الوفاق/ ودّعنا شهر رجب المبارك وحلّ بنا شهر شعبان الذي في بداياته ذكرى ولادة سادتنا الأقمار الهاشمية المنيرة، فهو شهر رسول الله (ص)، وشهر أفراح المؤمنين بميلاد الإئمة الأطهار، فنحن على أعتاب ذكرى مواليد الأنوار المحمدية الإمام الحسين ابن علي وأخيه أبي الفضل العباس والإمام زين العابدين عليهم السلام.
هاهو شهر شعبان قد أقبل بالفرح
والمحبة ومشعاً بنوره الوضاء
متباهياً على باقي الشهور
بما يحمله من نور أهل البيت الأطهار
وعبق أفراحهم السعيدة وشذى عبيرهم السني
الذي يفوح في سماء حب محمد وآل محمد
وفي قلوب الموالين
نحن على أعتاب الأعياد الشعبانية، ميلاد الإمام الحسين (ع)، سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبيّ في هذه الأُمّة، سيّد الشهداء وشهيد كربلاء الذي بذل مهجته لإصلاح أُمّة جدّه، وكذلك ميلاد الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) وهو سيّد الساجدين.
وكذلك ميلاد سيدنا العباس بن علي بن أبي طالب المعروف بـأبي الفضل، هو أخو الإمام الحسين(ع) أبن علي وأحد أصحابه في واقعة الطف ويعد شخصية مهمة لدى المسلمين، أمه هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية التي كنيتها أم البنين عليها السلام والذي كان صاحب اللواء يوم العاشر من المحرم.
ومهما حاولنا الحديث عن حياة أولئك العظماء منذ الولادة، فإننا سنجد أقلامنا تنساق ناحية المنظومة المتكاملة التي تمثلت في كربلاء المقدسة من خلال ثلاث قيم أساسية كان أهمها التضحية الحسينية والشجاعة العباسية والصبر والحكمة السجادية من خلال مواقف الإمام زين العابدين (ع) قبل وأثناء وبعد استشهاد والده الحسين (ع).
الإمام الحسين (ع)
كان الإمام الحسين (ع) منذ ولادته بشير سعادة ورجل تحرير، لا تحرير من عبودية الطاغوت وأغلال الذل فحسب، بل تحرير الخلق من كل شقاء طويل كما في قصة الملك فطرس الذي ببركة مولده (ع) أعيدت له القدرة على الخروج من تلك الجزيرة النائية، فكانت بشائر الحرية في حياة هذا المولود العظيم جلية منذ اللحظات الأولى لولادته، ليأتي الرسول الأعظم (ص) بتبيين عظمة هذا المولود في محطات عديدة من طفولته ليجعله حجة على البشرية الناكثة.
أبوالفضل العباس (ع)
ام البنين (س) تحمل وليدها وكانه فلقة من نور، نور على نور تسبح الاضواء على محياه الأجمل وترسم ابتسامة ملكوتية تطمئن النفس وتبعث فيها الحياة وجه الهي يتوسم الطهر به ويسموا نحو مرايا الحب الكلمات تعجز عن وصف جماله وتنحني لإشراقة فمه عيناه صبح يستفيق النهار على سحرهما، وضعته ام البنين في حجر ابيه اسماه العباس ومعناه الاسد الذي تفر منه الأسود، إنه قمر الإمامة.
تتمثل الشجاعة الحيدرية بميلاد قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (ع) الذي شاءت إرادة الله أن يكون يوم مولده بعد أخيه الحسين (ع) كإشارة إلى أن ولادته جاءت لتشد به أزر أخيه الحسين (ع).
الإمام السجاد (ع)
وللصبر والحكمة باب آخر مثّله سيد الساجدين الإمام زين العابدين (ع)، فكان مثالاً واعياً للحكمة السياسية والرسالة الإعلامية بعيدة المدى، فلم يلجأ إلى الخيار العسكري ضد قاتل أبيه الحسين (ع) لعلمه بمدى الطيش الذي ينتهجه يزيد بن معاوية الذي ربما ينتهي الأمر به بتصفيته (ع) والقضاء على النسل المحمدي، فلجأ الإمام السجاد (ع) إلى القيام بدور إعلامي متميز يوصل عبره لعامة الناس الجاهلة حقيقة ماجرى.
لعب الإمام السجاد (ع) دوراً كبيراً في تربية وتخريج جيل من العلماء والمبلغين إلى الأقطار قاطبة مع إعداد المؤمنين روحياً في كل العصور من خلال التراث الضخم من الأدعية والمناجات التي تركها (ع) في الصحيفة السجادية المعروفة بـ “زبور آل محمد”.
هناك أشعار وتراث أدبي كبير يتطرق إلى موضوع حب أهل البيت عليهم السلام ونرى أن جميع الفنانين يعرضون غاية فنهم في مراقدهم الشريفة، فهي كثيرة جداً ولا يمكننا أن نذكر جميعها فكأنموذج نذكر بعض اللوحات التي رسمت بحبهم.
