الأرز “كيان” يُعد إنجازًا جديدًا للتطبيقات السلمية للتكنولوجيا النووية في إيران، حيث يقدّم حلًا علميًا لمواجهة أزمة المياه في حقول الأرز بفضل تحمله غير المسبوق للجفاف.
وعندما يُذكر مصطلح “الطاقة النووية”، يتبادر إلى أذهان الكثيرين محطات الطاقة الكبيرة، تخصيب اليورانيوم أو الأسلحة النووية؛ لكن الواقع الحالي للتكنولوجيا النووية في العالم يتجاوز بكثير هذه التصورات.
وتلعب التكنولوجيا النووية – خاصة في جوانبها السلمية – دورًا محوريًا في التنمية المستدامة للدول، بدءًا من زيادة الإنتاجية الزراعية وصولاً إلى علاج الأمراض المستعصية، ومن مكافحة الآفات دون استخدام المبيدات إلى تحسين السلامة الغذائية. كل هذه الإنجازات تمثل نتائج ملموسة لهذا العلم المعقد لكن العملي.
في إيران أيضًا، عملت منظمة الطاقة الذرية خلال السنوات الأخيرة على تطوير التطبيقات غير المرتبطة بالطاقة في المجال النووي وربطها بحياة الناس اليومية. تقارير عديدة حول استخدام التشعيع، وإنتاج الأدوية المشعة، والبذور المقاومة للضغوط البيئية، وتقنيات التشخيص في صناعة الألبان، تقدّم صورة واضحة عن هذه الجهود.
ويُعتبر صنف “كيان” مثالًا حيًا على كيفية توظيف الإشعاع في تحسين المحاصيل الزراعية، حيث تم تطويره باستخدام تقنيات الطفرات الإشعاعية لتعزيز مقاومته لنقص المياه مع الحفاظ على جودة الحبوب وإنتاجيتها. هذا الإنجاز يكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات المائية التي تواجهها إيران والمنطقة.
* مقارنة الأداء
تظهر نتائج أداء هذا الصنف إنجازاً لافتاً في مختلف الظروف:
– في ظروف الجفاف: حوالي 3 أطنان شلتوك لكل هكتار
– في ظروف الري العادية: حوالي 6 أطنان لكل هكتار
– مقارنة بالصنف المحلي طارم: في أفضل الظروف العادية 3.5-4 أطنان لكل هكتار، وفي الجفاف 600 كيلوغرام لكل هكتار
هذا يعني أن كیان ينتج خمسة أضعاف محصول طارم المحلي في أسوأ ظروف الجفاف.
* آفاق الإنتاج الواسع
في عام 2022، تمّ زراعة هذا الصنف في 60 هكتاراً من حقول الأرز في محافظتي جيلان ومازندران (شمال البلاد) تحت إشراف وزارة الجهاد الزراعي. ومن المقرر توزيع البذور المعتمدة من هذا الصنف على نطاق واسع للمزارعين والتعاونيات بدءاً من عام 2024 لتسريع عملية التكاثر واستبدال الأصناف التقليدية.
تعديل الطفرات أو Mutation Breeding هو أحد الأساليب العلمية في تحسين المحاصيل النباتية، حيث يتم استخدام أشعة غاما لإحداث تغييرات مفيدة في التركيب الجيني للنباتات. وعلى عكس الهندسة الوراثية، لا يتضمن هذا الأسلوب التعديل المباشر للجينوم، ويعتبر وفقاً للوائح الدولية أسلوباً طبيعياً وآمناً.
باستخدام هذه التقنية، يتم تطوير مجموعة واسعة من الصفات المرغوبة مثل مقاومة الآفات، وتحمل الملوحة والجفاف، وزيادة المحصول، وتحسين جودة الطهي في الأصناف الزراعية. وفي إيران، تم إنتاج عدة أصناف من القمح والشعير والقطن، والآن أرز كيان باستخدام هذه الطريقة.
* “النووي” ليس بعيداً عن حياتنا إلى هذا الحدّ!
قصة صنف الأرز “كيان” ليست سوى نموذج واحد يؤكد حقيقة أن التكنولوجيا النووية لم تعد حبيسة المختبرات ومحطات الطاقة فحسب، بل دخلت بيوتنا وأطباق طعامنا وعلاجات أمراضنا.
وفي عالم اليوم، تُعدّ التطبيقات السلمية للطاقة النووية أحد أهم الأدوات لمواجهة تحديات مثل: الأمن الغذائي، وندرة المياه، والأمراض المستعصية، وتقليل الاعتماد على استيراد المنتجات.
وفي إيران، على الرغم من كل الضغوط والقيود الدولية، فإن تطوير التكنولوجيات النووية في مجالات الزراعة والطب والصناعات الغذائية قد فتح طريقاً واعداً للنمو العلمي والاقتصادي في البلاد.
الجزء الأول: “الرينيوم-188”.. رمز نضج التكنولوجيا النووية الإيرانية في مجال الطب
الجزء الثاني: المُسرّع الليزري الإيراني.. ثورة في علاج السرطان واستكشاف الفضاء
الجزء الثالث: التصوير الدقيق للأورام بتقنية نووية إيرانية الصنع
الجزء الرابع: الرادیونوكليد Pt-195.. وقود الدفع للدواء الإيراني المضادّ للسرطان