تقنية “نظام تفاعل الليزر عالي الطاقة مع المادة” تشكل الأساس لبناء مسرعات ليزر-بلازما. ويعمل هذا النظام عن طريق تسليط ليزر عالي الطاقة على المادة لتسريع الجسيمات المشحونة مثل “الإلكترونات والبروتونات”، مما يمثل الخطوة الأولية لبناء مسرعات متقدمة.
نطاق تأثير هذه التقنية يمتد من تشخيص وعلاج الأمراض المستعصية إلى تحسين المواد في الصناعة ومحاكاة الظروف الفضائية. وقد سارت إيران في السنوات الأخيرة، بالاعتماد على كفاءة الخبراء المحليين، بجدية في طريق توطين وتطوير التقنيات النووية الحديثة، محققة إنجازات قيّمة.
* خطوة إيرانية جديدة في تسريع الجسيمات بالليزر
طوّر الباحثون الإيرانيون نظام “تفاعل الليزر عالي الطاقة مع المادة” كأحد أكثر التقنيات تقدماً في معهد بحوث الفوتونات وتقنيات الكم. يتميز هذا النظام بقدرته على إنتاج جسيمات مشحونة وله تطبيقات متعددة التخصصات.
ويتكون النظام من حزمة ليزر بطاقة 0.5 جول مع زمن نبضة قصير جداً يصل إلى 45 فيمتوثانية وقدرة تبلغ 10 تيراوات. ويعمل النظام ضمن غرفة تفريغ هوائي متقدمة لنقل حزمة الليزر إلى موقع التفاعل مع المادة.
ويضم النظام عدة مكونات رئيسية تشمل نافذة بصرية قابلة للتعديل، وغرفة لانحراف حزمة الليزر، وغرفة تفريغ مخصصة للتفاعل. يتم التحكم الدقيق في توجيه حزمة الليزر على الهدف من خلال ترتيب بصري متطور يتضمن مرايا بصرية عالية المقاومة ومرايا قطع مكافئ للتركيز الدقيق.
ويتم ضبط موضع العينة بدقة باستخدام أنظمة ميكانيكية مفرغة الهواء. هذه الميزات الفريدة تجعل النظام أحد أكثر أنظمة التفاعل تطوراً في البلاد، مع إمكانات كبيرة في مجال الأبحاث المتقدمة والتطبيقات الصناعية المختلفة.
* تطبيقات متعددة.. من العلاج إلى الفضاء
يمتلك هذا النظام المتطور تطبيقات واسعة في مختلف المجالات العلمية والصناعية:
– في القطاع الصناعي: يُستخدم في التصوير الإشعاعي الدقيق لفحص الهياكل الصناعية المعقدة.
– في المجال الطبي: يتيح إنتاج أنواع مختلفة من الأدوية المشعة واستخدام حزم البروتونات والإلكترونات في العلاج.
– في الأبحاث الأساسية: يُمكن من تعديل بنية المواد على المستوى دون الذري باستخدام حزم فائقة القصر.
– في أبحاث الفضاء: يُسهم في محاكاة تأثيرات الإشعاعات الكونية وخاصة لاختبار أداء المعدات الفضائية.
وتُمثل الجسيمات المشحونة عالية الطاقة أدوات حيوية لدراسة وتعديل المواد على المستوى دون الذري؛ لكن إنتاج هذه الجسيمات عبر المسرعات التقليدية يتطلب هياكل ضخمة ومكلفة، مما يحد من استخدامها على نطاق واسع. والحل البديل يكمن في استخدام تفاعل الليزر عالي الطاقة مع البلازما لتسريع الجسيمات، وهي طريقة تتيح تطوير مسرعات أصغر حجماً وأقل تكلفة وقابلة للاستخدام في المختبرات البحثية.
وفي هذا الإطار، تتمثل الخطوة التالية للمشروع في مختبر الليزر عالي الطاقة بمعهد بحوث الفوتونات في تسريع حزمة بروتونات حتى طاقة 10 ميجا إلكترون فولت باستخدام نبضات ليزر فمتوثانية بقدرة 10 تيراوات. وقد تمهد هذه الخطوة الطريق لتحولات جذرية في الصناعات المرتبطة بالطب النووي والتصوير الصناعي وحتى التقنيات المتعلقة بالمهام الفضائية.
* ارتباط العلم والتكنولوجيا.. وخدمة المجتمع
يمثل نظام تفاعل الليزر مع المادة تجسيداً للربط الوثيق بين المعرفة النظرية والتطبيق التكنولوجي في إيران. كما شاهدنا في الجزء الأول من التقرير، فإن مسار تطوير التكنولوجيا النووية في البلاد قد تجاوز حدود المختبرات ليدخل حياة المواطنين اليومية. كما إن دعم مثل هذه المشاريع لا يعزز فقط القدرة التنافسية العلمية لإيران على الساحة العالمية، بل يُمهّد الطريق لإنتاج منتجات محلية واستراتيجية في المجالات الحيوية.
وهذه ليست سوى بداية الطريق. وفي الأجزاء القادمة من هذه السلسلة، سنستعرض المزيد من المشاريع والإنجازات العلمية للبلاد في المجالات الناشئة للتكنولوجيا النووية؛ إنجازات تثبت أن إيران تسير خطوة بخطوة على طريق تحويل المعرفة إلى قوة وتكنولوجيا.
الجزء الأول:”الرينيوم-188″.. رمز نضج التكنولوجيا النووية الإيرانية في مجال الطب