السرد في الأشياء، والصورة في الدموع
في الأجواء الطقسية للمراسم، دخلت عائلات الشهداء المفجوعة إلى موقع النُصب حاملين ذكريات بسيطة لكنها مؤلمة، مثل الصور، الدفاتر، الملابس، الأحذية، والقلائد الخاصة بأحبّائهم. كل قطعة كانت وثيقة حيّة عن الحياة والشهادة، ودليلاً على أن الظلم والعظمة يمكن سردهما من خلال أبسط مظاهر الإنسانية.
في أحد أكثر المشاهد تأثيراً، وقفت عائلة الشهيد المسعف في الهلال الأحمر بجانب سيارة إسعاف محترقة، حيث استُشهد ابنهم داخلها. الأم، الأب، والزوجة، غارقون في البكاء، نثروا زهوراً ذابلة على جسد السيارة الحديدي. كان المشهد مؤلماً لدرجة أن الحضور، والمصورين، والصحفيين تأثروا بشدة بهذا الوداع الصامت والمفجع.
في اللحظات الأولى لدخول العائلات إلى ساحة المراسم، أدى عرض صور الشهداء على الشاشة الكبيرة إلى ردود فعل عاطفية قوية. بعض العائلات أصابها الذهول، الحزن، والدموع عند رؤية وجوه أحبّائهم. الجدة، الأم، والأخت لشهيدة شابة، عانقن بعضهنّ فور رؤية صورتها؛ وكأن الزمان والمكان توقّفا لتفتح الذاكرة جرحاً حياً.
تضمّن البرنامج عرضاً مسرحياً في الشارع، جسّد مشهد انفجار سيارة إسعاف الهلال الأحمر والهجوم على سجن إيفين. كانت هذه العروض سرداً مباشراً ومؤلماً للواقع المرير في الأيام الأخيرة، حيث جسّد الممثلون دور الناجين والمسعفين، ونقلوا صرخة المظلومين إلى وجدان الجمهور.
في كلمته، وصف عليرضا زاكاني، رئيس بلدية طهران، الهجمات الأخيرة بأنها «دفاع مقدس ثانٍ»، وأكد على ضرورة إحياء ثقافة التضحية في الفضاء الحضري.
وقال: «هذا النُصب ليس مجرد بناء، بل هو رمز لإرادة شعب يصنع الأمل من قلب النار، ويكتب سردية الصمود من عمق الجراح.»
كما أعلن مهدي شمران، رئيس مجلس طهران البلدي، عن خطة لإنشاء متحف المقاومة الوطني، لتوثيق جرائم الكيانين الصهيوني والأمريكي في إيران، وليكون منصة توعوية للأجيال القادمة.
تم تكريم الفنان سيد علي ميرفتاح، الذي قام بطباعة صور الشهداء على جدران المدينة باستخدام تقنية «الشابلون»، بحضور رئيس البلدية.
وكان هذا التكريم تجسيداً لإحترام الفن الشعبي؛ الفن الذي يصرخ من الأزقة بصوت المقاومة، ويحفظ ذاكرة المدينة حيّة.
في ختام المراسم، تم تكريم عائلات الشهيد نيما رجب بور، الشهيدة زهرا شمس، الشهيد مجتبی ملكي، وعائلة الإخوة ناصر خمسه. كل لحظة تكريم كانت مزيجاً من الحزن والعظمة؛ الأمهات يحملن صور أبنائهن، الآباء بنظراتهم الثابتة، والأخوات بدموعهن الهادئة، وكأن جزءاً من أرواح أبنائهم قد أُودع في هذه الساحة.
في اللحظات الأخيرة من الليل، عزفت الأوركسترا السيمفونية مقطوعة «إيران سرفراز» أي «إيران الشامخة»؛ لحنٌ وطني امتزج بصوت الآلات وبكاء الحاضرين.
النُصب التذكاري «أطفال السماء» لم يكن مجرد رمز حضري، بل قطعة من الذاكرة الوطنية؛ علامة على حقيقة حيّة في قلب المدينة.
في تلك الليلة، لم تكن طهران مجرد مضيفة لمراسم، بل كانت لسان حال شعبٍ أعلن بلغة الفن، ودموع الأمهات، وثبات الآباء: لن ننسى، لن نتراجع، وسنواصل السرد.