نجح الباحثون الإيرانيون في تحقيق خطوة ثورية في العلاج الموجه للسرطان من خلال وضع علامات دواء سيس-بلاتين بالرادیونوكليد بلاتین-195، هذا الإنجاز یُمكّن من تتبع الدواء لحظة بلحظة في الجسم وزیادة فاعلیته على الأورام السرطانیة.
وخلافًا للتصور الشائع الذي یحصر التكنولوجیا النوویة في إنتاج الكهرباء أو الأنشطة العسكریة الحساسة، فإن أحد أبرز مجالات تطبیقها الیوم هو مجال الصحة وخاصة الطب النووي. من التشخیص الدقیق إلى العلاج الموجه لأنواع السرطانات، تمثل التكنولوجیا النوویة أداة قویة لتحسین جودة حیاة المرضى؛ وهو إمكانیة تستغلّها إیران بسیاق في السنوات الأخیرة.
* ثورة في علاج السرطان باستخدام التكنولوجيا النووية
يُعدّ السرطان ثاني أكبر سبب للوفاة في العالم بعد أمراض القلب. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، في عام 2018، فقد أكثر من 9.6 مليون شخص حياتهم بسبب أنواع السرطان المختلفة حول العالم، حيث تُظهر هذه الإحصاءات الحاجة الملحة لأساليب حديثة وفعّالة في تشخيص وعلاج السرطان.
وفي هذا الصدد، أصبح الطب النووي – بالاعتماد على إنتاج الأدوية المشعة وتقنيات التصوير المتقدمة – أداة حاسمة في مكافحة السرطانات. وإحدى إنجازات إيران في هذا المجال هي علامات دواء العلاج الكيميائي “سيس-بلاتين” بالنظير المشع 195Pt؛ خطوة مبتكرة يُمكن أن تحدث ثورة في العلاج الموجّه للسرطان.
ويُعد دواء سيس-بلاتين أحد أكثر أدوية العلاج الكيميائي استخدامًا، حيث يُستخدم منذ سبعينيات القرن الماضي، خاصة لعلاج السرطانات المتقدمة. حاليًا، ما يقرب من نصف مرضى السرطان حول العالم يتلقون العلاج بمركبات البلاتين مرة واحدة على الأقل.
إن علامات هذا الدواء بالنظير المشع 195Pt لا يُوفر فقط القدرة على تتبع وتصوير سلوك الدواء في الجسم، بل يعزز أيضًا التأثير المضاد للأورام. وبعبارة أخرى، فإن النسخة الموسومة من سيس-بلاتين قادرة على استهداف الخلايا السرطانية بدقة وفعالية أعلى، مع إحداث ضرر أقل للأنسجة السليمة.
* المرحلة التالية: الدراسات السريرية وتطوير تركيبات جديدة
في المرحلة التالية من هذا المشروع، سيتم إدخال تركيبة سيس-بلاتين الموسومة إلى مرحلة الدراسات السريرية بالتعاون مع المراكز الطبية الرائدة في البلاد. وتُعد هذه المبادرة أول محاولة في إيران لاستخدام النظير المشع 195Pt في العلاج الموجّه للسرطان.
وفي سياق متصل، بدأ الباحثون العمل على تصميم تركيبات موسومة جديدة مثل “هيدروكسي أباتيت” الموسوم. تتميز هذه المادة بقدرتها على الامتصاص في أنسجة محددة مثل العظام، مما يجعلها قابلة للتطبيق في علاج سرطانات العظام أو النقائل العظمية.
* لماذا يُعدّ هذا المشروع مهمًا؟
يتميز النظير المشع 195Pt بخصائص إشعاعية وكيميائية فريدة تمنحه إمكانات عالية في مجال العلاج الإشعاعي الموجه. إن دمجه مع دواء سيس-بلاتين – الذي يتمتع بسجل طويل وخاضع لموافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA – قد يفتح مرحلة جديدة في مسار علاج السرطان في إيران.
هذا الإنجاز لا يقلل فقط من الاعتماد على الأدوية المستوردة، بل يفتح آفاقًا جديدة للعلاج الدقيق والآمن لمرضى السرطان في البلاد. كما يمثل نقلة نوعية في تعزيز القدرات المحلية للبحوث الطبية المتقدمة وتطبيقاتها السريرية.
* الطب النووي.. جبهة جديدة في الحرب ضدّ السرطان
الجزء الرابع من ملف الإنجازات النووية الإيرانية يُظهر مرة أخرى أن التكنولوجيا النووية ليست مجرد أداة في مجال الطاقة، بل أصبحت في خدمة إنقاذ الأرواح.
الاستخدام الذكي لهذه التكنولوجيا في المجال الطبي، خاصة في إنتاج الأدوية المشعة، يمكن أن يصبح أحد أكثر الأسلحة فعالية في مكافحة السرطان.
هذا النهج يعكس تحولًا استراتيجيًا في توظيف القدرات النووية لأغراض إنسانية، ويؤكد أن التقدم العلمي عندما يُوظف لخدمة البشرية يمكن أن يحقق معجزات حقيقية في إنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة.
الجزء الأول: “الرينيوم-188”.. رمز نضج التكنولوجيا النووية الإيرانية في مجال الطب
الجزء الثاني: المُسرّع الليزري الإيراني.. ثورة في علاج السرطان واستكشاف الفضاء
الجزء الثالث: التصوير الدقيق للأورام بتقنية نووية إيرانية الصنع