الفنان الإيراني «رضا مهدوي» يتحدث لـ «الوفاق» عن الفن في زمن الحرب المفروضة

حين تصرخ الأوتار.. الموسيقى الإيرانية في مواجهة العدوان الصهيوني

خاص: الوفاق: مهدوي: الموسيقى هي الفن الأول القادر على نقل المهنى، سواء بالكلمة أو دونها، الكلمات التي تُقال في الموسيقى لا يمكن أن تُقال في أي فن آخر.

 

موناسادات خواسته

 

في لحظاتٍ كانت فيها السماء تمطر ناراً، خلال الحرب المفروضة الـ 12 يوماً التي شنّها الكيان الصهيوني على إيران في يونيو 2025، برزت الموسيقى الإيرانية كإحدى أدوات التعبير الثقافي والمقاومة النفسية، لتُعيد تعريف الفن بوصفه سلاحاً روحياً في وجه العدوان. ولم تكن البنادق وحدها في الميدان. بل كانت هناك أوتارٌ ترتجف، وأصواتٌ ترتفع، وألحانٌ تُقاوم. كانت الموسيقى الإيرانية نبضاً لا يُقصف، وصوتاً لا يُسكت.

لقد أثبت الفنانون أن الوجدان الشعبي لا يُهزم، وأن اللحن يمكن أن يكون أقوى من الرصاصة. وفي كل بيت، وكل ساحة، وكل شاشة، كانت هناك أنشودة تُقال، ودمعة تُعزف، وذاكرة تُكتب. شهدنا إنتاج أناشيد وأعمال موسيقية كثيرة، ففي هذا المقال نتطرق إلى جزء منها، ونقدّم الحوار الذي أجريناه مع الفنان الإيراني الأستاذ «رضا مهدوي» الذي كان حكماً في كثير من المهرجانات وأمين عام مهرجان فجر الدولي للموسيقى، وهو أستاذ في العزف على السنتور، وله نشاطات وجوائز عديدة في المجال الموسيقي.

الموسيقيون في الصفوف الأمامية للوجدان
منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني، بدأ الفنانون الإيرانيون، من مختلف التيارات والمدارس، بإنتاج أعمال موسيقية تُجسّد الوجع الوطني، والبطولة الشعبية، والرفض الجماعي للعدوان. وقد شارك في هذه النهضة الموسيقية منشدون تقليديون، وملحنون شباب، وعازفون من فرق شعبية ومحترفة، حيث تم بث عشرات الأناشيد عبر الإذاعة والتلفزيون، ومنصات التواصل الاجتماعي، بعضها ارتجالي، وبعضها أُنتج خلال ساعات قليلة من العدوان، منهم: همایون شجريان الذي قدّم مقطوعات جديدة بصوتٍ حزين، تُجسّد صمود الشعب في وجه القصف.
وكذلك محسن جاووشي ورضا یزداني اللذان أطلقا أناشيد تعبويّة تتحدث عن الشهداء المدنيين، والمقاومة اليومية في المدن المستهدفة، وقد لاقت أنشودة «علاج» للمنشد جاووشي إقبالاً  كبيراً.
كما شهدنا عزف الأوركسترا السيمفونية في ساحة آزادي بحضور وزير الثقافة سيد عباس صالحي من أجل الوطن عن آخر عرض موسيقي لحملة «باسم إيران» التي نشأت للتذكير بأهمية التضامن الوطني وسط الحرب المفروضة على إيران.
كان عرض أوركسترا طهران السيمفوني بقيادة نصير حيدريان في وسط ساحة آزادي، عرضٌ أُقيم بهدف تعزيز القدرة على التحمّل وتذكير الجمهور بجريان الحياة اليومية في جميع الظروف، عقب الحرب المفروضة التي دامت 12 يوماً.
اليوم الذي كان يوماً مميزاً، إن لم يكن استثنائياً، على الأقل لا يُنسى في تاريخ الموسيقى الإيرانية؛ يومٌ عزفت فيه أوركسترا طهران السيمفونية بقيادة نصير حيدريان وبمشاركة 57 عازفاً في قلب ساحة آزادي.

