الموسيقى العاشورائية في صوت مصطفى راغب

المراثي الحسينية في إيران.. صوت الوجدان وذاكرة الطف

الرثاء الحسيني في إيران لم يكن يوماً مجرد طقس ديني، بل تحوّل إلى أداة مقاومة ثقافية ضد الظلم، حيث تُستحضر مظلومية الإمام الحسين(ع) في مواجهة الطغيان.

حين يتحول الحزن إلى فنٍّ جماعي
منذ أن ارتفعت راية الإمام الحسين(ع) في كربلاء المقدسة، لم تعد المراثي مجرد كلمات تُقال، بل تحوّلت إلى طقسٍ ثقافيٍ عميق، يُعيد تشكيل الوجدان الجمعي، ويُجسّد الحزن كقيمة روحية وفنية. في إيران، حيث تداخلت التقاليد الشعبية مع الإرث الموسيقي الفارسي، نشأت مدارس فنية فريدة في أداء الرثاء الحسيني، تُنشد في الحسينيات، المساجد، والساحات العامة، وتُعبّر عن الحزن، الفداء، والولاء، بلغة الشعر والنغم والدمعة.
 

الرثاء الحسيني والأداء الفني

الرثاء في إيران لا يُؤدى ارتجالاً، بل يُبنى على أسس موسيقية دقيقة، حيث يستخدم عدة مواضيع منها:

– الشعر الفارسي الكلاسيكي والمعاصر، خاصة قصائد الرثاء والوجد.

– المقامات الموسيقية الإيرانية مثل «أصفهان»، «ماهور»، و«شور»، التي تُضفي طابعاً روحياً على الأداء.

– الإيقاع الجماعي، حيث يشارك الجمهور في اللطم والردّ الصوتي، مما يُحوّل المجلس إلى مشهد تفاعلي حيّ. ويُعدّ الرثاء الحسيني في يزد، كاشان، ومشهد من أبرز النماذج التي جمعت بين الطرب الروحي والالتزام العقائدي.

 

المراثي.. سردية الطف بلغة الشعر

المرثية الحسينية هي فن شعري أو نثري يتناول مأساة كربلاء ورثاء الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وصحبه، حيث يذكر فيه الشاعر مقتل الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه، معبرًا عن الحزن والألم لفقدانهم.
المراثي تُعدّ العمود الفقري لمجالس العزاء، وهي تُروى بصيغ متعددة منها:

– المقتل الشعري: سرد واقعة عاشوراء بأسلوب شعري مؤثر.

– النوح الجماعي: حيث يُردّد الجمهور أبياتاً حزينة بصوت واحد.

– المراثي المسرحية: تُؤدى في «التكيات» عبر تمثيل واقعة الطف، وتُستخدم فيها الأزياء، الموسيقى، والحوار الدرامي.

وقد تطوّرت هذه المراثي عبر العصور، بدءاً من «روضة الشهداء» في القرن العاشر الهجري، وصولاً إلى أعمال حديثة تُستخدم فيها تقنيات صوتية وموسيقية متقدمة.

 

الفن العاشورائي كأداة مقاومة

الرثاء الحسيني في إيران لم يكن يوماً مجرد طقس ديني، بل تحوّل إلى أداة مقاومة ثقافية ضد الظلم، حيث تُستحضر مظلومية الإمام الحسين(ع) في مواجهة الطغيان، ووسيلة تربية روحية، تُعلّم الصبر، الكرامة، والوفاء، وكذلك لغة عالمية، تُستخدم لنقل رسالة عاشوراء إلى الشعوب الأخرى، عبر الترجمة، الموسيقى، والمسرح.

 

 حين يتكلم الفن بلغة الامام الحسين(ع)

في زمن تتقاطع فيه الأصوات بين الحداثة والهوية، وبين الإيقاع والرسالة، يبرز الفنانون الذين لا يكتفون بالغناء، بل يُحوّلون الصوت إلى وسيلة تواصل روحي وثقافي. من هؤلاء الفنان مصطفى راغب، الذي جمع بين الموسيقى العصرية والرثاء الحسيني، ليُعيد تعريف العلاقة بين الفن والمقاومة، وبين اللحن والولاء.

