في حوار خاص:

إبنة سيد عباس الموسوي للوفاق: السيد عباس كان لي الأب والصديق ورفيق الدرب

الوالد لم يكن لأسرته فقط بل كان ملكاً لكل الناس لكل المحبين ملك لله عزوحل وُملك لهذا الخط الذي يعمل على أساسه ولخدمته

2023-02-22

عبير شمص

الوفاق/ خاص

تطلّ علينا هذه الأيام  ذكرى القادة الشهداءوقد تعززت ساحات الجهاد أكثر وأكثر بآلاف القادة والمجاهدين البواسل، وأينع ثمر غرس الشهداء على خط متّسع ومتنام ذوّب الحدود المصطنعة بين العديد من الأقطار الإسلامية.

تطل علينا الذكرى وقد وعت الأمة أحقّية خطابات قادتنا الشهداء والأحياء، وكيف أن الدماء التي تسقط في سبيل الله تسقط في يد الله لتنمو وتكبر، كما عبر عن ذلك: شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب.

تطل علينا الذكرى وقد أضحت الأمّة على وقع مؤامرات الصهاينة في منطقتنا، والدماء التي سالت وما تزال بسبب ذلك، مقتنعة بخيار المقاومة الإسلامية أكثر كونه الخيار الوحيد الذي أثبت أنه يذبّ عن حريم الأمة ويحمي مقدساتها، ويحفظ لها كرامتها، ولتتعزز مع ذلك وصية سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي في خطابه الشهير، بأن الوصية الأساس هي حفظ المقاومة الإسلامية.

تطل علينا هذه الذكرى في زمن رأينا فيه كيف أنّ الحرب مع الأعداء كانت ومازالت حرباً شرسة وصعبة، وأنّ العدو لم يترك وسيلة إلا استفاد منها لقهر المجاهدين في ميادين القتال، ولكن بسالة مجاهدينا وإيمانهم وابتكار الأساليب الإبداعية في المجال العسكري، قهرت العدو وأفشلت مخططاته، وكان قائد هذه الانتصارات عقل عماد شهداء المقاومة الإسلامية القائد الفذ عماد مغنية.

لتعريف الأجيال بأحد هؤلاء القادة الشهداء، وهو  السيد عباس الموسوي، سنحاول في بضعة أسطرٍ إفشاء بعض حنايا حياته الدّفينة، علَّها لم تظهر مسبقًا للعلن.. فيرتقي بنا المشهدُ بدايةً لنسير مع ركب ” السيد” الإنسان، الأب، والزوج.. نتلمس خطاها، ونستشعر رقتها، ونعود إلى زمانه، ونحن لم ولن نتخلى يومًا عن تقفِّي آثاره… وهذه هي الحكاية.. التي روت فصولها لصحيفة الوفاق في لقاءٍ خاص السيدة بتول إبنة السيد عباس الموسوي، وفيما يلي نص الحوار بينهما:

في أسبوع ذكرى القادة الشهداء، شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب وسيد شهدائها السيد عباس الموسوي وزوجته الشهيدة العالمة أم ياسر الموسوي الوالدة العزيزة والشهيد حسين، وعماد المقاومة الحاج عماد مغنية، أعاهد الشهداء وإمام الزمان (عج) أننا على نهجهم سائرين وأننا سنحفظ الوصية، لأن شهداءنا القادة هم النموذج والقدوة لنا ولكل الأجيال.

ما هي أهم صفات الوالد الشهيد؟

الشهيد السيد عباس الموسوي الوالد العزيز هو قدوة، كان يجمع القيادة والقدوة في سيرة حياته، وأخلاقه وتواضعه وإخلاصه وصبره وكل تضحياته وبفكره وإيمانه التام واقتناعه بخيار المقاومة هذا الخيار الوحيد الذي ثبت أنه المدافع عن المقدسات وعن الأمة والحافظ لها كرامتها والوقوف بوجه كل المؤامرات والتغلب عليها. الشهيد الوالد لا يحتاج منا إلى ثناءِ أو مديح وإنما كان يطلب الأجر من الله (سبحانه وتعالى) الذي بذل الروح في سبيله ومن أجله وأفنى حياته وترك الدنيا وما فيها، فهو لم يستشهد من أجل شيءٍ من حطام الدنيا وإنما كان مصداق للأية القرآنية الواردة في سورى آل عمران: ” فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” ،” يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ “، وهو الذي أفنى حياته من أجل الإسلام فكان يعتبر نفسه جندياً من جنود الإسلام لخدمة المقاومة وخدمة الناس وكان أحب صفة على قلبه هي  خدمة الناس لأن أحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله.

