الشياطين يدفعون الثمن من جديد.. عندما تتحول السمعة إلى عبء

على الورق، يبدو برايان مبيومو التعاقد المثالي لمانشستر يونايتد. مهاجم سجل 20 هدفًا في الموسم الأخير من الدوري الإنجليزي الممتاز، وأثبت نفسه على مدار سنوات مع برينتفورد، وقادر على تحمّل الضغوط البدنية والتكتيكية للبريميرليج.

لكن في ظل صفقة تصل قيمتها إلى 71 مليون جنيه إسترليني، يثور التساؤل: هل تعلّم مانشستر يونايتد حقًا من أخطاء الماضي، أم أنه وقع مجددًا في فخ “ضريبة يونايتد”؟

 

وعلى مدار المواسم الأربعة الماضية، ضخّ مانشستر يونايتد عشرات الملايين في صفقات هجومية لم تثمر عن النتائج المرجوة. من جادون سانشو، الذي كلّف النادي 74 مليون جنيه إسترليني، إلى أنتوني صاحب الـ85 مليونًا، إلى الواعدين راسموس هويلند وجوشوا زيركزي، الذين لم يُظهرا حتى الآن ما يُبرر رهانات الإدارة عليهما.

 

كل هذه الصفقات تقريبًا تشترك في نمط واحد: لاعبون تألقوا في دوريات أوروبية أخرى لكنهم فشلوا في التأقلم مع متطلبات الدوري الإنجليزي.

 

سجل سانشو، الذي أبهر في ألمانيا بـ120 مساهمة تهديفية مع دورتموند، فقط 12 هدفًا في أول موسمين له في “أولد ترافورد”، قبل أن يتم استبعاده من الفريق بسبب خلافات مع المدرب.

 

أما أنتوني، الذي اعتُبر “صفقة الموسم” عند قدومه من أياكس، فقد تراجع مستواه سريعًا، مكتفيًا بـ9 أهداف في 93 مباراة.

 

في المقابل، ظهر برايان مبيومو كلاعب يعرف جيدًا ما يتطلبه النجاح في إنجلترا، إذ قضى ستة مواسم في برينتفورد، منها ثلاثة في البريميرليج، وتحسن بشكل مستمر حتى أصبح من أفضل مهاجمي الدوري.

 

الرهان يتكرر

 

بدأ مانشستر يونايتد خطوات جدية نحو التعاقد مع مبيومو، بعد أن وافق برينتفورد على العرض الثالث المُقدم والذي بلغت قيمته نحو 71 مليون جنيه إسترليني (88.6 مليون دولار).

 

تأتي هذه الصفقة مباشرة بعد إعلان “الشياطين الحمر” ضم البرازيلي ماتيوس كونيا من ولفرهامبتون في أواخر أيار/مايو الماضي.

 

كونيا تألق بشكل لافت خلال الموسم الماضي، حيث سجل 15 هدفًا وقدم 6 تمريرات حاسمة، مساهماً بذلك في 38% من إجمالي أهداف ولفرهامبتون في الدوري الإنجليزي الممتاز.

 

وفي موسمه الأول بالبريميرليج، بعد انتقاله من أتلتيكو مدريد، سجل 12 هدفًا وصنع 7، متفوقًا على جميع مهاجمي مانشستر يونايتد في نفس الفترة.

 

ورغم أن صفقة انتقاله إلى ولفرهامبتون بدت مخاطرة آنذاك بسبب تجربته غير الناجحة مع أتلتيكو، حيث خاض 10 مباريات فقط في الليجا خلال عامين، إلا أنه سرعان ما أثبت قدرته على التأقلم والتألق في أجواء الدوري الإنجليزي، ما جعل يونايتد يراهن عليه رغم شخصيته النارية.

 

أما مبيومو، فهو لا يحتاج لفترة تأقلم مشابهة، إذ يمتلك تجربة غنية في الكرة الإنجليزية منذ انضمامه إلى برينتفورد عام 2019، حينما كان الفريق لا يزال ينافس في دوري الدرجة الأولى. ومنذ ذلك الحين، تطور مستواه بشكل لافت مع كل موسم، ليصبح أحد أبرز نجوم الفريق في البريميرليج.

 

الطريق الصعب إلى القمة

 

لم يكن طريق مبيومو إلى الأضواء مفروشًا بالورود. اللاعب الفرنسي المولد، الكاميروني الأصل، بدأ مسيرته في دوري الدرجة الثانية الفرنسي مع تروا، قبل أن يشد الرحال إلى برينتفورد في عام 2019 حين كان النادي لا يزال في الدرجة الأولى الإنجليزية.

 

بموهبته وإصراره، ساهم في صعود برينتفورد إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، وواصل التألق على مدار ثلاث مواسم متتالية.

 

في موسم 2024-2025، انفجر مبيومو هجوميًا مسجلًا 20 هدفًا وصانعًا لـ7، ليصبح أول لاعب يصل لهذا الرقم في الدوري الإنجليزي من خارج يونايتد منذ روبن فان بيرسي في موسم 2012-2013.

