في قلب طهران، وعلى جدار ساحة الجهاد، ارتسمت ملامح الحنين الوطني في لوحة فنية تحمل عنوان «صدى الحب لإيران». هذه الجدارية ليست مجرد تكريم لرمز موسيقي، بل هي تجسيد بصري لصوتٍ ظلّ يرنّ في وجدان الإيرانيين عقوداً طويلة. بصورة الراحل محمد نوري، المنشد الذي أنشد للوطن بصدقٍ ودفء، وبشعار «يا أحلى حلم لي، إبقَ». تتحدث الجدارية بلغة الفن عن عشقٍ لا يذبل، وانتماءٍ لا يُنسى. إنها لحظة تلاقي النغمة مع اللون، والذاكرة مع الحنين، لتُعيد إلى الواجهة أنشودة «يا إيران، إيران» بكل ما تحمله من فخرٍ وهوية.
تم إزاحة الستار عن جدارية ساحة الجهاد في طهران تحت عنوان «صدى الحب لإيران» الخميس 24 يوليو، وكان ذلك تكريماً للراحل محمد نوري، حيث ظهرت صورة لهذا المنشد وعازف البيانو الراحل إلى جانب شعار «يا أحلى حلم لي، إبقَ».
وخُصصت هذه الجدارية لتصميم يحمل صورة «محمد نوري»، منشد أنشودة «أي إيران، إيران» أي «يا إيران، إيران» التي تُعد من أكثر الأعمال الموسيقية الإيرانية تأثيراً وبقاءً، إذ تثير في المستمع مشاعر الفخر والحب لإيران من خلال مضامينها الوطنية والحماسية. وتُعرف هذه الأنشودة أيضاً بإسمين هما «إيران» و«يا وطن»، وتُعد من أبرز أعمال محمد نوري.
هذه الجدارية من تصميم «بيت مصممي الثورة الإسلامية»، وقد تولى «محسن كربلائي زادة» تصميمها الغرافيكي، فيما توَلّى «علي خلج» تصميم الخط، وقد تم تركيبها وكشف النقاب عنها بجهود منظمة «أوج» الفنية الإعلامية.
برز نشيد «أي إيران، إيران» ليس فقط كأنشودة وطنية، بل كصوتٍ بديلٍ عن النشيد الرسمي، يحمل بين نبراته الإيقاعية صرخةَ شعبٍ يتشبث بجذوره الثقافية وهويته الراسخة. هذه القطعة الموسيقية، التي أُلّفت في أربعينيات القرن العشرين، تحولت إلى أيقونة وطنية غير رسمية تُردَّد في المدارس والاحتفالات، وحتى المظاهرات، وكأنها مرآةٌ للكرامة والإباء الإيراني.
كلمات النشيد من تأليف تورج نكهبان، وألحانه من تأليف محمد سَرير، وقد نُشر لأول مرة ضمن ألبوم بعنوان «أجمل ما في القلب» في عام 1981 م، وتتناول كلماته، بأسلوب عاطفي ونبرة حماسية، تمجيد الثقافة والتاريخ والهوية الإيرانية، وتعزز في المستمع روح الوطنية. تُعد هذه القطعة من أهم وأبقى الأعمال الوطنية، وقد ألهمت أجيالاً من المنشدين والملحنين في الموسيقى الوطنية الإيرانية، وتم نشرها أو إعادة أدائها في فترات تاريخية مختلفة، منها الحرب المفروضة التي استمرت 12 يوماً، عبر الفضاء الإفتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أعاد إحياء مشاعر الفخر الوطني والإنتماء لإيران في قلوب الناس.
جاء في مقطع من كلمات الأنشودة: « في روحي وقلبي، تبقى يا وطن.. تحت قدميك يسقط قلبٌ لا يرتجف لأجلك.. لا تُروى قصة هذا العشق بالكلام.. فكل العالم لا يساوي شيئاً أمام حبك السامي.. يا إيران إيران، بعيداً عن حضنك الطاهر، تمتد يد الغرباء ذوي الطبع السيئ.. يا حباً متوهجاً، يا أحلى حلم لي، ابقَ في القلب والروح.. يا إيران إيران، حديقتك الخضراء بعيدة عنك، ينهبها خريف ظلم الزمان.. يا شمساً مشرقة، يا من تنير عالمي ابقَ في هذا العالم..»