في حوارٍ مع صحيفة «إيران»، يتحدث راغب عن تجربته في مدح أهل البيت(ع)، وعن رؤيته الفنية لنقل ثقافة عاشوراء إلى الجيل الجديد، بأسلوب يجمع بين الأصالة والتجديد، وبين العلم الموسيقي والعاطفة الدينية.

 

 جذور الرثاء في حياة راغب

يروي راغب أن علاقته بالرثاء بدأت منذ الطفولة، حين كان والده عضواً في هيئة عزاء بمدينة يزد، ما جعله ينشأ في أجواء نوحية وروحية. يرى أن الرثاء الیزدي ليس مجرد أداء شعبي، بل فنٌّ طقوسي له قواعده الجمالية، ويعتبره امتداداً لفنٍّ أصيل يجب الحفاظ عليه وتطويره.

 

 الرثاء علمٌ وفنٌّ موسيقي

يؤكد راغب أن الرثاء ليس مجرد تلاوة، بل علمٌ قائم على قواعد موسيقية دقيقة. يشير إلى أن حتى تلاوة القرآن الكريم تستند إلى مقامات موسيقية عربية تتقاطع مع المقامات الإيرانية، مثل مقام «نهاوند» الذي يُقابل «أصفهان»، و«عجم» الذي يُقابل «ماهور». ويشدد على ضرورة أن يكون المداح ملمّاً بهذه المقامات، وأن يُتقن فنّ التلحين والتوزيع الصوتي.

 

 الشعر واللحن.. مفاتيح التأثير

يرى راغب أن جذب الجيل الجديد إلى الرثاء الحسيني يتطلب استخدام شعرٍ فاخر، ولحنٍ مناسب، وإيقاعٍ متنوع، دون التفريط بالأصالة. ويؤكد أن جمهور يزد تحديداً يتمتع بذائقة موسيقية عالية، ما يجعل مهمة المداح أكثر تحدياً. لذلك، يبدأ التحضير لشهر محرم قبل أشهر، ويستغرق التنسيق بين الشعر واللحن والتدريب الجماعي أحياناً ثلاثة أشهر كاملة.

 

 من الرثاء إلى المسرح

في خطوة جريئة، قدّم راغب قبل عامين حفلة موسيقية عاشورائية بعنوان «جهارپایه عشق» أي «ألأطراف الأربعة للحب» في برج ميلاد بطهران، مجاناً للجمهور. استخدم فيها آلات متنوعة مثل الغيتار الكهربائي والبيس والفيولنسل إلى جانب الآلات التقليدية، ليخلق عملاً فنياً عابراً للحدود، يُخاطب كل الأذواق، ويُجسّد رسالة عاشوراء بلغة الفن.

 

الرثاء بين التعبير والاحتجاج

يُفرّق راغب بين الرثاء العاشق والرثاء الاحتجاجي، ويعتبر أن استخدام الشعر الاعتراضي في سياق العزاء الحسيني يُفقده طابعه الروحي. ويقترح أن تُنتج هذه الأعمال في مناسبات أخرى، كأعمال موسيقية مستقلة، دون أن تُخلّ برسالة الحزن والمظلومية التي يجب أن تُنقل في أيام محرم.

 

 الموسيقى كاستراتيجية عاشورائية

يرى راغب أن الموسيقى تُعد من أقوى أدوات نشر ثقافة عاشوراء عالمياً، خاصة إذا اقترنت بأفكار جديدة وتوزيع احترافي. ويعتبر أن اختيار الشعر المناسب، والتلحين الذكي، والتواصل مع الجمهور، كلها عناصر تجعل من الفن وسيلة استراتيجية لنقل رسالة الإمام الحسين(ع) إلى العالم.

 

المصدر: الوفاق

الاخبار ذات الصلة