شملت الحملة خمسة عروض موسيقية في الشارع وعرضاً مسرحياً واحداً. بدأ الجزء الموسيقي منها يوم الأحد، 22 يونيو، بعرض لـ «علي قمصري» في ساحة آزادي، وانتهى يوم الأربعاء25 يونيو، بعرض أوركسترا طهران السيمفونية، أيضاً في ساحة آزادي.
وأخيراً أصدر المنشد الشاب لموسيقى البوب «آرون أفشار» عملاً جديداً بعنوان «إيران»، جاء في قسم منها: «وطني، يا قطعة من جسدي.. يا إيران.. يا إيران، يا إيران، يا إيران أنا عاشق لشعبك الطاهر أنا مرتبط بجذورك وترابك أنا إلى الأبد ابنك، يا إيران.. يا مهد الحضارة، الحب والوفاء يا من أرهقك الظلم والجفاء أنا قاتل عدو ترابك، يا إيران»
«من الشمال والجنوب ونهر أرس أقسم بحدودك وأرضك لم تصل إليك يد العبث وأقسم بالخليج الفارسي إلى الأبد».

تنوّع التعبير الموسيقي
لم تقتصر الموسيقى على الأناشيد الفردية، بل شهدت إيران خلال هذه الأيام عروضاً موسيقية جماعية، منها: عروض الأوركسترا الوطنية التي عزفت مقطوعات مثل «إيران سرفراز»، في مراسم تكريم الشهداء، وموسيقى اللطم الحسيني التي اندمجت مع مشاهد المقاومة، خاصة في المدن الدينية مثل قم ومشهد المقدستين، حيث رُبطت عاشوراء بالحرب المعاصرة.
الموسيقى الشعبية المحلية من كردستان وخوزستان وبلوشستان، التي عبّرت عن التضامن من الأطراف إلى المركز، بلغة التراث والوجدان.

الهوية الموسيقية في وجه الطمس الاعلامي
في ظل العدوان، برزت الموسيقى الإيرانية بوصفها حاملة للهوية الثقافية، حيث استُخدمت المقامات الفارسية التقليدية مثل «شور»، «ماهور»، و«دشتي» في الأناشيد التعبوية، لتُعيد ربط الشعب بجذوره الروحية.
كما ظهرت آلات مثل: الدف والتنبك في العروض الجماعية، والـ «ني» والتار في المقطوعات التأملية، السنطور والكمانجه في الأناشيد الحزينة.
هذا التوظيف الفني لم يكن مجرد اختيار جمالي، بل كان موقفاً ثقافياً ضد التغريب والطمس، حيث أكّد الفنانون أن الردّ على العدوان لا يكون فقط بالصواريخ، بل أيضاً بالإيقاع الذي لا يُقهر.

الموسيقى وسيلة فعّالة لتوحيد الخطاب الشعبي 
في ظل الحرب الإعلامية، كانت الموسيقى وسيلة فعّالة لتوحيد الخطاب الشعبي، حيث استخدمت القنوات الرسمية الأناشيد الوطنية لإثارة الحماس، قام المواطنون بمشاركة الأناشيد عبر تطبيقات مثل تلغرام وإنستغرام، تحوّلت بعض الأناشيد إلى رموز رقمية تُستخدم في الصور والمنشورات التعبوية، وقد ساهم هذا في خلق جبهة ثقافية متكاملة، تُقاوم العدوان بالصوت كما تُقاومه بالصورة والكلمة. وفيما يلي حديث الأستاذ «رضا مهدوي» عن الموسيقى في هذا المجال:

 

