حين تشتعل الحروب، وتعلو أصوات القنابل فوق أصوات الحقيقة، يبقى الفن هو اللغة الوحيدة التي لا تُقمع، ولا تُشوّه، ولا تُخضع. حين تتكالب آلة الحرب على الحقيقة، وتُغلق نوافذ الإعلام أمام صوت المظلوم، ينبري الفن ليكون الشاهد والراوي، والصرخة التي لا تُسكت. في الحرب الإعلامية والعسكرية المفروضة التي استمرت اثني عشر يوماً بين إيران والكيان الصهيوني، لم تكن البنادق وحدها في الميدان؛ بل كانت الريشة أيضاً، ترسم، توثق، وتفضح.
في الحرب المفروضة الأخيرة، لم تكن الجبهات العسكرية وحدها مسرحاً للمواجهة، بل كانت جدران المعارض، وشاشات التصميم، وصفحات الفنانين، ساحات مقاومة بصرية، حيث تحوّل الغرافيك الإيراني إلى مرآة للوجع، وراية للعزة، وسردية فنية توثق الحقيقة وتفضح المعتدي.
الغرافيك كفن مقاومة؛ من التوثيق إلى التعبئة
الغرافيك، بما يحمله من قدرة على الدمج بين الرمز واللون والخط، أثبت خلال هذه الحرب العدوانية المفروضة أنه ليس مجرد وسيلة تعبير، بل أداة مقاومة وتوثيق وتعبئة. الفنانون الإيرانيون، من خلال أعمالهم الغرافيكية، لم يكتفوا بتصوير مشاهد العدوان، بل أعادوا صياغة السردية الإعلامية، وواجهوا التزييف البصري الذي تمارسه المنصات الغربية، بلغة فنية دقيقة، مؤثرة، وعابرة للحدود.
في هذه الأعمال، لم تكن الصور مجرد انعكاس للواقع، بل كانت إعادة تشكيل له، حيث ظهرت رموز المقاومة، وصور الشهداء، وأيقونات الصمود، في تكوينات بصرية تحمل في طياتها رسائل سياسية وإنسانية عميقة. لقد تحوّل الغرافيك إلى وثيقة حيّة، تُسجل اللحظة، وتُخلّدها، وتُعيد إنتاجها في ذاكرة الأمة.
لوحات فنية من كلام قائد الثورة
بالنظر إلى الأحداث التي وقعت، قام موقع KHAMENEI.IR أيضاً بتصميم ونشر لوحات خلال الحرب المفروضة، استناداً إلى تصريحات قائد الثورة، حيث كانت كل واحدة منها بليغة للغاية، وهنا نشير إلى بعض النماذج التي نُشرت مؤخراً:
– لوحة “يا جيش حيدر الكرار، احمل الخنجر اليمني”: قال سماحة آية الله الخامنئي: «ما قامت به الأمة اليمنية وحكومة أنصار الله في دعم شعب غزة، هو بحق جدير بالثناء… نأمل إن شاء الله أن تستمر هذه الجهادات والمقاومات حتى النصر بإذن الله تعالى» (بتاريخ 26/10/1402 هـ.ش). وقد نشر موقع KHAMENEI.IR، تكريماً لانتصارات الشعب اليمني الأخيرة ضد الكيان الصهيوني، لوحة بعنوان «احمل الخنجر اليمني».
– لوحة “عندما تكون الضربة قوية!”: قال سماحة آية الله الخامنئي: «لقد دخلنا الحرب بقوة؛ والدليل الواضح على ذلك هو أن الكيان الصهيوني، الذي كان الطرف المقابل في الحرب، اضطر إلى اللجوء إلى أمريكا. لو لم يكن قد انكسر، لو لم يكن قد هزم، لو لم يكن بحاجة، لو كان قادراً على الدفاع عن نفسه، لما لجأ بهذه الطريقة إلى أمريكا. لقد لجأ إلى أمريكا؛ أي أنه أدرك أنه لا يستطيع مواجهة الجمهورية الإسلامية. وبالنسبة لأمريكا أيضاً، الأمر كذلك؛ أمريكا أيضاً عندما هاجمت، كانت ضربتنا المضادة لها ضربة حساسة جداً…» (بتاريخ 16 يوليو هذا العام) وقد نشر موقع KHAMENEI.IR، استناداً إلى هذا الجزء من تصريحات قائد الثورة، لوحة بعنوان «عندما تكون الضربة قوية!».
