بر الوالدين عبر الدعم النفسي: كيف نقدم المساعدة لآبائنا حين يتقدمون بالسن؟

أنت في مقتبل العمر أو منتصفه، ولم تدرك بعد ما تعنيه الكهولة حقا، بينما والداك مَضَيَا قُدما في اختبار ذلك، فراحة أيديهم الدافئة سَرَتْ فيها ارتعاشة هادئة، خُطَاهم السريعة والعجولة صارت متمهلة، قَسَمات وجوههم منكمشة بالتجاعيد، وأبدانهم تغص بآلام مبرحة من المتلازمات والأمراض، ما يجعل الدواء والعقاقير بالقرب منهم على منضدة فارغة، وغَزَت الشُّعيرات الفضية والبيضاء رؤوسهم، لتعلن بوضوح عن مرحلة جديدة، إنها الشيخوخة.

أنت في مقتبل العمر أو منتصفه، ولم تدرك بعد ما تعنيه الكهولة حقا، بينما والداك مَضَيَا قُدما في اختبار ذلك، فراحة أيديهم الدافئة سَرَتْ فيها ارتعاشة هادئة، خُطَاهم السريعة والعجولة صارت متمهلة، قَسَمات وجوههم منكمشة بالتجاعيد، وأبدانهم تغص بآلام مبرحة من المتلازمات والأمراض، ما يجعل الدواء والعقاقير بالقرب منهم على منضدة فارغة، وغَزَت الشُّعيرات الفضية والبيضاء رؤوسهم، لتعلن بوضوح عن مرحلة جديدة، إنها الشيخوخة.

 

قد تلاحظ ميل أبويك التدريجي حينئذ إلى التعلق بالمنزل وكثرة نسيان المواعيد، كتناول أقراص أو حبوب الأدوية، وقد يفقد أحدهما مفاتيحه أو محفظته بشكل متكرر أو يترك الموقد قيد التشغيل. تلك التغيرات الذهنية أو في الوظيفة الإدراكية تستدعي منا أن نكون يقظين، وأن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية: هل ظهرت هذه التغييرات شيئا فشيئا، أم وقَعَت فجأة؟ هل تزامنت مع أحداث أخرى أو تغييرات كوفاة أحد المقربين أو طلاقه، أم أنها عَرَض جانبي تسبب به

 

يُظهر هذا الاهتمام انعكاس العلاقة التقليدية بين الابن ووالديه/ا اللذين يتقدمان في السن، ليجمع الباحثون أنه يجدر معرفة أنه كلما تغير كلاكما فلا بد أن تتغير علاقتكما أيضا. لذا، فما من سبيل للحفاظ على قوة علاقتكما سوى بالتحلي بفضائل، كالصبر والقبول وتغيير التوقعات وإعادة صياغة علاقتنا بذوينا. إذ يحدث أن يصبح الأب أو الأم المسنّان أكثر تمحورا حول أنفسهم، ويصعب التواصل معهم، ألا يشعروا بالراحة في التواصل عبر الهاتف لوقت طويل، فتتحول المحادثات حول تفاصيل حياتنا ومجرياتها إلى تحية وحديث عابر أو مقتضب لا يتعدى بضع دقائق. ومن الشائع جدا عند كبار السن تطوير مخاوف وقلق وشكاوى مستمرة غالبا ما تعد صادمة أو غير عقلانية، وأن تتدهور أبصارهم وتضعف حاسة السمع لديهم وتتراجع الذاكرة ويصيبهم الخرف.

 

لماذا يصعب تفهم سن الشيخوخة؟

مع التقدم في العمر، يصبح الإنسان أكثر حساسية تجاه النقد، مترددا في طلب المساعدة من الآخرين أو قبولها، وعليه، لا يفصح المتقدمون في العمر عن احتياجاتهم وعما يحسون به بسهولة، يتبادر إلى أذهانهم أنه على أبنائهم تلقائيا معرفة دواخلهم، ولربما يتوقعون تصرفا بعينه، وحينما لا يقع، يشعرون بخيبة أمل.

ويمكن أن يؤدي التقدم في العمر والمرض إلى تفاقم الطباع الشخصية القديمة، فالشخص سريع الانفعال قد تجده يشتعل غضبا في أغلب الأحيان، والشخص ذو الصبر النافد قد يغدو متطلبا صعب المراس ويستحيل إرضاؤه، ليكون مقدم الرعاية نفسه في مرمى كبار السن الغاضبين.

 

أحيانا، يقف مرض الزهايمر سببا جذريا لغضبهم، فالمريض في هذه الحال لا يتحكم بشكل كامل في أقواله أو أفعاله، لذا فإن أفضل ما يمكنك فعله هو عدم أخذ الأمر على محمل شخصي، والتركيز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات، وأخذ قسط من الراحة من تقديم الرعاية قدر المستطاع عن طريق البحث عن رعاية مؤقتة.

