الإنجازات النووية السلمية الإيرانية "الجزء التاسع"

ثورة المواد المركبة بالتكنولوجيا النووية

خاص الوفاق: إنّ دخول التكنولوجيا النووية في مجال إنتاج المواد المركبة قد فتح فصلًا جديدًا من الثورة الصناعية؛ حيث يمكن للإشعاع النيوتروني وغاما المُتحكَّم فيه إعادة تعريف الخصائص الميكانيكية والحرارية والهيكلية للمواد. ولطالما ارتبط عالم تكنولوجيا المواد بحلمٍ كبير: تصميم مواد تجمع بين خفة الوزن، والمقاومة العالية، والمتانة الحرارية، والمرونة في التشكيل. وقد أصبح هذا الحلم في العصر الحاضر أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى، وأحد العوامل الرئيسية في هذا التحول هي التكنولوجيا النووية. وفي وقت لم تعد المنافسة في صناعات الطيران والفضاء والسيارات تدور فقط حول التصميم، بل أصبحت تعتمد على جودة المواد وقدراتها التقنية، فإن دخول أدوات حديثة تعتمد على الإشعاع والنظائر المستقرة ومعجلات الجسيمات، قد فرض نظامًا جديدًا على هندسة المواد. وفي مجال الصناعات الفضائية، يتزايد يومًا بعد يوم الطلب على مواد قادرة على مقاومة الإشعاع الكوني، والصدمات الحرارية، والضغوط الشديدة. في مثل هذه الظروف، يُعد استخدام تقنيات الإشعاع لتعديل البنية الداخلية للمواد المركبة حلاً منخفض التكلفة وفعّالًا لتعزيز أدائها. كما أن صناعة السيارات، التي تسعى بشكل متزايد إلى تقليل وزن المركبات دون التضحية بالأمان والمتانة، تجد في المواد المركبة المعالجة بالإشعاع إجابة مبتكرة. التكنولوجيا النووية، خلافًا للتصور الشائع الذي يحصرها في إنتاج الكهرباء أو الاستخدامات العسكرية، تلعب دورًا فريدًا في مجال المواد المركبة. بدءًا من التشعيع بأشعة غاما لتحسين بلمرة الراتنجات، وصولاً إلى استخدام النيوترونات لهندسة الخصائص الميكانيكية، أو مسرعات الجسيمات لإنشاء روابط جزيئية أقوى، فقد استطاعت كل من هذه الأدوات حل جانب من التحديات القديمة في الصناعة. تم تنظيم هذا التقرير بدءًا من تعريف التكنولوجيا، وشرح المبادئ والمكونات والعمليات، مرورًا بالتطبيقات والمزايا والتحديات، ووصولاً إلى تقديم أمثلة ورؤية مستقبلية، وذلك لإعطاء القارئ فهمًا واضحًا وشاملًا لهذا التحول العلمي والصناعي.

* مقدمة ومبادئ التقنية العامة

 

تستند تقنية استخدام الإشعاع النووي في إنتاج وتحسين المواد المركبة على مبدأين أساسيين: الأول هو تأثير الإشعاعات المؤينة مثل غاما أو النيوترونات على البنية الجزيئية للمواد البوليمرية أو المعدنية، والثاني هو إمكانية التحكم الدقيق في مستويات طاقة هذه الإشعاعات وجرعاتها. هذه الخصائص تتيح تغيير الخصائص الميكانيكية والحرارية وحتى الكهربائية للمواد هندسياً دون الحاجة إلى اتصال فيزيائي أو استخدام مواد كيميائية خطرة.

 

وفي عملية إنتاج المواد المركبة لصناعات الفضاء أو السيارات، يتم عادةً استخدام مصفوفات بوليمرية مدعمة بألياف الكربون أو الزجاج أو الأراميد. على الرغم من خفة وزن هذه المركبات، إلا أنها تحتاج إلى تعديل الهياكل الداخلية وتحسين الروابط السطحية بين مكوناتها لتحقيق أقصى قدر من الخصائص الميكانيكية. هنا يأتي دور التشعيع كحل مثالي.

 

ويحدث الإشعاع تغييرات دقيقة في البنية المجهرية للمواد، مما يعزز قوة الروابط بين المصفوفة البوليمرية والألياف، ويزيد من مقاومة الحرارة والتآكل، ويحسن المتانة العامة للمادة النهائية. تتم هذه العملية في غرف محكمة الإغلاق باستخدام مفاعلات نووية أو مسرعات جسيمات، مع ضمان السلامة الكاملة من خلال أنظمة التحكم الإشعاعي المتطورة.

 

وتستمد أشعة غاما عادةً من مصادر مشعة مثل الكوبالت-60 أو السيزيوم-137، وتتميز بقدرة عالية على الاختراق وتأثير متجانس على كامل حجم المادة عند جرعات محددة. هذه الخصائص تجعلها مثالية لعمليات مثل المعالجة المتزامنة للقطع، وتحسين التصاق الطبقات، وزيادة مقاومة الحرارة، أو حتى التحكم في معدل تبلور البوليمرات.

 

من ناحية أخرى، يمكن للنيوترونات – خاصة في التطبيقات البحثية أو الصناعية الخاصة – أن تخترق بنية المادة وتحدث عيوباً محكمة التحكم، مما يسهل عمليات مثل تعزيز الصلابة أو تحسين التوصيل الحراري. أما معجلات الجسيمات فتمكننا من ضبط طاقة الأشعة بحيث يتم تعديل طبقات محددة فقط من المادة دون تعريض الهيكل كله للإشعاع.

 

وهكذا تصبح تقنية التشعيع أداة لتصميم خصائص المواد بشكل مستهدف: مواد للفضاء خفيفة الوزن لكنها تعمل في درجات حرارة تصل إلى 1200 درجة، أو هيكل سيارة لا ينكسر عند الاصطدام لكنه لا يحمل ثقل المعدن. مثل هذه الرؤى لم تكن لتصبح ممكنة لولا الدقة والقوة التي توفرها أدوات التشعيع.

 

يُتبع….

 

الجزء الأول: “الرينيوم-188”.. رمز نضج التكنولوجيا النووية الإيرانية في مجال الطب

 

 

الجزء الثاني: المُسرّع الليزري الإيراني.. ثورة في علاج السرطان واستكشاف الفضاء

 

 

الجزء الثالث: التصوير الدقيق للأورام بتقنية نووية إيرانية الصنع

 

 

الجزء الرابع: الرادیونوكليد Pt-195.. وقود الدفع للدواء الإيراني المضادّ للسرطان

 

 

الجزء الخامس: إنتاج أرز مقاوم للجفاف باستخدام التكنولوجيا النووية

 

 

الجزء السادس: رصد دافعات الميكرونيوتن للأقمار الصناعية بتقنية نووية إيرانية

 

 

الجزء السابع: ¹⁷⁷Lu-CXCR4.. دواء إشعاعي إيراني لوقف النقائل السرطانية

 

الجزء الثامن: إنتاج الدواء الإشعاعي ⁶⁸Ga-RM₂ لتصوير الأورام في إيران

 

 

 

المصدر: الوفاق-خاص

الاخبار ذات الصلة