مهدوي: الموسيقى تُقاوم

بداية، يتحدث الأستاذ رضا مهدوي عن دور الموسيقى أثناء الحرب المفروضة الـ 12 يوما، ويؤكد على أن الموسيقى لعبت دوراً مصيرياً عبر العصور في ساحات الحرب والمقاومة، لكنها في هذه الحرب المفروضة غير المتكافئة، كان من الضروري الإستماع أكثر إلى الموسيقى الحماسية والمفعمة بالأمل، قائلاً: «معظم ما بُثّ من الإعلام الوطني كان من نتاجات السنوات الماضية، أعمال وطنية محفوظة، رغم أن الحاجة كانت ماسّة لسماع نماذج حماسية مثل: «أي ايران، اي مرز بُر كُهر» بمعنى «أي إيران، يا حدود المجد» بصوت بنان و«إيران، يا دار الأمل»، و«أمريكا أمريكا ننك به نیرنك تو» أي «أمريكا عار على خداعك» بصوت أسفنديار قره باغي. ويضيف أن بعض الفنانين حاولوا إنتاج أعمال جديدة، لكنها لم تلامس وجدان الناس، باستثناء عمل «إيران» بصوت محمد نوري، وأنشودة «علاج» التي كتبها كاظم بهمني ولحّنها وأنشدها محسن جاووشي، ونجحت في سدّ الفراغ الفني بنجاح كبير، حتى أصبحت من أبرز الأصوات التي ترددت في تلك الأيام، ويعتبر مهدوي أنشودة «علاج» تحفة شعرية وموسيقية، ويقول: أعطى دفعة قوية للآذان والقلوب التي تؤمن بثقافة الاستماع السليم، وقد لاقى ترحيباً كبيراً من الناس، ولا يزال يُستمع إليه. كاظم بهمني، الشاعر الموهوب، ومحسن جاووشي، الملحن والمنشد المميز، قدّما عملاً جديراً بالاهتمام، سدّ إلى حد كبير هذا الفراغ.

التأثير.. حين تكون الموسيقى أقوى من السياسة
يرى مهدوي أن تأثير الموسيقى كان أعلى من أي نشاط سياسي أو إعلامي قائلا: «الموسيقى وحدها كانت الحافز الشعبي للتماسك والدفاع، حتى في الفضاءات غير الرسمية، كان الجميع يتفاعل مع الأناشيد والمقاطع الملحمية التي أُنتجت، ما يدل على أن ثقافة الاستماع ما زالت حيّة وتُشكّل الوجدان الجمعي.» ويعتبر أن الفيديو كليبات والأناشيد كانت بمثابة النبض الشعبي الذي دفع الناس للتمسك بالأمل ونبذ الخوف.

الفن كصوتٍ للمظلومية
في تقييمه لقدرة الموسيقى على التعبير عن المظلومية، يقول رضا مهدوي: «الموسيقى هي الفن الأول القادر على نقل المعنى، سواء بالكلمة أو دونها. الكلمات التي تُقال في الموسيقى لا يمكن أن تُقال في أي فن آخر… حتى السينما تعتمد عليها. اليوم، كل إنتاجٍ يتكئ على موسيقى مناسبة، والعالم يستغل أنواع الموسيقى بطريقة فعّالة جداً.»

المزج بين التقليدي والحديث في الموسيقى العاشورائية
وفي ما يخص استخدام الموسيقى الحديثة في المجالس المحرّمية، يرى أنها تجربة لا مانع منها، شرط أن تحافظ على المستوى الفني والمعرفي، قائلاً: «التجربة ليست جديدة، ونحن نستمع منذ نحو عقدين إلى نماذج متنوّعة. لكن لا يجوز أن تكون الأعمال سطحية. يجب أن تتمتع بالإتقان، وبمعرفة دقيقة بتاريخ عاشوراء والمقتل ومبادئ التلحين.»

النغمة الإيرانية الشامخة
في كلمات رضا مهدوي، نلمس روح الفنان الذي يرى في الموسيقى أكثر من إيقاع… إنها موقف تاريخي، وصرخة وجدانية، وذاكرة وطن لا تُنسى. من «إيران» إلى «علاج»، تظل النغمة الإيرانية شامخة، تقاتل بالكمان، وتُقاوم بالحنجرة، وتحفر للوجدان مساراً لا ينسى في الزمن.

 

المصدر: الوفاق/ خاص