 

ليس ذلك فحسب، بل بدأ جميع مباريات برينتفورد في الموسم الماضي، مؤكدًا قدرته البدنية وثبات مستواه، وهي خصائص غابت كثيرًا عن مهاجمي يونايتد في السنوات الأخيرة.

 

الصفقة المثالية نظريًا

 

يُعتبر مبيومو من نوعية المهاجمين الذين يعشقهم المدربون: سريع، ذكي في تحركاته بين الخطوط، يملك قدمًا قوية، وفعال أمام المرمى. والأهم، هو ملمّ تمامًا بالبيئة الإنجليزية. ولهذا السبب، أبدى روبن أموريم، المدير الفني الجديد لمانشستر يونايتد، إصرارًا كبيرًا على ضمه.

 

قال أموريم في أحد تصريحاته: “الفارق في الدوري الإنجليزي ليس تكتيكيًا، بل بدني. الالتحامات، السرعة، الحدة.. كلها أمور مختلفة تمامًا عن الدوريات الأخرى. نحتاج للاعبين تعوّدوا على هذا الضغط”، ومبيومو يجسّد ذلك تمامًا.

 

ورغم كل هذه الإيجابيات، فإن القيمة المالية للصفقة أثارت الكثير من الجدل. دفع مانشستر يونايتد 65 مليون جنيه إسترليني مقدمًا، مع 6 ملايين إضافية كمكافآت، ليصل الإجمالي إلى 71 مليونًا، وذلك رغم أن عقد اللاعب كان سينتهي بنهاية الموسم المقبل.

 

من وجهة نظر اقتصادية، كان بإمكان يونايتد الانتظار 12 شهرًا والتوقيع مع اللاعب مجانًا، أو على الأقل، محاولة تخفيض المبلغ في ظل ضغوط برينتفورد لبيعه قبل خسارته دون مقابل.

 

لكن كما حدث مع صفقات سابقة، بدا أن إدارة مانشستر يونايتد اختارت الطريق السهل: دفع المبلغ المطلوب دون مفاوضات فعالة.

 

هل هي “ضريبة يونايتد” مجددًا؟

 

يُقال كثيرًا إن الأندية الإنجليزية، وخصوصًا مانشستر يونايتد، تدفع ما يُعرف بـ”الضريبة الخفية” بسبب سمعتها وقدرتها المالية. وها هو المثال يتكرر: لاعب في العام الأخير من عقده يُباع بـ71 مليون جنيه.

 

ولعل المقارنة مع صفقات أخرى توضح الفارق: مانشستر سيتي تعاقد مع ماتيو كوفاسيتش في وضع مشابه مقابل 25 مليونًا فقط، وضمّ ريان شرقي بنفس الوضعية مقابل 30.4 مليون. أما توتنهام، فدفع أقل بـ10 ملايين لضم دومينيك سولانكي، الذي كان عقده أطول بثلاث سنوات.

 

وما يثير الاهتمام أن عمر برادة، الرئيس التنفيذي الحالي ليونايتد، هو من كان يقود عمليات التفاوض في مانشستر سيتي سابقًا. كان معروفًا بسياساته الصارمة في التقييمات، وصرّح في 2020: “لا نتعاقد مع أي لاعب إلا إذا شعرنا أن السعر يعكس قيمته الفنية”، فكيف تفسر هذه الصفقة؟

 

يبدو أن حتى أكثر العقول المالية حنكة، مثل عمر برادة، تجد صعوبة في مقاومة الضغوط الجماهيرية والإعلامية والتجارية في “أولد ترافورد”، حيث يتطلب الأمر النجاح الآن، بأي ثمن.

 

تضييق هامش الخطأ

 

كل هذا يجعل هامش الخطأ أقل من أي وقت مضى. الإنفاق الكبير، مع عدم وجود مبيعات حتى الآن، وضع ضغوطًا مالية هائلة على الإدارة الجديدة، التي لجأت إلى تخفيضات كبيرة في عدد الموظفين.

 

وتشير التقارير إلى أن تسريح 450 موظفًا وفّر فقط حوالي 20 مليون جنيه إسترليني، أي أقل بكثير من الفارق بين ما كان يجب دفعه وما تم دفعه لمبيومو وحده.

 

مع عدم وجود عروض حقيقية للاعبين مثل ماركوس راشفورد أو جارناتشو، فإن الآمال معلقة على كونيا ومبيومو لقيادة الفريق إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والنجاح.

 

قد تكون هذه الصفقة بداية تغيير فعلي في سياسة التعاقدات في يونايتد. صحيح أن السعر قد يبدو مبالغًا فيه، لكن على الأقل، هذه المرة، وقع النادي مع لاعب أثبت نجاحه محليًا، ويمتلك مقومات الاستمرارية والتطور.

 

وإذا نجح مبيومو في تكرار أرقامه مع فريق أكبر وتحت ضغوط أعلى، فقد يتحول هذا الاستثمار المرتفع إلى صفقة رابحة على المدى الطويل.

 

لكن إذا تكررت خيبات الأمل، فإن شبح “ضريبة يونايتد” سيواصل مطاردة النادي، وسيكون من الصعب تبرير الإنفاق الهائل في ظل نتائج متذبذبة.

 

 

المصدر: الاخبار كووره