كيف كانت العلاقة بين الوالد والوالدة؟

ربطت بين الوالد والوالدة علاقة مقدسة، كان الراعي لها هو الله سبحانه وتعالى، إذ كان لها امتداد عاطفي وانساني وروحي مرتبط بأهداف مشتركة للعيش في سبيل الله وكان هذا فعلاً أفضل هدف حقيقي يمكن أن يعيش الإنسان لأجله في أموره كلها، وإلا تكون حياته بلا معنى. كنا نرى بين الوالدين المحبة والاحترام والعشق والانسجام والتوافق بكل الأمور، جمعتهم حياة مشتركة بكل تفاصيلها العائلية والسياسية والجهادية والاجتماعية والعبادية والعلمية وكانت مشتركة أيضاً بالشهادة. إذا غاب أحدهم  يفتقده الأخر، كانا شريكين في العلم والعمل وكان كل منهما سنداً للآخر وعوناً له في أداء دوره وتكليفه، جمعت الوالدين العديد من الصفات الحسنة من زهد وتواضع مع الأسرة ومعارف وكل من التقى بهم. كما كانت كل علاقاتهم مع الجميع مبنية على الحب، وما الدين إلا الحب، كنا نرى تكاملاً بين روحي الوالد والوالدة وكان كلاهما يكمل الأخر وهدفهما الأسمى وسعيهما هو لله سبحانه وتعالى في كل جوانب حياتهما.

كيف كانت حقيقة متابعة الوالد لأمور حياتكم اليومية؟ أم إن المسؤولية كانت ملقاة على عاتق الوالدة فقط؟

كان أكثر ما يؤذي الوالد معرفته أننا آذينا بعضنا أو أحدٍ ما بكلمة أو بفعل ما أو أزعجناه، فكان يسعى بسرعة للإصلاح فيما بيننا. فيطلب من المسيء الإعتذار ولا يبقي المسألة ليومٍ أخر، كان الوالد يتابع كل تفاصيل حياتنا ولكن أثناء غيابه عن المنزل، كانت المهمة ملقاة على عاتق الوالدة حيث تحمل القسم الأكبر من عبء تربيتنا لتواجدها الدائم معنا. فهي التي كانت تتابع أمورنا عند الطبيب والمدرسة واحتياجاتنا جميعها، لقد كانت نشيطة جداً تعمل بشكلٍ متواصل ولا ترتاح أبداً، ومثلما كان الوالد يعمل كثيراً ولا يهدأ له بال. كذلك كانت والدتي لا تهدأ أبداً من جهة تربيتنا أو استقبال الضيوف أو إعطاء الدروس في الحوزة وخارجها في القرى المختلفة، كذلك قيامها بالزيارات الاجتماعية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، الأمر الذي كانت تعتبره الوالدة من واجباتها المؤكدة وأداء لتكليفها هو توفيق إلهي لها. كما كانت الوالدة تعوض عن غياب الوالد لسفر أو لعمل أو لأي سبب أخر، وقد ملأت فراغ الوالد بالكامل وحملت مسؤوليتنا الكبيرة على عاتقها. وكان الوالد دائم ما يطلب السماح منها على غيابه وعلى حملها المسؤولية بمفردها. كان دائماً يوصينا بإطاعتها والدعاء لها بطول العمر وهي تابعت وأحاطت بكل جانب من جوانب حياتنا وهذا كله بتسديد من الله سبحانه وتعالى وبتأييد ومتابعة دائمة من الوالد.

كان بيتنا مفتوح للضيوف والاجتماعات المختلفة التي كان يجري فيها التأسيس لإنشاء حزب الله، وكذلك اطلعنا على هموم المجتمع ومشاكله من حرمان وفقر والتعرف على حاجات الناس التي كانوا يطرحونها على الوالدة بطلب المساعدة، كان الوالد يصطحب إخوتي حسين وياسر وكميل في الزيارات إلى أمكنة مختلفة وكان يحب ذلك جداً، إذ كان يهدف بذلك إطلاعهم على أحوال الناس وجعلهم يحملون هموم الآخرين. كذلك اصطحبهم إلى المواقع العسكرية وأماكن التدريبات. وكذلك اصطحبتنا والدتي أنا وشقيقتي لبعض الأماكن التي كانت تسمح الظروف المختلفة باصطحابنا اليها. أيضاً كنا نشارك بكل شيء وعبر المشاركات جُبلت أرواحنا على حب الجهاد والمقاومة والتمسك والإيمان والقناعة التامة بهذا الخط.

