في حوار خاص:

إبنة الشيخ راغب حرب للوفاق: أبٌ حنون وحبٌ جم للإمام الخميني (قدس)

ترك لنا الشيخ راغب إرثاً كبيراً جداً من محبة واحترام الناس وتقدير الناس وخطاباته بقيت. تعلمنا أسس الثورة وما تحتاجه وما يجب أن نقدم لها ومن أجل الإسلام.

2023-02-22

عبير شمص

 

تمر في كل عام ذكرى القادة الشهداء، فتتلون الأيام وتزهو بألوان الانتصارات التي عمدت بالدم، وتتحدث البيوت والشوارع والقرى عن قادة مروا من هنا، وترك مرورهم أثرا لا يزال ضجيجه وليد ساعته، فالشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد خبز الحياة اليومية، لا تغيب قصصهم عن أحاديث الناس في كل يوم، فكيف لمبصر أن ينسى للحظة أن لديه عين يبصر بها، ونحن المبصرون كيف لنا أن ننسى للحظة أن ما نراه من نصر وعزة للمقاومة هو من صنع تلك الأنامل والعقول المباركة لهؤلاء القادة.

ومن هؤلاء القادة الشيخ راغب حرب الذي قلّ نظيره في تاريخنا المعاصر، لناحية الزمان والمكان اللذين عمل فيهما وانطلق ليكون مُطلق المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال. وهو زرع – ولا شك – روحاً مقاومة داخل كل من عرفه وسمع به واقتدى به. وقد أجرت جريدة الوفاق مقابلة مع الإبنة الكبرى للشيخ راغب السيدة حوراء حرب وكان الحوار التالي:

 

ما هي أبرز الصفات التي كان يتصف بها الوالد ؟

كان الوالد متواضع لدرجةٍ كبيرة ولا يتكبر أصلاً على أحد، وكان شجاعاً جداً لا يخاف إلا من الله (سبحانه وتعالى)، كما كان يتمتع بروح مرحة جداً، فهو ليس بالشخص العبوس، والذي يصرخ أو تتسم مواقفه بالحدة في تعامله مع الأخرين، مواقفه الحادة كانت مرتبطة مباشرةً بالعدو الإسرائيلي.

التزم الوالد بأداء صلاته قبل بلوغه سن التكليف فهو من عمر العشر سنين لم يفته فرض صلاة وكان يؤدي صلاته في أول وقتها، وأهم صفة من صفاته حضور الله (سبحانه وتعالى) في داخله بشكلٍ واضح، إذ عندما كانوا يحذروه من وجود إمكانية محاولة اغتيال أو أسر أو أي ضرر ممكن أن يصيبه على يد الاحتلال الإسرائيلي فلم يكن يهتم بل كان متوكلاً على الله، وكان يردد دائماً إنّ الأعمار بيد الله والنصر من الله والقوة والعزيمة من الله، هذه الثقة موجودة لديه منذ حداثة سنه.

كيف كانت العلاقة بين الوالد والوالدة؟

العلاقة التي جمعت بين الوالد والوالدة علاقة وئام ومحبة كبيرة جداً وتوافق كبير، أنا لا أذكر إنني سمعت في يوم من الأيام صوتهما العالي، والوالدة كانت متفاعلة معه كثيراً بحيث نشعر بأنهم شخص واحد، فهما متشابهين جداً بشخصيتهما ولهما الأهداف نفسها، وأمي كانت توافقه على كل شيء وتصبر معه،  في أحد المرات أحضر والدي مجموعة من اليتيمات للسكن معنا وذلك لحين اكتمال بناء مبرة الأيتام، ووجودهم يمكن أن يحد من حرية والدتي في حركتها بالبيت، ولكنها كانت مسرورة جداً وسعيدة وكانت تفرح بمشاركتها وفي أجر رعاية هؤلاء اليتيمات اللواتي يفتقرن لوجود المأوى فكان بيتنا ملجأهم ومسكنهم وكانت الوالدة مسرورة برعايتهم بالرغم من التعب الجسدي بالاهتمام بهن.