لوحة عصر عاشوراء
هذه اللوحة من ابداع الفنان الايراني محمود فرشجيان وهي من اشهر لوحاته واكثرها انتشاراً،اطلق عليها تسمية عصر عاشوراء كونها تمثل مشهدا دارت وقائعه عصر يوم العاشر من محرم الحرام بعد انتهاء المعركة وقبيل توجه مشاعل الطغاة لحرق الخيام المقدسة.
تمثل هذه اللوحة مشهداً واقعياً استقاه الفنان من واقعة الطف الاليمة يوم استشهاد سيدي ابا الأحرار عليه السلام، تلك الفاجعة التي ابكت ملائكة السماء ومازالت،حيث يصور الفنان فرس الإمام الحسين (ع) حين عودته الى الخيام وهو هائج هياجاً شديداً.
لقد جاء اختيار الفنان للألوان وفقا لمتطلبات البعد النفسي والروحي للموضوع لما يحمله من مأساة مرتبطاً بالخبرة الفنية بغية تكثيف الشعور واسقاطه كمدركات بصرية على اللوحة ، فعند تحول اللون الى شكل تبدأ اللوحة بالحديث عن مكنوناتها بلغة العاطفة والانفعال الوجداني فالمتلقي يستقبل تلك الرسالة البصرية ويترجمها وفقاً لما يمتلكه من خبرة في هذه اللغة (ثقافة فنية) فضلا عن تأثره بالحدث الذي تصوره اللوحة وذلك نراه جلياً في هذه اللوحة للفنان محمود فرشجيان حينما قام بأسقاط عواطفه وانفعالاته الوجدانية متأثرا بهذا المشهد الأليم ممزوجة بتجربته وخبرته اللونية لانشاء هذه الصورة المؤثرة والمعبرة .
تصميم ضريح الإمام الحسين (ع)
كان فرشجيان، المقيم في الولايات المتحدة، طالما تضرع الى الله وائمة اهل البيت (ع) بأن يحظى بفرصة تصميم الضريح الجديد للامام الحسين بن علي (ع) في كربلاء، الذي تبنّت الجهات الدينية الايرانية قرار تشييده خلفا للضريح السابق الذي شيده الهنود قبل نحو 300 عام.
وتحققت امنية فرشجيان بعد ان القى المعنيون بتشييد الضريح، على عاتقه مهمة تصميم وتشييد هذا الضريح، الذي تحوّل الى تحفة فنية نفيسة قل مثيلها. وهذا الفنان ليس فقط رفض ان يتقاضى اجرا على جهوده، بل حتى انه كان يرفض تقبل تكاليف السفر من الولايات المتحدة الى ايران لمتابعة سير العمل في تصميم وتشييد الضريح، وذهب الى ابعد من ذلك حين ساهم هو أيضا بالدعم المالي الشعبي لهذا المشروع، واستخدم في تشييد الضريح الجديد 5 اطنان و350 كيلوغراما من خشب الصاج، و4 اطنان و600 من الفضة، و118.650 كيلو غراما من الذهب الخالص، ووصل وزن الضريح النهائي الى نحو 12 طنا، في حين راوحت سماكة صفائح الفضة والذهب المستخدمة في الضريح بين 3 الى 4 مليمترا.
لوحة “يا ساقيَ الظِّماء”
وكذلك لوحة من اعمال الفنان التشكيلي الايراني الشاب “حسن روح الامين” بمناسبة ميلاد الإمام الحسين (ع)، ولوحة أخرى تحت عنوان “يا ساقيَ الظِّماء” وهي جزء من سلسلة لوحاته الفنية التي اختصت بمحاكات احداث واقعة الطف الاليمة ، ممثلا فيها شخص المولى ابي الفضل العباس عليه السلام وهو يقف قريبا من الماء، وقد نفذ العمل بتقنية الزيت على القماش بمزيج متناغم سلس من الالوان الباردة.
سعى روح الامين في هذا المنجز الفني للمزج بين ذاته وموضوع الرسمة من خلال تكريس خبرته الجمالية التي اكتسبها بسعة اطلاعه على تأريخ الواقعة وثقافته الفنية المتراكمة، حيث اظهر حالة معينة من الاندماج بين اجزاء اللوحة تشد القارئ وتدفعه للغور في احداثها والتأثر بها بشكل لا أرادي..
عمد الفنان الى استحضار كل مفرداته الممكنة للتوسيم ألزماني والمكاني للحدث المنشود من اللوحة ، فالمشهد إقرار كامل للمرجعية الواقعية فالقمر والماء دليل على ذلك فهي علامات لازمة في استكمال المحاكاة الواقعية لشخصية ابي الفضل عليه السلام ، فعملت الانطباعية هنا دورها كأساس للتعبير واختيار الزمن حتى تتيح فرصة كاملة للألوان والخطوط أن تمثل مشهداً جماليا حاضناً للعنصر الأساسي للمشهد مع العلامات المجاورة التي استكملت طريقة بناء رمزه بشكل او بآخر.