كما كان الوالد يصطحبنا كلما تسنح له الفرصة لزيارة معارفه، كذلك علماء دين أو عوائل شهداء وكذلك كان يصطحبنا إلى كل الاحتفالات التي كانت تقام من تشييع الشهداء او احتفالات يوم القدس والعاشر من محرم، إلى إحياء ليالي القدر في مسجد الإمام علي (ع) في بعلبك أو في مساجد بلدة النبي شيت(ع) وكذلك المشاركة في المسيرات ومجالس العزاء و والأدعية في مختلف الأيام والليالي. كانت تلك المرحلة مرحلة تأسيسية لحزب الله ونحن كنا نشارك مع الوالد والوالدة في كل البرامج المختلفة داخل البيت وخارجه مع الانتباه لوظائفنا المدرسية أو الرحلات الترفيهية المختلفة، وزيارة الأرحام في مدينة النبي شيت (ع)، الذي كان يشدد عليها والدي كثيراً خاصةً بيت جدي.

كان وقت والدي مليء بالعمل والنشاطات وغيرها، ليس هناك وقت فراغ عند الوالد، كان  يدخل غرفتنا ليوقظنا لأداء صلاة الصبح بصوته، فنستيقظ سعداء بعمله هذا. وهناك الكثير من المواقف التي لا يمكن أن أنساها فقد كان يشاركنا في كل المواضيع، إذ كان يكلمنا عن المجاهدين وأطفال فلسطين وكيف كانوا يقاومون الاحتلال الاسرائيلي بالحجارة. لقد ربانا على حب المقاومة وبغض إسرائيل، غرس في قلوبنا حب أهل البيت(ع) عبر الأدعية والمناجات والمجالس الحسينية التي كانت تقام، والاحتفالات العاشورائية وإحياء مناسبات ولادات الأئمة (ع)، وكانت أخر مناسبة أحييناها سوياً ولادة الإمام الحجة(عج) قبل شهادتهما بيومين.

ماذا تعلمتم من السيدة الوالدة؟

تعلمنا من الوالدة الشهيدة أم ياسر الصبر والتي تعتبر مثالاً له، فهي كانت تصبر على غياب زوجها وعلى تربية أولادها وكان عندها أحد أولادها من ذوي الاحتياجات الخاصة، أي أنه بحاجة لاهتمام وصبر كبيرين. وهي بالرغم من كل الواجبات التي كانت مطلوب منها القيام بها داخل البيت وخارجه، كانت الابتسامة لا تفارق وجهها ولم يكن أحد يعرف الظروف والبلاءات التي كانت تمر بها، وكانت تصبر على كل شيىء. بل كانت دائما تشكر الله وتحمده ولا تجعل أحد من الناس من الأقارب أو غيرهم يشعر بكل ما تمر به، كانت أمنيتها الوحيدة أن يختم الله لها بالشهادة مع زوجها السيد عباس.

ما هي وسائل التربية التي اعتمدها الوالد معكم؟

لقد علمنا الوالد والوالدة حب الشهادة والشهداء إلى حد تمنينا أن نصبح من عوائل الشهداء لمّا عرفناه من عظمة الشهداء. فهم على قدر حبهم للشهداء غرسوا فينا عشق الشهادة وكنت أتمنى فعلاً وأنا صغيرة أن يصبح لدي أخ شهيد خاصةً عند مشاركتنا في مسيرات يوم العاشر من محرم أو يوم القدس، إذ كان أكثر ما يلفت انتباهي، هي مسيرة عوائل الشهداء وحملهم صور شهدائهم. لقد كان والدي دائم الدعاء بأن يرزقه الله الشهادة وكذلك الوالدة التي كانت تدعوا بذلك ولكن برفقة الوالد. هم بذلك قد مهدوا الطريق بأنهم سيرحلون في يومٍ من الأيام على طريق الشهادة وعندما يسألهم أحدهم  لمن ستتركون الأولاد فيردون بأنّ الله من يتكفل بهم. بعد عودتنا من زيارة الإمام الرضا (ع) سألها شقيقي ياسر وهو صغير، ماذا دعيت لنا عند الإمام فاجابته :”بأنني دعيت أن أراكم جميعاً مقطعي الرؤوس ولكن ألا أرى إصبع السيد عباس مجروح، هي كانت تعشق السيد عباس كثيراً، وأخبرتني في أحد المرات أنني أشم في والدك ريحة الإمام علي(ع).