كيف كانت وسائل التربية التي اعتمدها الوالد معكم؟ من ثواب وعقاب و…؟

كان الوالد يلاعبنا ويمازحنا كثيراً ويحدثنا بمواضيع شتى، ويستمع لنا في كل أخبارنا باهتمام شديد وتفاعل بادٍ على محياه وسعيد بكلامنا معه ويلاطفنا، كنا نتحدث معه بكل راحة. كما كان يشجعنا لإبراز مواهبنا، فعندما كان عمري ست سنوات كنت أحفظ ندبية عاشورائية، عرف والدي فطلب مني ترديدها أمامه ومن ثم قبلني وعانقني وشجعني وفرح  لحفظي إياها. كان يشجعنا ويدعمنا ويمدنا بالمعنويات والقوة  لتنمية شخصياتنا وعدم الخوف،  كان يشاركنا اللعب في ألعابنا الخاصة بنا ويمازحنا وينشد معنا ( خميني اي امام..) بصوتٍ واحد نرددها سوياً، ويحضر لنا أناشيد دينية لكي نحفظها ونرددها مثل “أحب الصلاة وأشتاقها”.

كان يطلعنا الوالد على أحداث المجتمع بما يتلاءم مع عمرنا الصغير، كان يعرفنا بالإمام الخميني (قدس) قبل انتصار الثورة، إذ كان الوالد متفاعل معه ويتكلم بأخباره ونشاطاته ورسائله التي أرسلها إلى إيران وتفاعل الشعب معه. كان يجعلنا نتابع أخبار الثورة  في إيران، ولقد تشرف الوالد بلقاء الإمام الخميني (قدس) بعد انتصار الثورة الإسلامية وعند عودته أحضر لنا من هناك  ألعاباً متواضعة مثل دمى مصنوعة يدوياً وبسيطة، فلامه البعض على شرائها بهذه النوعية وبأسعارٍ غالية واقترحوا شراء ألعاب من سوريا عند عودتهم من لبنان، لكنه أحب إحضار الألعاب من هناك وأخبرنا بأنها من عند الإمام (قدس) وأخبرنا عن تفاصيل لقائه معه ليحببنا فيه.

ومن وسائل تربيته لنا أنه أثناء وجود بنات المبرة في منزلنا، وبما أن أعمارنا كانت متقاربة معهن فلقد كانت تقع بيننا وبينهن بعض المشاكل أحياناً ، فكان يسارع والدي فور علمه بها إلى حلها وإلى إخبارنا بأننا نتساوى في الحقوق معهن، وأنه يجب الاهتمام بهن لأنهن يتيمات، وعلى ان نتعامل معهن بطريقة مختلفة عن تعاملنا مع أقربائنا وأصدقائنا، كان يشعرنا بأنه والد هؤلاء اليتيمات اللواتي كن يتحلقن حوله عند حضوره إلى المنزل وهن يعانقوه ونحن إلى جانبهم،  حضوره كان مميزاً بينهن إذ تفرح اليتيمات بوالدهم وهو يفرح فيهن ويلاطفهن ويستمع بإنصات لكل ما يريدون ، لقد جعلنا  الوالد نشعر بأننا مع هؤلاء الفتيات عائلةً واحدة ، وقسّم المحبة بيننا بالتساوي. وبهذا التصرف ألغى الأنانية في قلوبنا.. هذا كل ما أذكره عن صفات الوالد، كان عمري عند استشهاده عشر سنوات.

أتذكر حله للمشاكل التي تقع بيني وبين إخوتي بطريقة الانصات لوجهات نظرنا نحن الاثنين معاً ومن ثم يطلب منا مسامحة بعضنا البعض وتقبيل بعضنا البعض وبذلك ينهي الخلاف الواقع بيننا .

هل كانت هناك متابعة للوالد في مشاكلكم أو مدارسكم…أو الأمر كان أغلبه بيد الوالدة؟

بالنسبة للمدرسة فهو كان يتابع التفاصيل المختصة به من جهة متابعة أمورنا مع المدير أو ناظر المدرسة ولكن الوالدة كانت تهتم بكل أمور المدرسة الأخرى من تدريس الواجبات ومتابعة وهو كان يتابعنا بالقدر المتيسر له.

