نزلت الآية 62 من سورة الشعراء في واحدة من أكثر اللحظات حساسية ومصيرية في قصة النبي موسى(ع)؛ حينما أخرج بني إسرائيل من مصر، وكان فرعون وجيشه يطاردهم. وصل بنو إسرائيل إلى بحر عظيم، وكان الطريق أمامهم مسدوداً، بينما كانت خيول جيش فرعون تقترب من الخلف. في هذا الوضع الحرج، أصيب أتباع موسى بالخوف والاضطراب، وقالوا: «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ» أي: لا محالة سنُهزم ونُؤخذ.
الآية 62 كانت ردّ موسى(ع) على هذا الخوف والاضطراب، وهي من أجمل عبارات التوكل والإيمان والثقة بالله في القرآن الكريم.
– كَلَّا: تعني «أبداً» أو «ليس كذلك»، وهي هنا رفض قاطع للخوف واليأس.
– إِنَّ مَعِيَ رَبِّي: أي أنّ الله ليس فقط معيناً خارجياً، بل حاضرٌ شخصياً مع موسى(ع).
– سَيَهْدِينِ: أي أنّ الله سيُريني طريق الخلاص من هذا الموقف الصعب.
في ذروة الخوف واليأس، لم يكن لدى النبي موسى(ع) أي اضطراب، على عكس أتباعه. كلامه يُظهر إيماناً لا يتزعزع بعون الله. عبارة «إنّ ربِّي معي» تُعبّر عن يقين عميق، لا يستند إلى الأسباب الظاهرة، بل إلى معرفة ربوبية الله.
في تفسير «الميزان» ورد أنّ موسى(ع) لا يقول إنه يعرف طريق النجاة، بل يقول إنّ الله معه، وهو الذي سيهديه. في هذا القول، هناك نفي للقلق، ووعد يقيني بالفرج الإلهي.
يُفرِّق علماء التفسير بين «المعيّة العامّة» لله التي تشمل جميع المخلوقات، و«المعيّة الخاصّة» التي تخصّ الأنبياء والأولياء. وهذه الآية مثال على المعيّة الخاصّة، حيث يكون الله حاضراً، ناصراً، هادياً، وحافظاً. في تفسير «مجمع البيان» ورد أنّ المقصود بـ«معي» في هذه الآية هو المعيّة بعناية، وهداية، ولطف، ورحمة، وليس مجرد الحضور الوجودي أو العلمي.
هذه الآية نموذج لكل البشر في لحظات الأزمات. أحياناً يصل الإنسان إلى موقف يبدو فيه أن كل الطرق مغلقة، ولا أمل باقٍ. في تلك اللحظة، يتجلى الإيمان الحقيقي. موسى(ع)، في تلك اللحظة، يقول بثقة وهدوء: «كلّا! إنّ ربِّي معي».
هذه الروح نجدها أيضاً في سيرة النبي الأعظم محمد(ص)، حين قال لأبي بكر في غار ثور: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» (التوبة/ 40) أي أن عدد الأعداء أو انسداد الطريق لا يهمّ؛ المهمّ أن الله معنا.
هذه الآية، إلى جانب آيات مثل: «إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا» (النحل/ 128)، و«إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (البقرة/ 153)، و«لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» (التوبة/ 40)، تُظهر فلسفة توحيدية ترى أنّ الحلول لا تكمن في الأسباب الظاهرة، بل في الاتصال بالله.
إذا نظرنا إلى الآية من زاوية إدارة الأزمات، فإن النبي موسى(ع)، في ذروة التهديد والاضطراب الجماعي، لا يزيد الخوف، بل يطلق عبارة حاسمة، هادئة، ومليئة بالثقة، تغيّر الأجواء بالكامل.
في علم النفس، يُسمّى هذا النموذج «نموذج خلق الثقة». القادة الكبار، في لحظات الأزمات، بكلمات بسيطة ولكن قوية، يزرعون الطمأنينة في النفوس. موسى(ع)، بكلمة واحدة، أعاد الأمل إلى قلوب جماعة مذعورة. وهذا ما يفعله قائد الثورة الإسلامية في الأزمات المتعددة.
عبارة أتباع النبي موسى(ع): «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ» تعبّر عن نظرتهم المادية. كانوا ينظرون فقط إلى الظاهر: البحر أمامهم، وجيش العدو خلفهم، فظنوا أن النهاية حتمية؛ لكن موسى(ع) نظر إلى القدرة الإلهية، لا إلى الظاهر. لذا، فإن تفسير هذه الآية يُظهر التناقض بين النظرة المادية والنظرة التوحيدية.
في تاريخ الخطاب السياسي والديني في إيران، يتردد صدى الكلمات القرآنية في لحظات المفصل التاريخي، فتتحول من نصوص روحية إلى شعارات مقاومة تُبث في نفوس الجماهير معنًى يتجاوز اللحظة الآنية. من هذا الباب، يأتي الاقتباس الذي استخدمه سماحة قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، حين شبّه التشكيك في قدرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما قاله بنو إسرائيل في مواجهة البحر والعدو: «إنا لمدركون». فيردّ بما ردّ به النبي موسى(ع): «كلا إن معي ربي سيهدين».
أما نشر صورة نقش خاتم سماحة قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي في هذه المناسبة، فهو تكثيف بصري للرمزية الإيمانية. فالخاتم في الثقافة الإسلامية له حضور في التمائم والرموز الشخصية، ونقشه غالباً ما يحمل دعاء أو آية تعبّر عن الهوية الإيمانية للمرتدي. نشر الصورة في هذا السياق هو بمثابة تأكيد على التماهي بين القول والفعل، بين الخطاب والرمز، في تمثيل القيادة كمثال أعلى في الثقة بالله.
الآية التي ذكرناها تمثل قمة التوكل النبوي في لحظة اليأس، حين أُغلق الطريق أمام موسى(ع) وقومه، والبحر من أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم. في تلك اللحظة، لا يخاطب موسى قومه بخطة مادية، بل بإيمان مطلق: «إن معي ربي». هذه العبارة في السياق الإيراني تتحول إلى إعلان بأن القوة الحقيقية لا تكمن في العدة والعدد، بل في الإرادة الإيمانية المتجذرة في العلاقة مع الله.
هذه الآية تُعلّمنا أن أعظم قوة في الحياة ليست في السلاح أو المال أو كثرة العدد، بل في الاتصال بالله والثقة به. توكل موسى في تلك اللحظة هو الذي شقّ البحر الأحمر، لكن المعجزة الحقيقية كانت قد حدثت في قلب موسى من قبل: حينما قال «الله يكفيني».
أنشد الشاعر الإيراني «يوسف رحيمي» قصيدة عن الموضوع جاء فيها: نقش الحجر الكريم في خاتمك شعر المقاومة!.. «إِنَّ مَعِيَ رَبِّي» أصبح نقش الحجر الكريم في خاتمك.. لقد منحتَ شعباً حياةً، بإيمانك ويقينك.. هذا همس النصر، يأتي من يسارك.. وهذا بشير الفوز، يأتي من يمينك.. على كتفك رأينا وشاح السيادة.. هل هو وشاح السيادة، أم الحبل المتين لك؟.. نداؤك الصادح ينبثق من حنجرة عاشوراء.. وقد دوّى صداه في آذان العالم عمراً.. في يدك الراية، يا حامل اللواء! ما دام لواء العباس مرفوعاً.. فلا خوف في القلب، من عدوك اللعين.. هذا خاتم النصر، ويليق بيدك.. «إِنَّ مَعِيَ رَبِّي» أصبح نقش الحجر الكريم في خاتمك.