تم تشييد التكوين الجمالي وفق مستوى شكلي وآخر دلالي، والشكلي جعل من خلاله الرسام تكويناً مفتوحاً حاضناً لكل العلاقات اللونية والخطية والتنظيمية لإنتاج أشكالاً تقترب من فكرة الموضوع الأساسية، اما الدلالي فأتى به روح الامين من خلال إرساله لمجموعة من العلامات المدركة جمعياً في الذهن (الراية، القربة، الماء، القمر، القلنسوة والريشة الخضراء)، والتي يستدل من خلالها إلى شخصية المشبه له بغض النظر عن البحث في عملية التطابق أن صحت أم لم تصح، ولذلك أصبحت هذه العلامات من اللوازم عند استحضار شخصية أبي الفضل العباس عليه السلام.
أن أدوات التعبير الأساسية “الخط واللون”، لا يمكن لها أن تبني شكلاً دون الرجوع إلى مرجعياته التاريخية والعقائدية في مثل هذه المواضيع، “وهي سمة اختصت بها الرسوم المعبرة عن واقعة ألطف”، ولذلك حاول الرسام أن يمثل الجمال الطبيعي في أشكاله “الفارس والفرس”، فكانت اللوحة جميعها عنصراً رئيساً سيادياً، فهي كل الموضوع، وبدأت العملية التنظيمية والتنسيقية في بناء اشكال اللوحة بطريقة نحتية حولت فرشاة الرسام إلى أزميل نحت يصوغ بدقة عالية بناء شكله عبر الاعتناء بخطه ولونه.
أن الانفعال العاطفي والوجداني وضواغط العقيدة جعلت من الرسام أن يبدع صورة جمالية تعكس فكره وجهده في التعبير والتأثير، فالأشكال ما زالت حيوية وضربة الفرشاة ليحيلنا إلى جريان الماء وصفاء الجو، وجمال المنظر لينقل المتلقي من خلالها إلى حب وعشق يبعده عن الإحساس بجو معركة الطف ، فغاية الرسام أن يمثل الشخصية بروحها ومنزلتها الدينية أما حضور عدتها ما هي إلا ضرورة توصيلية لأدراك معنى العمل وفكرته الأساسية فحقق الشكل جماله وقبوله .
لوحة الوداع
“لوحة الوداع” من ابداعات الفنان حسن حمزة شاهر في العراق، رُسِمت سنة 2010 ميلادي قياس 250×140 سم؛ تناولت هذه اللوحة تجسيد لحظة تُعدُّ من أصعَب ما واجهَهُ سيد الشهداء في الطف، ومن أكثرها ألماً على قلبه، وهي عندما استشهدَ أخوهُ العباس (ع).
لوحة “الوداع” تضمنت تصوير مشهد التوديع الأخير للنساء والأطفال الذين التفوا حَوْلَ الإمام الحُسين (ع)، الذي أطفى عليه أنغام الحُزن وفضاء الألم، والجمع بين الإبداع الفني والإعجاز التقني الحرفي، المنصهر في ثنايا المشهد الذي يخيم عليه هول الموقف، ونهاية فصول الفاجعة الأليمة، حيث أول ما يتجلى في طلتها الأولى على عين المتلقي الألم والحُزن المتجلي في شخص الإمام سيد الشجعان وهمام الغيارى، وهو لا يملك سوى أن يُودِّع كل من حوله من أهل بيته العُزل وابنه الذي يُصارعُ المرض ليرتمي في بحر السيُوف والرِّماح لتطرز على جسدهِ الشريف قصيدة الاباء والخلود عبر الزمان والعُصُور.
وأرادَ الفنان من خلال التفاصيل الدقيقة في ثنايا الطبيعة المحيطة والمحتضنةُ للمشهد، أن يضفي للعمل الفني ثقله التعبيري، والأسلوب الحِرفي الفني، الذي يرفع بطبعه من قيمة العمل الفني ويرفعه من الناحية الجمالية وزيادة التأثير على المتلقي، فكان عملاً فنيّاً له ثقله ومكانته ومضمونه ، ولم يُسبق بنظير على مستوى العالم العربي والعالمي؛ من حيث المضمون والطرح الإبداعي.
لوحات نسيجية تراثية
كما أن الكوادر المتخصصة بمجال نسج و ريافة السجاد تقدّم اعمال ترميم السجاد القديم الخاص بمرقد الامام الحسين (ع) الذي تعرض للضرر نتيجة العوامل الطبيعية، وكذلك نرى أن هناك سجادة ثمينة كتب عليها زيارة عاشوراء وقد أحيطت بأشعار فارسية من نظم فتح اله قدسي (فؤاد كرماني) المتوفى سنة 1340هـ، وهي في رثاء الإمام الحسين عليه السلام وقد فصل بين بيت وآخر بـ (الله محمد علي فاطمة حسن حسين)، وأيضاً سجادة ثمينة أخرى وقد تم عليها نقش فرس الإمام الحسين (ع) العائد الى خيم النساء وبكاء النسوة حوله.
طهرتم فكنتم مديح المديح
وكان سـواكم هجـاء الهجاء
قضيت بــحبــكــم ماعليَّ
إذا مادعيتُ لفصل القضـاء
وأيـقـنـتُ أن ذنـوبــي بـه
تساقط عنها سقوط الهباء
فصلّى عليكم آل الــورى
صلاة توازي نجوم السـماء