كان والدي يهتم بنا ويتابع تفاصيل حياتنا حتى أثناء غيابه، فهو كان يسأل عن كل أحوالنا وعن مشوارنا التعليمي واحتياجاتنا وأمورنا الروحية الدينية، ورغم غيابه، لكنه كان يعلم بكل تفاصيل حياتنا من مرض وتعب، أذكر مرة عند توجهه إلى الجبهة في إيران للمشاركة في الدفاع عن منطقة الأهواز. كنت مريضة بالصفيرة وفي المستشفى وقبل ذهابه قدم لتوديعي مع بعض الإخوة للاطمئنان على أوضاعي، كذلك كان والدي يلاعبنا في المنزل يمازحنا ويحدثنا بمواضيع مهمة وليست أمور تختص بالاطفال على رغم صغر سننا، لأنه كان يريد منا ان نعرف ماذا يجري في البيت وخارجه، كنا نشعر بتصرفه هذا بأهميتنا عنده. في إحدى المرات وعندما كان يلاعبنا حضرت إلى منزلنا جارتنا وصديقة والدتي الحاجة أم زهراء خاتون، وتفاجأت من الطريقة التي كان يلاعبنا ويمازحنا فيها الوالد، وقالت:” يا سيد الذي يراك تلعب مع أولادك بهذه الطريقة لا يقول أنّ هذا هو السيد عباس الذي يعمل في المناصب السياسية والجهادية والعلمائية والاجتماعية”.

بسبب غيابه المتكرر عن المنزل وحبه لنا، كنا ننتظر عودته على أحر من الجمر، وكنا نحب القيام بكل ما يرغب فيه ويرضيه لشدة حبنا له، كنت أنتظر حلول وقت الصلاة لكي أفرش له سجادة الصلاة وأجلس أتأمل صلاته وانتظر بشغف ابتسامته وأراقب ملامح وجهه عندما يبتسم وعندما يحدثني، كانت لا تسعني الدنيا من الفرح.

كان يهتم بنا وبهواياتنا وكان يحاول إبراز مواهبنا أو أي صفة جميلة نملكها، مثلاً  كان يمدح مشاركة أحد إخوتي في المسرحيات الدينية التي كانت تقام في مدرسته، ويشجعني أنا على قراءة القرآن لامتلاكي الصوت الجميل  وعلى إنشاد الأناشيد الإسلامية وتعليمها لشقيقي الصغير الشهيد حسين، وهذا ما أوصانا به في وصيته إذ وجه الخطاب فيها لشقيقتي الكبرى سمية بأن إحفظي القرآن والأناشيد الاسلامية وحافظي على صلاتك، وكان يشجع أيضاً على دفع الصدقات ودعم المقاومة، إذ كنا ننفذ مشروع في المنزل ونتبرع بريعه للمقاومة. كل هذه الأمور اوصانا فيها إما عبر وصيته المكتوبة أو تلك المسجلة صوتياً، وقد خاطب الوالد الوالدة في وصيته بقوله:” لا تذرفي دموعك على فراقي بل إذرفيها فقط في خشية الله وللبكاء على مصائب أهل البيت(ع). وهو بذلك يوجه الحب لله (عزوجل) ولأهل البيت(ع).