كما أُعيد أداء قطعتي «إيران، إيران»، و«بيت الأخيار» («رحلة من أجل الوطن») من أعمال الراحل نوري، ضمن إطار «أي ميهن إلهي» بمعنى «يا وطن الإلهي» بصوت محمود كريمي، الرادود الحسيني، خلال شهر محرم في هيئة راية العباس(ع). وقد نالت «يا وطن الإلهي» اهتمام قائد الثورة الإسلامية، حيث طلب من كريمي، خلال ليلة عاشوراء في مراسم العزاء في حسينية الإمام الخميني(رض)، أن يؤدي أنشودة «يا إيران»، وهو ما لاقى تفاعلاً واسعاً وإيجابياً من الشخصيات العامة والجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي.
– اللغة والصور الشعرية: النص يستخدم لغة عاطفية مشبعة بالصور المجازية، مثل «يا أحلى حلم لي» و«شمساً مشرقة»، مما يضفي طابعاً وجدانياً عميقاً. هذه الصور تُجسد الوطن ككائن حي محبوب، وتُعزز العلاقة الروحية بين الإنسان والأرض.
– الأسلوب الحماسي: القصيدة تتبنى نبرة حماسية واضحة، تُظهر في استخدام التكرار («يا إيران، إيران») والتأكيد على الثبات والانتماء، مما يُضفي طابعاً شبه ملحمي على النص.
– الموضوع والمضمون: تدور القصيدة حول الحب غير المشروط للوطن، وتُعبر عن استعداد الشاعر للتضحية بكل شيء من أجل إيران. كما تُبرز مفاهيم مثل الطهارة، النور، والانتماء، وتُدين الغزاة والغرباء.
– البنية الشعرية: النص يتبع نمطاً شعرياً حراً، لكنه يحافظ على وحدة الموضوع والانسجام الداخلي، مما يجعله مناسباً للتلحين والإنشاد.
– اللحن والتوزيع: اللحن من تأليف محمد سریر، ويتميز باستخدام المقامات الإيرانية التقليدية، غالباً مقام «ماهور» أو «شور»، مما يُضفي طابعاً كلاسيكياً ووطنياً على الأنشودة. التوزيع الموسيقي يُبرز صوت البيانو، الذي كان آلة محمد نوري المفضلة، ويُضفي دفئاً وعمقاً على الأداء.
– الإيقاع: الإيقاع متوسط السرعة، يُناسب طبيعة النص الحماسي والعاطفي، ويُتيح للمستمع التفاعل مع الكلمات دون أن يُشتت انتباهه.
– الأداء الصوتي: صوت محمد نوري يتميز بالصفاء والدفء، ويُجسد صدق المشاعر الوطنية. أداؤه يُظهر تحكماً عالياً في الطبقات الصوتية، خاصة في المقاطع التي تتطلب تصعيداً عاطفياً.
– التأثير الثقافي: الأنشودة أصبحت رمزاً وطنياً، وغالباً ما تُعاد في المناسبات الوطنية والدينية، كما أنها ألهمت العديد من الفنانين لإعادة أدائها أو اقتباسها في أعمالهم.
وهكذا، لا تقف جدارية «صدى الحب لإيران» عند حدود الفن البصري، بل تمتد لتصبح مرآةً لذاكرة وطنية نابضة، تستحضر صوت محمد نوري الذي أنشد لإيران كما تُنشد الروح لعشقها الأول. هذه اللوحة على جدار العاصمة ليست مجرّد تذكّر، بل هي تجديدٌ للعهد مع الهوية، مع الكبرياء، مع الانتماء. وفي كل نغمةٍ من الأنشودة، وفي كل خطٍ من الجدارية، ينبض قلب وطن، يقول لمن يمر: «هنا إيران، هنا الحب، هنا الخلود».