هامش الحلف؟ الإجابة لا تزال معلّقة، بانتظار نهاية الحرب وتغير موازين القوى.
المصدر: الوفاق