كيف كانت علاقتكم بالوالد؟

منذ طفولتنا، رسم الوالد في أذهاننا أنه جندي أو خادم للإسلام، وكان يسعى ويعمل لنكون نحن أيضاً جنودا لهذا الدين ولإمام الزمان (عج) ونخدم هذا الخط وهذا النهج، وكانت الوالدة تردد دائماً أنني أربي أجيال الحجة (عج)  فلم يدخل في أي يوم من الأيام بقلوبنا حب الجاه والمنصب، الوالد كان شخصية معروفة ومحبوب كعالم دين مجاهد، وحتى بعد استلام منصب أمين عام حزب الله لم يتغير شيء بالنسبة لنا، والدي كان جداً متواضع كانت شخصيته ترابية حتى في الموضوع الأمني لم يكن منغلقاً وبعيداً عن الناس، بل كان يعتبر نفسه مع الناس ومن الناس، بالرغم من وضعه الأمني كان يفتح بنفسه باب بيتنا عند قدوم أي زائر، كان يحب أن يعيش حياته طبيعية مثل بقية الناس، كان قريباً من الناس وبادلوه الناس هذه المحبة، إذ عندما يعرف الأهالي بتوجه الوالد مثلاً إلى بلدة النبي شيت (ع) ، في البقاع اللبناني يغص منزل جدي هناك بالأقارب والمعارف والمحبين،  وكذلك من له طلب معين يرغب في تأمينه له، ويتكرر الأمر في كل مكان يذهب إليه ويجد الناس بانتظاره لمقابلته، كان الوالد يعتبر أنه هو من يحتاج لخدمة هؤلاء الناس فخدمة الناس من النعم الإلهية عليه.

كنا نحب هذه الصفات في شخصية الوالد، بل كنا نحب كل شخصيته التي كانت عامة، فالوالد لم يكن لأسرته فقط بل كان ملكاً  لكل الناس لكل المحبين ملك لله عزوحل وُملك لهذا الخط الذي يعمل على أساسه ولخدمته، كان الوالد يساوي في معاملته لنا مع أولاد الشهداء وحينما كنا نخبره بمدى اشتياقنا له بسبب غيابه لأوقات طويلة، كان يذكرنا بأولاد الشهداء الذين حرموا من رؤية أبائهم للأبد، بتعامله هذا كان يجهزنا ويربينا عليه حتى نتقبل استشهاده. وهو الذي كان يوصينا بالصبر عند استشهاده وتذكر السيدة زينب (ع) وما حل فيها من مصائب.

ما هو تأثير استشهاد الوالد عليكم وفقدانه في عمر صغير؟

تولى والدنا منصب أمانة عام حزب الله، لم تغير شيئاً في حياتنا أبداً، فحياتنا شبيهة بحياة أسرة كل عالم دين، ولم نشعر بالفرق أبداً فالأمر سيّان بالنسبة لنا. الوالد كان سابقاً خادم للإسلام وبعد استلام منصبه ظل خادماً للإسلام فقط تغيرت الصفة.

أمّا بالنسبة لشعوري بفقد والديّ، فالفقد صعب ومرير وفقد الأحبة غربة كما يقول الإمام علي(ع) ونحن فقدناهم كثيراً وطالما احتجنا لهم كثيراً في مواقف مختلفة بحياتنا وكنا نتمنى لو كانوا بجانبنا وكنا بحاجة لتوجيهاتهم ولكن الله سبحانه وتعالى يقول:” أنا خليفة الشهيد في أهله” كان في تسديدات إلهية وألطاف من الله وأهل البيت (ع) وقد ربانا أهلنا على الدعاء والتوسل بأهل البيت (ع) والاقتداء بالسيدة زينب (ع) وتذكر مصائبها وأوصانا بالصبر على كل الامتحانات  والبلاءات، ولقد رسخت فينا هذه القيم، لذلك نحن ننظر إلى مصائب الإمام الحسين (ع) ونحضر مجالس العزاء تهون علينا المصيبة والوالد الشهيد ترك إرث معنوي عظيم تمسكنا فيه وبكل القيم التي زرعها فينا وحتى من حياة الوالد التي تعد قدوة لنا في تعامله مع البلاءات ومع كل الظروف التي يمر فيها. تعلمنا منه الصبر أيضاً فهذا الإرث الإيماني والأخلاقي الجهادي الممتد من كربلاء نحن متمسكين به وبمصاب الإمام الحسين (ع) هو الذي يسلينا ويصبرنا على فراق الوالد والوالدة. هما أديا دورهما وقاما بتكليفهما على أتم وجه حتى ختم الله لهما بالشهادة.

أدعوا الله أن يوفقنا لأداء دورنا وتكليفنا وأن نكون من الذين يرفعون رأس والدي ووالدتي الشهيدين عالياً ويفتخروا بنا وما يخيب ظنهم بنا أبدا في الدنيا والأخرة ومثلما كانت حياة الوالد والوالدة مدرسة لنا، كذلك كانت شهادتهما مدرسة أعظم وأكبر على حياتنا الروحية والمعنوية.

 

 

المصدر: الفاق خاص