أمّا بالنسبة لتعليمنا الأمور الدينية فقد شكلت الأساس لدى الوالد وأكثر ما كان يشدد عليه  ويهتم به هو بالصلاة والصوم وكان يحفزنا ويحببنا بالصلاة من باب التحبيب وليس إجباراً، وأذكر حادثة حصلت في هذا الخصوص حيث أتى الوالد في أحد الايام ووجدنا نلعب فسأل هل صلينا أم لا فأجبته بنعم، ولكن أختي لم تكن قد صلت بعد فطلب منها الذهاب الى الصلاة فقالت لا أستطيع مغادرة اللعب مع الأولاد فالآن حان دوري باللعب فقال لها إذهبي للصلاة وأنا ألعب مكانك، وهذا ما حصل. وحول موضوع الصوم كان يهتم بصيامنا، فعند بلوغ سن التكليف للصوم كان يجب علينا الصوم وليس هناك مبررات للإفطار بسبب ضعف بنيتنا أو لا نستطيع الصيام، المبرر الوحيد للإفطار كان المرض بشكل شديد. هذه هي البيئة التي تربينا فينا والطفل الذي يعيش في بيئة متدينة يقلد أعمال أهلها .. مثلاً بالنسبة للحجاب فقد تحجبت مع عمتي التي كانت في عمري نفسه في عمر الست سنوات ونصف بمفردنا وقد لاقت خطوتنا تشجيع العائلة والأقارب…

هل كان يحدثكم ويطلعكم على الواقع السياسي والاقتصادي للناس والمجتمع أم لا ؟

الأمور السياسية والاقتصادية كنا نسمعها في اللقاءات التي كان يجريها الوالد مع الأهالي في منزلنا وأيضاً مواقفه وأحاديثه كنا نتابعها ونحضر خطبة الجمعة له وكنا نتابع حركة الإمام (قدس) قبل الثورة وبعد الانتصار. وفي عشرة الفجر(انتصار الثورة الإسلامية) وزع الأهالي الحلوى في هذه المناسبة في قريتنا جبشيت.

ما هو تأثير استشهاد الوالد عليكم وفقدانه في عمرٍ صغير؟

كان الفقد شديد الوطأة علينا بالرغم من وجود الوالدة والأعمام والأخوال وأهالي الضيعة بجانبنا، اهتم بنا الجميع بعد استشهاد الوالد، لكن وجود الوالد لا يمكن أن يحل محله أحد. الاحساس بالأمان والحماية والاهتمام لا أحد يمكنه أن يملأه نيابةً عن الوالد. الفقد موجود بقوة ولكن في المقابل هناك شعور بوجود الله معنا وأيضاً الإحساس بوجود الوالد المعنوي معنا وليس الجسدي والشيخ راغب ترك لنا إرث كبير جداً من محبة واحترام الناس وتقدير الناس وخطاباته بقيت. تعلمنا أسس الثورة  وما تحتاجه وما يجب أن نقدم لها ومن أجل الإسلام، كل هذه التوجيهات ما زلنا نعيشها. الشيخ غاب بجسده ولكن فكره وكلماته ما زالت موجودة وهو حاضر أكثر من أي إنسانٍ آخر في حياتنا ولكن نشتاق له كثيراً وكنا نتمنى حضوره معنا في مواقف كثيرة مرت علينا في حياتنا.

ما هي أهم الذكريات التي ما زالت محفورة في أذهانكم عن الوالد؟

الذكريات التي ما زالت محفورة عنه في أذهاننا كثيرة، ولا تنساها مع الفقد والشوق أنها تغذي هذه الذكريات حتى تبقى موجودة وتستمر، من الذكريات: عند خروجنا معه في مشوار، كان من عادتنا أن نبدأ المشوار بقراءة سورة الفاتحة للتيسير والصلاة على محمد وآل محمد وأثناء الطريق ننشد مع الوالد نشيد “أحب الصلاة وأشتاقها “… صوته ما زال محفوراً في أذهاننا وحتى قبل وصوله إلى المنزل وهو ينادي يا فتى الإسلام يا بنات الإسلام المجاهدات.

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة