الأمهات قبل كورونا لسنَ كما بعدها:

التعليم المنزلي دمّر حياتنا

"عاجزة عن العناية بأولادها ومنزلها ومتطلّباتهم المستجدّة"، تعاني الأمهات اللاتي تأثرن أكثر بكوفيد 19، من إجهادٍ صادم مرتبط بالجائحة. وقد ذكر الكثير من الأمهات أنهن يعانين من أعراض اضطراب الإجهاد الحاد.

على الرغم من مرور ثلاث سنوات تقريباً، إلا أن ناديا ما زالت حتى اليوم تتأمل شاشة اللوح الرقمي بيأسٍ، في كل مرةٍ تحاول فيها تسجيل الدخول للمنصة التعليمية التي أطلقتها مدرسة ابنتها، بعد بداية التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا.

“كرهتُ العلم وبتّ أكره المدرسة أكثر مما يكرهها الأطفال”، تقول ناديا، التي خلق فيروس كورونا لها مشكلة حياتية يومية تتصارع معها كل يوم، شأنها شأن عشرات الأمهات.

ماريا، أم لثلاثة أطفال، ومهندسة ديكور، تقول إن كوفيد 19 “دمّر حياتها”، وجعلها تتحوّل من سيدة ناجحة في عملها وتدير شؤون منزلها بإتقان، إلى أمٍ “عاجزة عن العناية بأولادها ومنزلها ومتطلّباتهم المستجدّة”.

ولأمهاتٍ أخريات مشاكل وصراعات مختلفة خلقها فيروس كورونا، جعلت حياتهنّ بعد الجائحة مختلفة تماماً عن حياتهنّ قبلها.

فقد كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة JAMA Network Open (مجلة طبية شهرية تنشرها الجمعية الطبية الأميركية)، كيف تأثرت الأمهات بالتغييرات التي حصلت أثناء الوباء، مظهرةً نتائج مدهشة.

الدراسة التي أُجريَت على 11473 أماً، وجدت مجموعتين مختلفتين من الأمهات، الأولى والتي تضمّ 8412 أماً، تعاني من تغيّرٍ كبير، بينما شهدت المجموعة الثانية التي تضمّ 3061 أماً، تغيّراً منخفضاً.

وقد أبلغت الأمهات، اللواتي شهدن تغيّرات كبيرة، عن اضطرابات أكبر في الحياة، وعزلة اجتماعية، واعتماد سلوكيات تأقلم للتخفيف من آثار الوباء، إضافة إلى تغيّرات في سلوكياتهنّ الصحية الروتينية.

وفي كلتا المجموعتين، عانت الأمهات اللاتي تأثرن أكثر بالوباء، من إجهادٍ صادم مرتبط بالجائحة. وقد ذكر الكثير من الأمهات أنهن يعانين من أعراض اضطراب الإجهاد الحاد، وهو مشكلة صحية عقلية يمكن أن تحدث في الشهر الأول بعد حدث صادم. تشبه أعراض هذا الاضطراب أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ولكن الفارق أن الأعراض يجب أن تستمر لمدة تزيد عن شهر، حتى يُشخّص الفرد باضطراب ما بعد الصدمة.

وفرَض فيروس كورونا حجراً صحياً قاسياً، جعلَ مهمة رعاية الأولاد والأطفال مرهقةً أكثر، ولا سيما مع إضافة مهمة جديدة تولّتها الأمهات، هي إدارة عملية التعلّم عن بعد. هذه المهمة الجديدة فرضت تحديات كثيرة على الأمهات، وأرغمتهنّ على القيام بدور المعلّمة والأم معاً.

كما عانت الأمهات أثناء محاولات التأقلم مع الوضع الجديد حينها، وفاقم معاناتهنّ الضغط الذي يشكّله الأطفال وصعوبة إقناعهم بتقبّل فكرة “الحبس” المنزلي. وولّدت مسؤولية رعاية المنزل وحمايته من الفيروس قلقاً مضاعفاً عند الأمهات، وجعلتهنّ يشعرن بإجهادٍ يفوق طاقاتهنّ.

هذا وكشفت دراسة، أعدّها خبراء جامعة كوليدج لندن، أن الأمهات اللواتي كنّ يعتنين بطفلٍ جديد، مع بداية الجائحة، كنّ أكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة بمقدار الضعف. وفاقم هذه المشكلة غياب المساندة الصحية والنفسية اللازمة في تلك الفترة.

أما في ما يخص الأمهات العاملات، فقد خسرت الكثيرات وظائفهنّ خلال الجائحة، إما نتيجة الإغلاق أو نتيجة الأزمات الاقتصادية التي عانت منها أغلب دول العالم، في حين وجدت أخريات أنفسهنّ أمام ظروف عمل مجهدة أو غريبة (كالعاملات في القطاع الصحي)، وهذا ما أدى إلى تغيّرٍ جذري في نمط حياتهنّ.

وقد شكّل الروتين القاسي والمنهك الذي عاشته الأمهات بشكلٍ عام، خلال فترة انتشار فيروس كورونا، عاملاً سلبياً عزّز شعورهنّ بالتعب والإرهاق.

“لا يمكننا أن نستنتج من هذا البحث أن هؤلاء الأمهات، سيعانين من نتائج سلبية على الصحة العقلية بسبب الوباء، لكن نتائج هذه الدراسة تثير القلق”، تقول تيريزا باستين، الباحثة الرئيسية في الدراسة التي نشرتها مجلة JAMA Network Open.

أما ماريا فتقول إنها تشعر أن “قلبها قد لا يحتمل أن تعيش فترة شبيهة بفترة انتشار فيروس كورونا”.

الميادين