 

 

ماذا أفعل كي أتفهم سن الشيخوخة؟

أولا: اقرأ أكثر عن الشيخوخة، ودع الوالدين يأخذان زمام المبادرة

حاول التعرف على القضايا التي يواجهها المتقدمون في العمر؛ توقعاتهم، وكيفية معاونتهم على التكيف مع التغييرات التي يمرون بها. ضع في اعتبارك حقيقة أن والديك في مرحلة حياتية مختلفة تماما، لذا فإن ردودهم وآراءهم قد تأتي خلافا لما تتوقع، فقد يستجيب البعض لتلك المرحلة بسلوكيات لا تتوافق مع شخصيتهم، لتصل إلى كونها عنيفة أحيانا. يرجع ذلك إلى الهلع المصاحب للشيخوخة، وعدم التوصل على الأغلب إلى طريقة أفضل للتعبير عنه.

 

بحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، يعاني نحو نصف البالغين من العمر، 65 عاما أو أكثر، من التهاب المفاصل؛ ما يؤثر بدوره على نشاطهم البدني. لكنه ليس سوى عرض واحد من أطنان من الأزمات الصحية؛ كهشاشة العظام والالتهاب الرئوي وداء السكري وصحة الفم من فقدان الأسنان وأمراض اللثة وجفاف الفم والأسنان الحساسة وضعف صحة الفم في فقدان الوزن بشكل كبير وسوء التغذية والجفاف والألم. كما أنه وفقا للمعهد الوطني للقلب والرئة والدم، فإن أمراض القلب التاجية هي السبب الأول للوفاة بين النساء في الولايات المتحدة فقط(11)، باعتباره أكثر أنواع أمراض القلب شيوعا بين كبار السن، لكنها ليست جزءا طبيعيا من عملية الشيخوخة، والحفاظ على نمط حياة صحي هو أفضل وقاية منها.

لا تدخل في صدام مع والديك، تحدث معهما بصراحة وأخبرهما أنك تريد مساعدتهما، امنحهما زمام المبادرة وشاركهما المشكلات.

بناء على ذلك، خصص وقتا لفهم ما يشعر به والداك، حثهم على التواصل، اطرح الأسئلة دون أن تحاول التحكم في مجريات الأمور، قدم المساعدة والدعم ولو بحمل جزء من أعباء الأعمال المنزلية نيابة عنهما، بالإصغاء إليهما في حزنهما أو إحباطاتهما، وابذل قصارى جهدك للحضور من أجلهما، انخرط في أنشطة معهما، مثل حضور دروس في شيء يستهويكم والذهاب للتسوق، أو إعداد وصفة جديدة، أو قضاء ليلة تشاهدون فيلما معا، ويمكنك أيضا تشجيع والديك على المشاركة في الهوايات التي كانوا يحبونها والتي ربما توقفوا عن ممارستها منذ فترة.

 

مهما يكن، لا تدخل في صدام مع والديك، تحدث معهما بصراحة وأخبرهما أنك تريد مساعدتهما، امنحهما زمام المبادرة وشاركهما المشكلات وفكروا معا في حلول لها أو قدم لهما خيارات لإظهار تقديرك لاستقلاليتهما، كأن تخبرهما مثلا: أبي، في اعتقادك ما الذي سيساعدك على تذكر تناول أدويتك؟ أمي، ماذا يمكننا أن نفعل لجعل المهمات أسهل قليلا وأقل إجهادا عليكِ؟

 

ثانيا: قدّر مستوى الرعاية المطلوب، ومكّن والديك من إخبارك كيف ومتى تساعد

إن حدث أن أخبرك والداك بشيء يحتاجان فيه إلى مساعدتك، حاول أن تقتصر مساعدتك على ذلك الأمر فقط، لكن تلك ليست قاعدة، والأمر منوط بشخصيتهما وطبيعة علاقتك بأهلك. فلا تقتصر الرعاية على وجه محدد، وإنما تتفكك إلى درجات، فهناك من كبار السن مَن هو بحاجة إلى الأنس والصحبة فحسب، وهناك من يحتاج إلى من يعاونه حركيا بشكل طفيف أو كبير، ومن لا غنى له عن جميع ما سبق. لذا، تتمثل الخطوة الأولى في معرفة مقدار الرعاية التي يحتاج إليها الشخص الأكبر سنا حقا.

 

قد يساعدك إنشاء قائمة بمهام الرعاية اليومية والأسبوعية والشهرية على تنسيق المهام في الليل والنهار وعطلات نهاية الأسبوع، بالنظر في كم النقاط التي يتفق وجودها في الشخص المعني أو فقدانه المقدرة على القيام بها.

