يصادف اليوم الأربعاء يوم أدب الأطفال والناشئين في إيران، ففي يومٍ خصص لإحتفاء الكلمة بالبراءة، يُطلّ علينا هذا اليوم كي نُعيد اكتشاف ذلك العالم المتخم بالخيال، حيث تلتقي الأسطورة بالفطرة، واللغة باللعبة، والهوية بالحكاية.
يُعد أدب الأطفال في إيران أكثر من مجرد قصص تُروى قبل النوم؛ إنه منصة تربوية–وجدانية تنقل القيم الثقافية والدينية والروحية بلغة الحلم والتشبيه.
وقد استطاع هذا الأدب، منذ نشأته، أن يبني جسوراً بين الأجيال ويُحافظ على الإرث الشعري والحكمي الإيراني عبر قالب قصصي بسيط وعميق في آنٍ واحد.
الحكاية كصوت الأمة
أدب الأطفال في إيران لا يهدف فقط إلى التسلية، بل هو رسالة وطنية–عاطفية تنقل القيم الثقافية بلغة الفن. في هذا الأدب نجد اهتماماً باللغة الفارسية في صورها الشعرية والبسيطة، لتغدو منبراً لغوياً لصقل الذائقة المبكرة.
دمجاً بين الفن التشكيلي والقصّة من خلال كتب مصوّرة تُراعي جماليات الخط الفارسي وفلسفة الصورة.
حضوراً واضحاً للمناسبات الدينية، مثل عاشوراء ومولد النبي (ص)، في قصص تُعيد رسم مشاهد المحبة والتضحية بلغة الأطفال.
الطفل الإيراني كمتلقٍ واعٍ وناقد
الطفل الإيراني في الأدب لم يُعامل بوصفه عقلاً ناقصاً، بل ككائن يفكّر، يُجادل، ويبحث عن المعنى. لذلك تجد أن القصص تطرح أسئلة وجودية بلغة رمزية، كالبحث عن الحرية، الحقيقة، والانتماء. تُقدّم نماذج بطولية غير نمطية؛ كالبطل الضعيف الذي يهزم الظلم بالذكاء. تربط الطفل بالمجتمع والموروث، دون أن تفرض عليه نموذجاً جامداً.
الحكاية حين تُصبح جسراً بين الثقافات
تُعد كلير جوبرت من أبرز الكاتبات والرسّامات في أدب الأطفال الإيراني المعاصر، وهي أمريكية الأصل اعتنقت الإسلام وهاجرت إلى إيران، لتُقدّم أعمالاً تُجسّد التقاطع بين الهوية الإسلامية والخيال الطفولي.
من أبرز مؤلفاتها: أنا أحب الحجاب، صديقي الجديد علي، الفتاة التي أحبّت القرآن وغيرها.
تتميّز أعمالها بالبساطة العاطفية، والرسومات اليدوية التي تُضفي على النص روحاً حنونة، وتُقدّم الإسلام للأطفال بلغة الحب والفضول، بعيداً عن التنميط أو التلقين.
القصّة كنافذة تربوية- إجتماعية
أما السيد محسن إماميان، فهو من الكتّاب والباحثين الذين ساهموا في تطوير أدب الأطفال من منظور تربوي–اجتماعي، حيث ركّز في أعماله على: الهوية الوطنية والدينية، العدالة الاجتماعية والوعي التاريخي، اللغة الفارسية بوصفها أداة للتمكين الثقافي.
يتميّز أدب الأطفال الإيراني أيضاً بتطوّر كبير في فن الرسم التوضيحي، حيث تتكامل الصورة والنص لتُنتج تجربة سردية متعددة الحواس. وقد أسهمت دور نشر كـ”شباویز” و”نشر افق” في تعزيز هذا الفن، كما نالت أعمال إيرانية جوائز في مهرجانات عالمية كـ”بولونيا” و”IBBY”.
احتفال لا ينتهي
في يوم أدب الأطفال والناشئين، تحتفل إيران بذاكرتها الجماعية وبالأحلام التي كُتبت بلغة البراعم. إنه يوم يعترف بأن كل قصة تُروى لطفل هي بذرة لوطنٍ أقوى، أكثر حباً وخيالاً.