تمكّن الباحثون الإيرانيون، في إطار مسار تطوير الأدوية الإشعاعية المستهدفة، من تصميم وإنتاج الدواء الإشعاعي ¹⁷⁷Lu-CXCR4 لعلاج النقائل السرطانية.
الطاقة النووية تُعدّ من أحدث الإنجازات العلمية للبشرية، والتي يمكن أن تُستخدم في خدمة السلام والصحة وتقدم الدول. بعكس التصور الشائع الذي يربط الطاقة النووية فقط بالتطبيقات العسكرية، فإن جزءًا كبيرًا من هذه التكنولوجيا مخصص لاستخدامات سلمية بحتة، مثل الطب والزراعة والصناعة وحماية البيئة.
تخصيب اليورانيوم، وهو عملية تقنية لزيادة نسبة نظير اليورانيوم-235 في الوقود النووي، ليس مسموحًا به فحسب في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل إنه ضروري للاستخدامات غير العسكرية. تلعب هذه العملية دورًا محوريًا في توفير وقود المفاعلات البحثية وإنتاج الأدوية الإشعاعية وحتى تصميم مفاعلات متطورة.
ومن بين التطبيقات القيمة للتكنولوجيا النووية السلمية: إنتاج أدوية إشعاعية مُستهدفة لعلاج السرطان، وتشعيع الأغذية لزيادة فترة صلاحيتها، وإنتاج بذور مقاومة للجفاف والأمراض، وتطوير التصوير الطبي المتقدم، وتصميم أنظمة حديثة لتسريع الجسيمات. هذه الإنجازات ليست قائمة على المعرفة فحسب، بل ترتبط مباشرة بصحة الناس، والأمن الغذائي، والتنمية المستدامة.
في الواقع، لم تعد الطاقة النووية منذ سنوات حبيسة محطات توليد الكهرباء فقط. فقد فتح الجانب السلمي لهذه التكنولوجيا طريقه إلى المجالات الحيوية والطبية والزراعية والبيئية، وأصبح أداة فعالة لحل تحديات البشرية.
وفي هذا الإطار، يعد تخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة وخاضعة للرقابة أساسًا لإنتاج النظائر المشعة الطبية، التي يمكن استخدامها في علاج أمراض مختلفة بما فيها السرطان. ما نعرفه اليوم باسم “الأدوية الإشعاعية” هو خير دليل على توظيف التكنولوجيا النووية لخدمة حياة الإنسان وصحته ورفاهيته.
المركبات الببتيدية، نظراً لبنيتها الخاصة المكونة من أحماض أمينية، تتميز بثبات عالٍ وقدرة سهلة على التصنيع عبر الروابط الأميدية. هذه المركبات تتحلل وتُطرح بسهولة من الجسم.
وترتبط الببتيدات بشكل انتقائي بمستقبلات معينة تظهر على سطح مختلف خلايا الجسم، خاصة الخلايا السرطانية، مما يتيح التعرف على الخلايا المستهدفة. كما يمكنها أن تلعب دوراً فعالاً في العلاج المستهدف للخلايا السرطانية من خلال نقل النويدات المشعة لإشعاع بيتا إلى داخل الخلية.
من بين الببتيدات المستخدمة، تحظى مشتقات مضادات الكيموكين بأهمية كبيرة، حيث أن مستقبلات الكيموكين تظهر على سطح العديد من الخلايا السرطانية. بواسطة وضع علامات إشعاعية على هذه المركبات باستخدام نويدات مشعة لإشعاع بيتا مثل اللوتيتيوم-177، يتم إنتاج دواء إشعاعي يتمتع بقدرة علاجية مستهدفة.
* مجال التطبيق والسوق المستهدف
يمكن استخدام هذا الدواء الإشعاعي لعلاج أمراض سرطانية ونقائل محددة، ويستهدف المراكز العلاجية والطبية النووية العاملة في مجال العلاج الموجه للسرطان. وفي الخطوة التالية، سيتم تحضير التركيبة الجاهزة للاستخدام لهذا الدواء الإشعاعي للمرضى، ويمكن استخدام هذا المنتج في الدراسات السريرية الأولية. وفي حال ملاحظة استجابات مناسبة خلال مراحل الاختبارات السريرية وتأكيد الفعالية، يمكن لهذا المنتج – نظرًا للاحتياج الكبير في المجتمع الطبي لعلاج السرطان – أن يُستخدم على نطاق واسع في المراكز الطبية النووية.
وتمثل التطورات التكنولوجية في مجال الأدوية الإشعاعية الموجهة قدرة عالية للتكنولوجيا النووية في خدمة صحة الإنسان وعلاجه. كما أن الدواء الإشعاعي العلاجي ¹⁷⁷Lu-CXCR4، باستخدام ببتيدات موجهة ونويدات مشعة لإشعاع بيتا، يوفر إمكانية علاج فعال وقليل التدخل الجراحي للنقائل السرطانية.
هذا الدواء ليس فقط خطوة كبيرة في طريق علاج السرطانات المتقدمة، بل هو أيضًا نموذج عملي للتطبيق السلمي والإنساني للتكنولوجيا النووية في إيران. ومع اكتمال مراحل الاختبارات السريرية والدخول في المرحلة العلاجية، يمكن الأمل أن يصبح هذا الدواء الإشعاعي أحد الخيارات الفعالة في المراكز الطبية النووية لمحاربة السرطان.
هذا الإنجاز يثبت أيضًا أن المعرفة النووية يمكن أن تُستخدم – بدلًا من الصراع – في طريق الحياة والصحة ومستقبل أفضل للبشرية.