 

الذاكرة هي الأكثر التباسا من بينها، فجميعنا عرضة للنسيان ولو من وقت إلى آخر. كما أن مشكلات الذاكرة البسيطة هي جزء شائع إلى حد ما من الشيخوخة، وفي بعض الأحيان تسهم الآثار الجانبية للأدوية أو الحالات الكامنة في إضعاف الذاكرة.

 

لكن يوجد فرق بين التغييرات الطبيعية في الذاكرة، وفقدان الذاكرة الذي يجعل من الصعب أداء مهامنا اليومية، مثل القيادة والتسوق. وتتضمن علامات هذا النوع من فقدان الذاكرة طرح الأسئلة نفسها مرارا وتكرارا، والضياع في الأماكن المألوفة، وعدم القدرة على اتباع التعليمات، والارتباك بشأن الوقت والأشخاص والأماكن.

 

ثالثا: اعتمد طريقة الرعاية بالتناوب، أو قسّم مسؤولياتك

يتعسر مد يد العون لأحد ما في عائلتك وأنت قد نال منك التعب، ضع جدولا ضمّن فيه التزامات العمل ورعاية أطفالك ووالديك، بغرض التخفيف من الإرهاق، والاسترخاء، والتواصل الاجتماعي، وقضاء الوقت في القيام بما تحب؛ فرعايتك لنفسك ليست ترفا، وإنما جزء صحي لا يجب أن يقع بين مشاغل اليوم.

 

يصطلح تسمية الشبان الذين فاق عمر والديهم الخامسة والستين عاما ولديهم أطفال أقل من 18 عاما بجيل الشطيرة، نسبة إلى الضغط الذي يتعرضون له باعتبارهم في قلب الشطيرة ما بين الآباء والأبناء. لذا، إن وجد الظرف الملائم، شجع طرح طرق لتطوير تقسيمات عمل عائلية أكثر إنصافا لك، حدد وقتا منتظما للتواصل مع الأشقاء الآخرين أو أفراد الأسرة أو الأصدقاء الذين يمكنهم المساعدة في رعاية والديك.

 

تستدعي تلك المجهودات إيجاد منفذ صحي للتعبير عن الغضب والاستياء، فمن المهم التنفيس عن خيباتك بطريقة صحية لتجنب الخلاف مع والديك، ومحاولة التحدث إلى صديق أو شقيق، أو خذ بعض الوقت للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو ممارسة الرياضة بالخارج عندما تشعر بالإرهاق.

 

فيحدث أن يولي مقدمو الرعاية كامل انتباههم للآباء المسنين متناسين صحتهم هم. احصل على فحوصات طبية سنوية، وحاول أن تأخذ قسطا من النوم لثماني ساعات على الأقل كل ليلة، وتناول نظاما غذائيا متوازنا غنيا بالبروتين والخضروات لتعزيز مزاجك وطاقتك.

 

رابعا: قم بإعداد شبكات أمان

ابذل قصارى جهدك لإعداد نظام أمان يحافظ على سلامة والديك ولا يعيق روتينهم المعتاد، ووفر أيضا معدات أمان في حال تعرضهم لحالة طبية طارئة أو حادث مثل السقوط. تساعد بعض الأجهزة المخصصة لرعاية كبار السن في تعميق استقلالية والديك المسنين أيضا، كأجهزة منظمات الأدوية، والوسائل المساعدة على الحركة التي من شأنها أن تجعل أنشطة الحياة اليومية أسهل بالنسبة إليهم. وفر لهم ما في استطاعتك وما يضمن لهم الأمان أيضا.

 

 

خامسا: لا تتردد في الإفصاح عن مخاوفك وتطلعاتك لهم، فإنّ هذا من شأنه أن يشعرهم بالأهمية

لا تتوانَ عن تكريم والديك وتقدير وجودهما بالاحتفال معهم وبهم في منحهم القدر الكامل من التعاطف والسماح والعاطفة، دون توقع أي شيء بالمقابل. فإحدى المختصات النفسيات تجزم بأنه في صغرنا ننظر إلى آبائنا على أنهم يعرفون كل شيء دون إدراك أنهم بشر ولهم تطلعاتهم وهواياتهم وتجاربهم الحياتية، لذا اسعَ للتعرف عليهم على مستوى أكثر إنسانية.

 

فقد يراودهم الشعور بالوحدة حيث يفقدون الأصدقاء والأحباء، وقد يصابون بالاكتئاب، إذ وفقا للمعهد الوطني للصحة العقلية، فغالبا ما يظهر كبار السن المصابون بالاكتئاب أعراضا أقل وضوحا، ويكونون أقل عرضة للتعبير عن مشاعر الحزن أو اليأس لديهم. قد يكون والداك يكافحان للعثور على شخص يمكن التحدث معه وقضاء الوقت، صادقهما وشجعهما على اتباع نظام غذائي ونمط حياة صحيين لمساعدتهما على عيش حياة أطول وأكثر صحة.

 

 

المصدر: وكالات