الفنانون في قلب المعركة؛ ريشة لا تنام
من بين أبرز الفنانين الذين شاركوا في هذه الملحمة البصرية، نذكر مسعود شجاعي طباطبائي، محمد حسين نيرومند، مازيار بيجني، حسين يوزباشي، وغيرهم، الذين انبروا في لحظات التوتر والتهديد، ليحولوا أدواتهم الفنية إلى أسلحة رمزية، تُقاوم العدوان، وتُعبّر عن وجدان الأمة.
هؤلاء الفنانون، لم يعملوا في ظروف مثالية، بل في ظل تهديدات، وضغوط نفسية، وساعات من السهر والتأمل، أنتجوا أعمالاً غرافيكية تُجسّد لحظات الحرب، وتُعيد رسم ملامحها، وتُخاطب العالم بلغة الصورة. كل عمل منهم كان بمثابة بيان سياسي، وصرخة فنية، ونداء إنساني.
الغرافيك يفضح العدوان
في قلب هذه الحركة الفنية، أُقيم معرض «بوزه بند» أي “الخِطام” في قاعة “عالي” التابعة لـ “حوزه هنري”، بإشراف الفنان مسعود شجاعي طباطبائي. المعرض، الذي ضم 82 عملاً من الكارتون والكاريكاتير والغرافيك، كان بمثابة منصة بصرية لمواجهة العدوان الصهيوني والأمريكي.
البيان الافتتاحي للمعرض حمل نبرة حاسمة، إذ وصف الأعمال بأنها «صدى فني لردّ شعبٍ واجه التهديدات بالعزة والوعي». وقد عبّر المعرض عن خلفيات مشاريع استعمارية، وكشف عن الأبعاد الرمزية والسياسية للعدوان، من خلال تكوينات غرافيكية دقيقة، ساخرة، ومؤلمة.
الغرافيك الإيراني في الفضاء العالمي
ما ميّز هذه الأعمال الغرافيكية، هو قدرتها على الانتشار السريع في الفضاء الرقمي، حيث تجاوزت حدود الجغرافيا، ووصلت إلى جمهور دولي، لتُسهم في فضح جرائم الاحتلال، وتثبيت الرواية الإيرانية في وجه التزييف الإعلامي.
اللغة البصرية، بطبيعتها، لا تحتاج إلى ترجمة، وهذا ما جعل الغرافيك الإيراني أداة فعالة في التنوير، والتأثير، والتعبئة. لقد تحوّلت هذه الأعمال إلى رسائل مقاومة تُخاطب الضمير العالمي، وتُعيد تشكيل الوعي تجاه ما يحدث في المنطقة.
الغرافيك كذاكرة وطنية
منذ بداية الحرب المفروضة وهجوم الصهاينة على بلادنا، قام عدد من الفنانين في مجال الفنون البصرية بإبداع أعمال فنية أدانوا من خلالها هذا الحدث وهذه الجريمة.
الأعمال الفنية التي أُنتجت خلال فترة الحرب، لم تكن فقط راوية لعزة إيران، بل أصبحت لغة مشتركة عالمية لنقل الحقيقة.
وقد قدّمت هذه الأعمال، بلغة الصورة، سرداً واضحاً عن مقاومة وعزة وصلابة الشعب الإيراني، وأدّت دوراً مؤثراً في التوعية الداخلية والدولية حول حقائق الحرب والعدوان.
تمكّن الفنانون، من خلال الجهد المتواصل على مدار الليل والنهار، من تصوير اللحظات الحساسة لهذه المرحلة بلغة عالمية ومفهومة، وأصبحت أعمالهم الآن مسجلة في الذاكرة التاريخية للشعب الإيراني.
وفي زمن تُغلق فيه أقسام الكاريكاتير والغرافيك في الصحف، ويُحاصر فيه الفن المقاوم، يُثبت الفنانون الإيرانيون أن الغرافيك ليس مجرد تصميم، بل هو ذاكرة وطنية، ووثيقة حق، وسلاح رمزي في وجه الاحتلال. هذه الأعمال، التي وُلدت من رحم الحرب، ستبقى محفوظة في الذاكرة التاريخية، وستُروى للأجيال القادمة، لا كصور، بل كحكايات عن شعبٍ قاوم، وفنٍ لم ينكسر.